خاص- ما مصير القرى الحدودية في أيّ اتّفاق مع إسرائيل؟
في كلّ يوم يتأخّر فيه اتّفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، يصبح مصير القرى اللبنانية التي دخلها الجيش الإسرائيلي ودمّرها، في مهبّ المجهول. وحتّى إن تمّ التوصّل إلى اتّفاق، فلا شيء واضحاً حتّى الساعة حول الوضعيّة التي سيكون عليها هذا الشريط من القرى والبلدات الحدوديّة. ومن الصعب أن نتخيّل عودة الحياة إلى طبيعتها وإعادة إعمار ما تهدّم، تمهيداً لرجوع الأهالي، إلّا إذا انسحبت إسرائيل كليّاً، وتخلّت عن فكرة إقامة منطقة عازلة.
ويسود الغموض الكبير ماهيّة البنود التي تتمّ مناقشتها في المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت، والتي يبدو أنّها دخلت في التفاصيل، بدليل الاجتماعات المطوّلة ذات الطابع التقني التي عقدت. وفي انتظار اتّضاح الموقف الإسرائيلي من الطروحات التي نوقشت، يبدو ممّا تسرّب عن مضمون مشروع الاتّفاق، أنّ البنود تنصّ على هدنة تجريبية لمدة ستين يوماً، يتمّ في خلالها انسحاب عناصر الحزب إلى شمال الليطاني، وينتشر الجيش اللبناني جنوب النهر مع القوّات الدولية. وبعد هذه المهلة تنسحب إسرائيل إلى ما وراء الحدود.
ولكن في هذه الطريق مطبّات كثيرة. فإذا ارتأت إسرائيل أنّ انسحاب الحزب لم يكن كافياً، وأنّ انتشار الجيش لم يؤمّن المطلوب، لا أحد يمكنه أن يجبرها على الانسحاب، خصوصاً بعد مهلة الشهرين التجريبية.
في أيّ حال، فإنّ إسرائيل دخلت حتّى الآن إلى القرى في الخطّ الأوّل، وهي المناطق المحاذية للحدود، وبدأت المرحلة الثانية التي تستهدف الدخول إلى مناطق الخطّ الثاني. فقد دمّر الجيش الإسرائيلي عبر تفخيخ المنازل وتفجيرها، ما يقارب 29 قرية وبلدة في شكل كلّي تقريباً، أبرزها عيتا الشعب وكفركلا والعديسة وميس الجبل وحولا والضهيرة ومروحين ومحيبيب. وقد أدخل قبل أيام الدبّابات إلى الأراضي اللبنانية للمرّة الأولى منذ بدء الاجتياح البرّي. وهو يحاول الوصول إلى تخوم بلدتي شمع والبيّاضة الاستراتيجيّتين. ولا يمكن في الواقع التحقّق الموضوعي ممّا يجري على الأرض، لأن مصادر المعلومات هي مقاطع فيديو ينشرها الجيش الإسرائيلي وأخرى مصوّرة عبر الأقمار الاصطناعية.
وقد دمّرت إسرائيل أيضاً أحياء بكاملها في مدينة النبطيّة، كالسوق التجارية، وشارع حسن كامل الصبّاح الذي يضمّ مصارف وأبنية تجارية. كما تمّ تدمير جزء كبير من حيّ الراهبات، إضافة إلى عشرات المؤسّسات في المدينة الصناعية، من دون أن ننسى الأضرار التي لحقت بالأبنية الثراثية في عشرات القرى والبلدات، ومنها تدمير جامع الإمام عليّ في عيتا الشعب، والذي يعود بناؤه إلى ما قبل 150 عاماً. وشمل الدمار أحياء برمّتها في مدينة صور أيضاً.
وبات واضحاً أن سياسة التدمير الممنهج تهدف إلى تمهيد الأرض لإقامة منطقة عازلة. كما أنّ تدمير المنازل والمؤسّسات التجارية والبنى التحتية يمنع عودة الأهالي بسبب انعدام مكان السكن ومقوّمات الحياة.
ويتخوّف أهالي القرى المسيحية في المناطق الحدودية، كرميش وسواها، من أن يكون اخلاؤهم لقراهم مقدّمة لعدم عودتهم إليها. لذا يحافظون على وجود معيّن ويصمدون، على رغم كلّ المخاطر، من أجل البقاء في أراضيهم وبيوتهم. فهم لا ناقة لهم ولا جمل في ما يقوم به “حزب الله”، ولا يريدون أن يدفعوا ضريبة التهجير والتدمير مرّة جديدة.
وما يثير المخاوف صدور مقالات عن شخصيات إسرائيلية متطرّفة، تستند إلى التاريخ وإلى التوراة، لتقول إنّ جنوب لبنان حتّى نهر الأوّلي هو جزء من إسرائيل. وتدعو مجموعة من المستوطنين تسمّى “يوري تسافون” إلى بناء مستوطنات في جنوب لبنان، مدّعية أنّ هذه المنطقة كانت تسكنها شعوب من بني إسرائيل.
فإذا لم يعمل لبنان على إزالة كلّ الذرائع لعدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي احتلّها، وتلك التي سيحتلّها، عبر اتّفاق واضح وحصر السلطة بيد الجيش اللبناني فعلاً لا قولاً، فإنّ احتلال هذه البلدات والقرى قد يطول. ومع مرور الوقت، ستصبح عودة الأهالي أكثر صعوبة، كما ستصبح تخيّلات المتطرّفين في إسرائيل افكاراً قابلة للتحقّق.
فها هو مثال الجولان قائم، وقد ضمّته إسرائيل، ولا من يسأل أويطالب.