خامنئي يطلب من “الحزب” الموافقة على وقف النار…
لا يُخفي “حزب الله” ومن خلفه إيران رغبة انتهاء الحرب جنوب لبنان، وتفويض رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي التواصل مع الأميركيين وبذل المساعي للتوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار يؤكّد هذه الرغبة، لكنّ الكرة في ملعب إسرائيل التي لم تُبدِ جدّية في إتمام أيّ تسوية، كونها ترى في الصراع الحاصل “فرصة ذهبية” لضرب إيران والتنظيمات التي تدعمها في المنطقة، وتعزّز أفضليتها العسكرية هذا الاتجاه.
الرغبة الإيرانية في وقف إطلاق النار مبرّرة، لأنّ نتيجة الميدان الاستراتيجية لا تصب في صالح “حزب الله” الذي تتراجع قوّته مع تقدّم الوقت في ظلّ الاستهدافات العنيفة التي تقوم بها إسرائيل ضدّ قياداته ومواقعه. وبالعلم السياسي، تُفضّل إيران وقف الاستنزاف حتى لا تخسر أقوى جماعاتها في الإقليم، والحافظ الأول لنفوذها في الشرق الأوسط، وخطّ الدفاع الخارجي الأساسي عن النظام الإيراني.
تُبدّي إيران مصلحتها الاستراتيجية بالحفاظ على نظامها ونفوذها، وتتحرّك للضغط على “حزب الله” للقبول بالتسويات، مع العلم أنّ هامش التحرّك اتسع بعد اغتيال إسرائيل قيادات الصف الأول في الحزب وانتقال قرار الأخير بأكمله إلى طهران. وفي هذا السياق، تكشف صحيفة “نيويورك تايمز” معلومات عن “طلب” المرشد الأعلى علي خامنئي من “حزب الله” الموافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وتنقل الصحيفة الأميركية عن إيرانيين من الحرس الثوري الإيراني قولهم إن علي لاريجاني، المستشار الكبير لخامنئي، نقل رسائل إلى “حزب الله” مفادها “تأييد إنهاء الصراع”، ووجوب الموافقة على الشروط التي تطالبه بنقل قواته إلى شمال نهر الليطاني، مقابل تعهّد بالاستمرار بدعم الحزب مالياً وعسكرياً والمساعدة في إعادة البناء والتعافي.
مصادر مقربة من “حزب الله” أكّدت لـ”النهار” هذه الأجواء، وأشارت إلى أنّ “طهران طلبت من حزب الله الموافقة على طروحات وقف إطلاق النار القائمة على القرار 1701، وعلى الشروط المرتبطة بتأليف لجنة دولية تُشرف على تنفيذ القرار”، بعدما كان الحزب قد أبدى اعتراضه على بعض البنود.
لكن الكاتب السياسي المتخصّص بالحركات الإسلامية قاسم قصير، استبعد في حديث لـ”النهار” ضغط إيران على الحزب، معتبراً أن القرار يعود إلى “حزب الله” الذي يُنسّق مع برّي وفقاً للحسابات اللبنانية والميدان. وبرأيه، فإنّ الحزب “لا يزال قوياً”، مستشهداً بقصف تل أبيب ردّاً هلى استهداف بيروت، واستمراره بالقتال على الحدود.
إلا أنّ قصير لا ينفي في الوقت ذاته وجود “قبول لبناني” للطرح الأميركي الأخير، ويقول إن “حزب الله” دعم مفاوضات وقف النار على أساس القرار 1701، ورفض الشروط الإضافية، لكن “عندما سُجّل الرفض، تمّ تسريب خبر عن تأجيل زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وتزامن ذلك مع استهداف بيروت، ليعود الجانب اللبناني ويؤكد استعداده لبحث الطرح الأميركي والقبول به، فعاد هوكشتاين وقرّر زيارة لبنان”، حيث أجرى محادثاته أمس.
يُمكن الخلوص إلى نقطة مفادها أنّ “حزب الله” غير بعيد عن الموافقة بقرار داخلي أو بضغط إيراني على بعض الشروط الأميركية الجديدة للتوصّل إلى وقف إطلاق النار، والتي لا تشمل حرّية التحرّك الإسرائيلي بالأجواء اللبنانية واستهداف المواقع والتحرّكات المشبوهة. لكنّ المراقبين يتفقون على أنّ الكرة في ملعب إسرائيل، لأنّ “حماس” سبق لها أن وافقت على طروحات أميركية إحداها تقدّم بها الرئيس الأميركي جو بايدن شخصياً، ورفضتها إسرائيل.
وبالتالي، فإنّ موافقة “حزب الله” على الشروط الأميركية لا تعني التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، لأنّ الهدف الإسرائيلي أبعد من مجرّد منطقة عازلة جنوباً، ويتعدّاه ليصل إلى إضعاف الحزب بالقدر الأقصى وتهديد إيران ونظامها بشكل أخطر، وقد تجد المبرّرات للاستمرار في حربها التي تتمتّع بتفوّق عسكري فيها وفق ما يُجمع عدد من المراقبين والخبراء العسكريين، حتى تحقّق مكاسب استراتيجية.