خاص- تنسيقٌ أميركي إسرائيلي حثيث لاتّخاذ قرار حول إيران

خاص- تنسيقٌ أميركي إسرائيلي حثيث لاتّخاذ قرار حول إيران

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
18 تشرين الثاني 2024

منذ أن فاز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، ينصبّ الاهتمام الإقليمي والدولي على معرفة كيف سيتعامل الرئيس الجديد مع ملفات العالم، ومنها ملفّ الشرق الأوسط المشتعل. صحيح أنّ عيّنة من سياساته الخارجية ظهرت في ولايته الأولى، ولكن ثمّة من يرى أن سياسة ترامب اليوم قد تختلف في نواحٍ كثيرة عمّا كانت عليه في الولاية الأولى. فالرجل تغيّر، واكتسب خبرة ونضجاً، وسيستفيد من أخطائه لتخطيط مسيرته الرئاسية الجديدة.
ولكن، ما يميّز وصول ترامب إلى البيت الأبيض هذه المرّة، هو الفوز الكاسح الذي حقّقه في وجه مرشّحة الحزب الديموقراطي، إضافة إلى احتفاظ الحزب الجمهوري بالغالبية في مجلس النوّاب، بعدما كان قد انتزع الغالبيّة في مجلس الشيوخ من الحزب الديموقراطي. وهذا يعطي ترامب هامشاً واسعاً للتحرّك واتّخاذ القرارات، من دون قدرة الديموقراطيين على المعارضة. وسيستغلّ الرئيس الجديد هذه الوضعيّة لتمرير قوانين حسّاسة وقرارات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فإنّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض بهذا الحجم من التأييد، تُعتبر فرصة تاريخية لبنيامين نتنياهو لا يمكن أن يفوّتها. فهو يعتقد أن ليس هناك شخص سوى الرئيس ترامب يمكنه أن يساعده في تحقيق “أحلامه التاريخية”. فهو الذي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وأسهم في عقد “اتفاقات ابراهام”، كما أنّه انسحب من الاتّفاق النووي مع إيران. والآن، مع الولاية الجديدة للرئيس الأميركي، يتطلّع نتنياهو إلى تحقيق حلمه القديم بضمّ الضفّة الغربية. وهو ما صرّح به الوزير الإسرائيلي المتطرّف بتسلئيل سموتريتش، كما أشار السفير الأميركي الجديد في إسرائيل مايك هاكابي إلى احتمال أن توافق الإدارة الجديدة في البيت الأبيض على ذلك.
كما يتطلّع نتيناهو إلى متابعة مسار “اتّفاقات أبراهام” عبر مواصلة التطبيع مع دول عربيّة جديدة، وعلى رأسها السعودية. وفي حين ما زالت المملكة تشترط الإقرار بحلّ الدولتين كمقدّمة لأيّ تطبيع مع تلّ أبيب، ترغب الرياض ودول الخليج في شكل عام في أن تتبنّى واشنطن سياسة أكثر حزماً مع إيران، ولكن مع الحفاظ على الاستقرار وتجنّب المواجهة المباشرة. فهذه الدول، وخصوصاً السعودية التي خاضت حرباً مع الحوثيين في اليمن، لم تعد راغبة في التصعيد، وتريد تحييد أراضيها عن أيّ صراع مقبل.
وفي ما خصّ لبنان، فهمَ نتنياهو أنّ ترامب يريد التوصل في بداية عهده إلى تسوية سياسيّة، تنهي النزاع. ومن أجل كسب الوقت لتحقيق المزيد من المكاسب قبل موعد تسلّم الرئيس الأميركي الجديد منصبه بعد شهرين، كثّفت إسرائيل من عمليّاتها، سواء تلك البرّية في الجنوب، حيث تتقدّم إلى محاور إضافية، أو عبر الغارات التدميريّة المتواصلة على ضاحية بيروت الجنوبية وعلى أهداف في البقاع، أو من خلال استكمال استراتيجية الاغتيالات. وبما أن الحزب لا يزال يرفض،عبر الرسائل التي يوصلها رئيس المجلس نبيه برّي، الانصياع للشروط الإسرائيلية في الاتّفاق المزمع، فإنّ نتنياهو سيستمرّ في حربه، وسيزيدها شراسة، إلى أن يصبح الحزب مستعدّاً لتقديم تنازلات كبيرة. وحينها يأتي الاتفاق متناسباً مع المطالب الإسرائيلية، وأوّلها، كما هو ظاهر على الأقلّ، الانسحاب الكامل إلى ما وراء نهر الليطاني، وضمان عدم تسلّح الحزب من جديد.
ويدرك نتنياهو أنّ هذا لا يمكن أن يتحقّق إلّا بضمانات أمنية دولية على الأرض، وعلى الحدود اللبنانية مع سوريا تحديداً، ووجوب الإمساك بكل المرافق البحريّة والجوّية أيضاً. ومن هنا، فإنّ كل الطروحات التي يحكى عنها من أجل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، ليست سوى مضيعة للوقت.
ولكنّ الأهمّ يبقى ملفّ إيران. فهي المفتاح في كلّ الأزمات الماثلة اليوم، من غزّة إلى لبنان والعراق واليمن. لذا، فإنّ الهدف النهائي لنتنياهو هو قطع التواصل بين طهران ووكلائها، وخصوصا ً الحزب، ووقف تدفّق السلاح من المصدر. ولطالما تحدّث مسؤولون إسرائيليون عن وجوب “قطع رأس الأفعى”، في إشارة إلى إيران.
وعلى هذا الاساس، تنسّق الحكومة الإسرائيلية في شكل حثيث مع الرئيس الأميركي المنتخب حول كيفية التعاطي مع الملفّ الإيراني. أمّا الموقف المعلن من جانب واشنطن اليوم، فهو العودة إلى سياسة “الضغوط القصوى”، بمعنى تشديد العقوبات على طهران في شكل صارم، وخصوصاً على القطاع النفطي. وهذه الضغوطات تهدف إلى دفع إيران نحو المفاوضات، وصولاً إلى توقيع اتّفاق جديد حول الملفّ النووي، يشتمل أيضاً على برنامج الصواريخ البالستية، وعلى وقف نشاطات وكلاء إيران في المنطقة، وعلى رأسهم الحزب.
ومع أنّ مستشاري ترامب يستبعدون اللجوء إلى خيار تغيير النظام في إيران، بل الاكتفاء بإضعافه، تشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أنّ هذا الخيار قد جرى بحثه بالفعل في تلّ أبيب. ولكنّ هذا الهدف لا يمكن لإسرائيل أن تنفّذه من دون دعم كامل من الولايات المتّحدة.