“الخطة الأمنية في بيروت” تقتصر على “دوريات الدراجات”: سلاح فرديّ ومطلوبون و”الطُّفار” يغزون بيروت

“الخطة الأمنية في بيروت” تقتصر على “دوريات الدراجات”: سلاح فرديّ ومطلوبون و”الطُّفار” يغزون بيروت

الكاتب: فتات عيّاد | المصدر: نداء الوطن
23 تشرين الثاني 2024

إنها بيروت، أو “مدينة النازحين”، التي تستقبل أكثر من 350 ألف نازح وحدها، بين مراكز إيواء وشقق مؤجرة أي ربع النازحين بفعل الحرب الإسرائيلية على لبنان، في اختلاط غير مسبوق بين البيئتين النازحة والمضيفة ضمن مساحة لا تتخطى 20 كلم مربع. هذا النزوح، دونه تحدّيات أمنية. فماذا في تفاصيل ما يحدث؟ وماذا عن خطة أمنية يأمل المواطنون أن ترى النور؟

تبدأ التحدّيات الأمنية بخشية استهداف قياديين لـ “حزب اللّه”، ولا تنتهي بالخوف من إشكالات بين البيئات الحاضنة والمضيفة. لكن هواجس أخرى لا تقلّ خطورة، فرضها النزوح اليوم: كالسلاح الفردي الذي “نزح” ضمن ثقافة السلاح، إضافة إلى المطلوبين من تجار مخدّرات وقتلة و”طُفّار” هربوا إلى بيروت وجبل لبنان لا سيّما بعد استهداف البقاع. أما الخطة الأمنية التي أعلنت عنها قوى الأمن، فاقتصرت على حواجز لضبط الدراجات النارية المخالفة، وكأنّ المطلوبين الذين اختبأوا لسنوات في حي الشراونة وغيره هرباً من توقيفهم، “رح يسرحوا ويمرحوا” أمام حواجز قوى الأمن في بيروت.

وحظيت خطة القوى الأمنية التي بدأت في 11 تشرين الثاني الجاري، لضبط مخالفات الدراجات النارية في عز الحرب، بسخرية اللبنانيين، على قاعدة أنه “مش وقتها”. في السياق، تعلّق مصادر في وزارة الداخلية لـ “نداء الوطن”، بأن “اجتماعات مجلس الأمن الداخلي المركزي مفتوحة وتعقد باستمرار في وزارة الداخلية لمتابعة ملف النزوح”.

لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل تقتصر الخطة الأمنية على دوريات للدرّاجات يتمرّد عليها عناصر “حزب اللّه” بسلاحهم عند محلة وادي الزينة، فيما لا خطة تحمي سكان بيروت ونازحيها على السواء؟

مخاطر أمنية كبرى وخطة خجولة

منذ أيام، بدأت “الحملة الأمنيّة لقوى الأمن الداخلي في محافظتَي بيروت وجبل لبنان لضبط مخالفات الدرّاجات النارية”، حيث يتمّ تنفيذها يومياً خلال الفترة المسائية، “بغية الحدّ من هذه الجرائم والإشكالات”.

ولم يكد يمضي 4 أيام، حتى سجّل أول تمرّد عليها من قبل عنصر في “حزب اللّه”، أطلق النار على دورية لقوى الأمن في وادي الزينة، رافضاً إبراز أوراق الدرّاجة بحجّة أنها لـ “حزب الله”، ما أدّى إلى إطلاق نار متبادل. وتكشف هذه الحادثة، أن “الإشكالات” و”الجرائم” المرتكبة على درّاجات نارية، ليست سوى أبسط الهواجس الأمنية التي طرأت مع النزوح، والتي تلخّصها مصادر أمنية متابعة على الأرض بالآتي:

– السلاح الفردي، والخفيف، غير المرخص، الذي نقله نازحون، سواء إلى مراكز الإيواء أم إلى سياراتهم والشقق التي استأجروها.

هذا السلاح “غير ظاهر”، لكنه موجود، وقد يستخدم في نزاعات بين النازحين أنفسهم أو في إشكالات مع بيئات محيطة نتيجة تداعيات النزوح، وقد رأيناه في حادثة إطلاق النار في إحدى مدارس عاليه.

– ظاهرة السيارات “المفيّمة” (ذات الزجاج الداكن) من دون ترخيص التي تجوب بيروت، وهي بغالبيتها لنازحين من الجنوب. وبحسب المصادر، “لا نعرف من في داخلها”. وهي تأتي ضمن ثقافة الاستقواء على الدولة، لكن لا يمكن إسقاطها من الهواجس الأمنية الطارئة.

– نزوح المطلوبين عموماً، و “الطفّار” خصوصاً من أحياء الشراونة والكنَيسة في بعلبك، وهؤلاء صادرة بحقهم مذكرات توقيف بتهم القتل والإتجار بالمخدرات والخطف مقابل فدية… و “لا يحملهم رأسهم” وقد يلجؤون إلى السلاح ببساطة إذا تورّطوا بإشكالات، وبعضهم ملاحق في قضايا ثأرية.

وتختصر المصادر المشهد، بسائق سيارة أجرة، تجاوز أو “كسر” على إحدى الدرّاجات النارية في أحد شوارع بيروت منذ أيام، فأشهر صاحب الدراجة “ذو اللكنة البقاعية” سلاحه بوجهه، وتعلّق المصادر “إن أهالي بيروت لا يعرفون كيف يتعاملون مع تحدّيات كهذه، تفوق فكرة اختلاط الثقافات، لتصبح اختلاطاً مع مسلّحين، وربما مطلوبين”.

الجيش وشرطة بيروت “يطمئنان”

ننقل هذه الهواجس، إلى قيادة شرطة بيروت التي تتكتّم بشكل مطلق على خطتها. وتكتفي بالتعليق بأنّ “السلاح الفردي تمّ نقله كما تمّ نقل مقتنيات الذهب، لكنه، “غير ظاهر”.

أما مصادر أمنية في الجيش، فكشفت لـ “نداء الوطن” بالأرقام، تسجيل 338 حالة خلاف تخلّله إطلاق نار على الأراضي اللبنانية منذ 1 تشرين الأول الماضي، وكانت الخلافات المتعلقة بالنازحين، لا تتجاوز 15 خلافاً مسلّحاً.

أما بالنسبة إلى المطلوبين، فتطمئن المصادر “استأنفنا عملنا حتى داخل القرى حيث يتواجد المطلوبون مثل حورتعلا في البقاع، أو في بقية المحافظات، حيث سجلنا 20 مداهمة في بيروت وجبل لبنان وحدهما لمطلوبين بتجارة المخدرات”.

مصادر قوى الأمن: الخطة “تدريجية”

بالعودة إلى الخطة الأمنية لقوى الأمن في بيروت وجبل لبنان، التي تضعها مصادر أمنية، في قوى الأمن الداخليّ، في خانة “دورنا على مدار الساعة لضمان عدم استغلال الأوضاع الاقتصادية للنازحين والبيئات المضيفة”، توضح المصادر أن الدوريات تتركز في المناطق الأكثر اكتظاظاً في بيروت، ككورنيش المزرعة وغيرها، وكذلك المناطق غير المعتادة على الاختلاط بهذه الكثافة مع البيئات النازحة، كالطريق الجديدة.

نسأل المصدر عمّا إذا كانت الخطة الأمنية التي تقتصر على دوريات وحواجز على الدرّاجات، ترقى للتحدّيات الأمنية، فيجيب بأن “الأمن لا يتجزأ، وعملنا متكامل على الأرض كعناصر مدنية، واستقصاء، ومعلومات، وليس فقط كحواجز درّاجات، وكل قطعاتنا تعمل على الأرض”، معتبراً أن “مجرد وجود عنصر الأمن في شوارع بيروت يبعث الراحة النفسية لدى الناس، ويردع نسبة الجريمة”.

وعن السيارات “المفيّمة”، يوضح أنه في هذه المرحلة الصعبة على النازحين واللبنانيين عموماً، نكتفي إنسانياً بإزالة المخالفة ولا نحجز السيارة في حال كانت أوراقها قانونية.

وشهدت بيروت أكبر موجة نزوح في 23 أيلول الماضي من الجنوب، وأكبر موجة نزوح في 27 أيلول الماضي من الضاحية، ليلة مقتل الأمين العام لـ “حزب الله” السابق حسن نصرلله.

وبين الموجتين وما لحقهما من موجات نزوح من البقاع وبعلبك والهرمل، لم تُقِم القوى الأمنية حواجز لترصد مطلوبين من مناطق معينة، “فهذه القصص تحصل تدريجياً، نتيجة الحملة الأمنية”، ويطمئن المصدر، بأن الحواجز الليلية، تصادر السلاح غير المرخص، في حين أن المطلوبين ممن عليهم مذكرات توقيف، تنفذ فيهم البلاغات الموجودة بحقهم.

غرفة إدارة الكوارث: ننسّق مع شرطة بيروت

البلديات، والجمعيات، وأمن الدولة، تناط بهم اليوم حراسة مراكز الإيواء، وعددها في بيروت وحدها 172 مركز إيواء، في حين أن آمري فصائل قوى الأمن يتابعون الوضع على الأرض، كما أن للجيش نقاط تمركز، جاهزة للتدخل في حال حصول نزاعات كبيرة.

أمين السر في غرفة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة بيروت، ورئيس دائرة المحافظة، سامر يعقوب، يشرح في حديثه لـ “نداء الوطن”، عن آلية التنسيق بين الغرفة وقوى الأمن الداخلي “كمحافظة، نحن على تنسيق 24/24 مع أمن الدولة، ومخابرات الجيش، وقوى الأمن الداخلي، عبر قيادة شرطة بيروت، لبث الطمأنينة في النفوس وسحب فتيل أي نزاع، وهناك ضابطان منتدبان من شرطة بيروت ضمن غرفة إدارة الكوارث، هما على تنسيق مباشر مع قيادتهما بالنيابة عن الغرفة، ويتابعان أي حادث أمني يتعلق بمراكز الإيواء أو النازحين والبيئة المضيفة ضمن بيروت”.

وعن وجود السلاح في مراكز الإيواء، يعلّق بالقول “إن وجد وعلمنا به، يتم إبلاغ مخابرات الجيش أو القوى الأمنية، لكن لا سلاح ظاهراً في مراكز الإيواء، وجميع الإشكالات التي حصلت محدودة وتحصل بين الأخ وأخيه نتيجة الاكتظاظ، ولم يتخللها استخدام أي سلاح”.

من جهتها، علّقت مصادر وزارة الداخلية بأنّ “التنسيق مع سائر الأجهزة متواصل واجتماعات مجلس الأمن الداخلي المركزي مفتوحة”.

ينتقد العميد المتقاعد خالد حمادة، غياب خطة الطوارئ الأمنية ويقول “خطة حواجز الدرّاجات في ظروف خاصة، تستلزم تدابير خاصة، فهناك أشخاص عليهم جنح وجرائم، انتقلت احتمالات ارتكابهم الجرائم معهم. كما أن بيروت تحوّلت باركينغ سيارات، الآلاف منها لا نعرف أصحابها، وتعيق الحركة التجارية في العاصمة وربما بينها سيارات مسروقة، وهناك تجمّعات عشائرية لنازحين من البقاع لديهم عادات قد تكون لها تبعات تتحوّل لنزاعات في المستقبل مع البيئات المضيفة. وهناك مخدرات في مراكز إيواء تهدّد النازحين الأبرياء”.

لا قاعدة معلومات

وفي وقت امتلأ 172 مركز إيواء في بيروت بأكثر من 54 ألف نازح، فإن الدولة اللبنانية لا تعرف شيئاً عن داتا قرابة الـ 300 ألف نازح في شقق بيروت، من هنا، يشدّد حمادة على ضرورة “مسح كل مراكز النزوح بما فيها البيوت بهدف الوصول لقاعدة معلومات شاملة ذات طابع أمني – اجتماعي، بالتعاون مع البلديات والمخاتير، لتمكين الدولة من معرفة الأشخاص الذين لم تشملهم الإحصاءات لأسباب أمنية أو قانونية أو قضائية، وضمان التوزيع العادل كذلك للمساعدات الاجتماعية، معتبراً أنه لو وجد القرار المركزي من وزارة الداخلية عبر مجلس الأمن المركزي، لمسحت بيروت خلال 20 يوماً. وكما فشلت الدولة في وضع خطة إيواء مسبقة للنازحين، ها هي تفشل اليوم في الأمن الاستباقي. والفشل الذي لا يغتفر، عودة “الأمن الذاتي والحزبي” في المناطق، علماً أن تحدي بسط سيادة الدولة لا يقع على عاتق الأجهزة الأمنية وحدها، إنما يتطلّب قراراً سياسياً جريئاً، لحماية النازحين والبيئات المضيفة، كي لا يتركوا تحت رحمة الدويلات، لا الآفل منها، ولا المستجدّ.