هوكشتاين وتوسيع قاعدة تأييد الاتّفاق!
أظهرت جولة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على مجموعة من القيادات السياسية اللبنانية التي حرص على لقائها مع السفيرة الأميركية في لبنان ليزا جونسون الرغبة ليس في تضييع الوقت حتى إنجاز الثنائي الشيعي مناقشاته الداخلية وربما مع إيران أيضاً على الصيغ التي يمكن قبولها في اتفاق وقف النار، بل على إطلاعها على مضمون الاتفاق ومرتكزاته وما يجب توقّعه.
يحتاج الاتفاق في حال حصوله، وفق ما هو مرجّح، إلى ضمان تأييد كل القوى السياسية في لبنان للاتفاق ودعمها كذلك، لئلّا ينفرد “حزب الله” في الاستئثار بالقرار اللبناني سلماً بعد استئثاره به حرباً. وهو الأمر الذي قد يغطي الثغرة في أداء أهل السلطة سواء بتولي رئيس مجلس النواب نبيه بري التفاوض بالنيابة عن “حزب الله” وبتكليف منه في ظلّ استبعاد كلّي للقوى السياسية عن اتفاق يفترض انه سيشمل لبنان ويترك انعكاسات كبيرة عليه مستقبلاً وسواء بتغييب السلطة التنفيذية نفسها عن مسؤولية التفاوض باسم لبنان والتنازل عن صلاحياتها في هذا الإطار.
يفتح ذلك مزدوجين إزاء ملاحظات تبديها أوساط سياسية حول الاعتراض التي قدّمه كلّ من حزب “القوات اللبنانية” وحزب الكتائب عن استمرار بري بالتفاوض وعدم اطلاع الكتل النيابية وإشراكها في مناقشة الاتفاق فيما غاب عن ذلك “التيار الوطني الحر” الذي يقاطع الحكومة بذريعة منعها من الاستئثار بصلاحيات رئيس الجمهورية فيما يصمت كليّاً عن تولّي بري ذلك.
سمحت خطوة هوكشتاين على الأرجح للقوى السياسية بإبداء ملاحظاتها فضلاً عن الاطلاع على نقاط الاتفاق كما هي وما هو مطروح للمناقشة. فإشراك القوى اللبنانية والحصول على تأييدها سيسمح في المرحلة التالية بالحصول على الدعم الدولي للاتفاق والذي يمكن أن يتعثر في حال تحفّظ القوى اللبنانية على مضمونه أو عدم رضاها عنه. فالإجماع الدولي سيشكل حاضنة إضافية للبنان لا بدّ منها من أجل أن يحرج لاحقاً كلّ من إسرائيل و” حزب الله” من حيث وضع كلّ منهما أمام مسؤولياته والتزاماته.
فالضمانات ستكون أميركية في الدرجة الأولى للطرفين اللبناني والإسرائيلي وعليها سيتم ارتكاز قوى إقليمية ودولية لاحقاً للمضي قدماً في اتجاه إعادة تقديم الدعم السياسي للبنان والمساهمة في إعادة إعماره كذلك.
فإذا كان سيناريو الاتفاق هو ما يتقدم، فإنّ هذا الاتفاق سيكون متعدد الأبعاد على خط التزام إيران أيضاً بعدما كان كبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني أعطى موافقة بلاده للحزب من أجل الموافقة على وقف النار مشيراً أثناء وجوده في بيروت إلى أنّها يمكن أن تتيح لحلّ في المستقبل كما قال. وجوهر المفاوضات الجارية راهناً يتعلق بمدى إمكان بقاء الحزب قوّة عسكرية يتاح لها تجديد نفسها حتى بعيداً من الجنوب أم إلغاء هذا الاحتمال كلياً عبر تفاهمات إقليمية غير واضحة حتى الآن أو تقييده فحسب.
إذا نجح هوكشتاين في التوصّل إلى وقف للنار موّفقاً بين المقاربة الاسرائيلية والمقاربة من “حزب الله” ولبنان وفق ما هو مرجّح من مفاوضاته التفصيلية في لبنان، فإنّ إسرائيل تتطلع إلى مكسب يتعدّى الحلّ في شمالها والذي يفترض أنّه سيكون بعيد المدى و”نهائياً ” من حيث المبدأ. إذ إنّ هذه “النهائية ” ستتقرر لاحقاً بالاستناد إلى جملة اعتبارات مستقبلية . وهذا المكسب يتمثل في حجم الضغط الذي سيشكله التوصل إلى وقف للنار على حركة “حماس” من أجل مراجعة حساباتها في شأن الذهاب إلى التفاوض والتنازل عن شروطها في هذا الإطار.
إذ سيشكل ذلك نجاحاً لا يمكن انكاره او تجاهله نتيجة نقل إسرائيل المواجهة الكبيرة إلى لبنان والتي ستنتهي عملانياً بالفصل بين لبنان وغزة للمرة الأولى منذ أعلن “حزب الله” الحرب في الجنوب في 8 تشرين الأول 2023 من أجل “إسناد” غزة . وهو أي الحزب كان اشترط لوقف النار في لبنان بوقف الحرب في غزة على قاعدة ابقاء الجنوب جبهة مشتعلة ترغم اسرائيل على الذهاب الى تسوية في غزة.
وهو الأمر الذي لم يحصل فيما اضطر الحزب إلى التخلي عن مبرره الأساسي بالربط بين الحربين أو الجبهتين نتيجة الحرب الإسرائيلية التي دمرت الكثير من مقومات الحزب وبنيته القيادية والعسكرية. وهذا العنصر جوهري ومركزي من شأنه أن يعزل ” حماس” ويتركها وحيدة في الساحات من دون أيّ وحدة معها فيما إذا صح التعبير من جهة فضلاً عن أنّه سيستكمل الضغط الذي يشكله الكلام على اضطرار قيادات الحركة إلى مغادرة قطر فيما تنفي تركيا أن تكون مقرّاً لهذه القيادات أيضاً.