ما يخيف في “الانتقال السلس”!

ما يخيف في “الانتقال السلس”!

الكاتب: نبيل بومنصف | المصدر: النهار
15 تشرين الثاني 2024

شاهد اللبنانيون، أو من قيّض له منهم المشاهدة المباشرة في زمن حربي تتفجر معه مبارزات النقل المباشر لفظاعات الغارات الإسرائيلية والمجازر التي تعممها في لبنان، بعين مأزومة وعصبية، لقاء البيت الأبيض بين الرئيسين جو بايدن ودونالد ترامب بخلفية واحدة هي “الظن” أن نهاية الحرب قد تأتي نتيجة للمرحلة الانتقالية في أميركا. وللتندّر الساخر فقط، فإن واشنطن نفسها، عاشت الحدث السعيد في لقاء عدوّي الأمس اللذين لم يسبق لخصمين رئاسيين أميركيين أن تبادلا الهجاء المقذع بينهما كما فعلا منذ أربع سنوات قبل أن “يجتاح” دونالد ترامب المشهد الأميركي على صهوة أكبر انتصار انتخابي تاريخي.

كان سيحلو للبنانيين، الأيتام من رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ سنتين، ومن سلطة حازمة تقيهم شرور الحرب الأشد شراسة وهمجية، ومن غد لا يعرفون كم سيكلفهم بعد الحرب لإعادة النذر النادر من الاستقرار… كان سيحلو لهم لو شاهدوا خصمين “عدوين” بهذه الشدة يلتقيان في يوم تسليم وتسلم في قصر بعبدا الخاوي الذي صار رمز جمهورية ذهبت ولم تعد وقد لا تعود إطلاقاً بأيٍ مما كانت عليه قبل الحرب الطاحنة الجارية.

ولعل الأكثر إثارة للأسى لدى اللبنانيين أن يتبادل بايدن وترامب مجاملات المصالحة واللقاء اللائق أمام العالم بوعد الانتقال الأكثر سلاسة للسلطة، بعدما قلبت الولايات المتحدة الأميركية صفحة ما كان يثير الذعر لديها قبل أسابيع لجهة أن تشعل الانتخابات ونتائجها “حرباً أهلية”. ضجّ الإعلام الأميركي والمنتديات والمهرجانات الانتخابية بكلام تهويلي من طراز الخوف من انقلاب “ترامبي” يطيح النظام إن وصل ترامب أو حرب أهلية إن لم يصل. حصل ذلك في بلد النظام الديموقراطي الأكثر تعقيداً في عالم الديموقراطيات الغربية والدولة الأقوى في العالم.

ولكن “أقدار” هذه الديموقراطية قادت أميركا في يوم اللقاء الأول بين الرئيس المنتهية ولايته والرئيس المنتخب إلى وعد الانتقال الأكثر سلاسة للسلطة بعد شهرين وأسبوع، فيما بقع الأزمات في دول العالم تضرب أخماساً بأسداس حيال المرحلة الانتقالية وما بعدها مع بدء عهد ترامب.

لبنان، أول وأكثر البلدان المعنية بحمى المرحلة الانتقالية هذه، يجد نفسه أمام العد العكسي الأشد إثارة للخوف من أن يكون الانتقال السلس في الولايات المتحدة عنواناً لبلوغ الحرب عبر لبنان وفيه وعليه أقصى درجات ومستويات عنفها وشراستها نظراً إلى تعذر بل استحالة التوصل إلى حسم أو تسوية في ظل حسابات كل من إسرائيل و”الحزب” وإيران و”أخيراً” لبنان الرسمي حيال الفترة الانتقالية وما بعدها.

والحال أن وقائع الحرب لا تعكس بلوغها آخر المراحل ولو أن الفترات الختامية في الحروب غالباً ما تكون الأكثر شراسة وعنفاً ودموية. تجري هذه الحرب المتدحرجة على وقع “غزاوي” تماماً، بارتفاعات مطردة يومية لمستويات وسقوف العنف والوحشية مع “عدّاد” يومي للضحايا يفوق الستين والسبعين ضحية في صفوف المدنيين ودمار باتت معه مناطق الجنوب والبقاع الشمالي والضاحية الجنوبية وأي بلدة أو قرية تمر على بنك الأهداف الإسرائيلية مسرحاً لأفدح وأوسع دمار شهده لبنان منذ حرب الـ15 عاماً في القرن الماضي.

يتملك اللبنانيون ذعر الحقبة الأخيرة، إذا صحّت نبوءات التبشير بأن فترة الشهرين الفاصلين عن تسلم الرئيس ترامب مقاليد السلطة، ستكون الفترة الحاسمة لاستيلاد تسوية نهاية الحرب، لأن النهايات هنا تقرأ من معاناة لا يستشعرها إلا من يعيش في الجحيم.