حرب لبنان الثالثة إلى شهرها الثالث… الحلّ يُطبخ فوق صفيح لاهب

حرب لبنان الثالثة إلى شهرها الثالث… الحلّ يُطبخ فوق صفيح لاهب

المصدر: الراي الكويتية
15 تشرين الثاني 2024
– لاريجاني في بيروت فهل تصبح إيران أمام المفاضَلة بين الأذرع و… الرأس؟
– المرحلة الثانية من الغزو البري بدأت بعمليات قضم إسرائيلية تواجهها مقاومة ضارية
– واشنطن وتل أبيب تتبادلان مسودة لـ «حل أحادي» يجعل بيروت بين السيئ و… الأسوأ
– هل تتكرّر تجربة لجنة تفاهم «أبريل» 1996؟

لم يَعُدْ أحدٌ في لبنان وعواصم القرار يتوهّم بأن انضاجَ حلٍّ للحرب التي تَدخل بعد غد شهرَها الثالث، بـ «نسختها المروّعة»، سيكون إلا على «صفيحٍ ساخنٍ» مُرَشَّحٍ لأن يزداد التهاباً في سياقِ عمليةِ «ليِّ الأذرع» في الميدان الذي يشكّل الممرَّ الالزاميّ لِما يشي بأنه إطفاءٌ النار… بالنار.

ولم يكن مستغرَباً أمس أن تَمْضي إسرائيل في «الإشاراتِ والأفعالِ» المتناقضة والتي تعبّر عن إصرارٍ على إنهاء الحرب مع «حزب الله» بشروطها كاملةً على متن اتفاقٍ «من صناعة» عهد جو بايدن في إطاره الناظم ولكن يُراد أن يوضع استيلادُه في عهدة دونالد ترامب هديةً له بعد أن يتسلّم مهماته.

فبين إعلان الجيش الإسرائيلي أن وحدات إيغوز ودوفدفان وماغلان بدأت العمل في مناطق جديدة جنوب لبنان تحت قيادة فرقة الجليل، في إشارة لبدء المرحلة الثانية من عمليات القضم البرية التي تواجهها مقاومة ضارية، وتأكيد وزير الطاقة (الإسرائيلي) إيلي كوهين أنّ تل أبيب «أقرب من أي وقت للتوصل لاتفاق في شأن الأعمال القتالية مع «حزب الله»، لاحتْ بوضوحٍ معادلةُ «السيئ والأسوأ» التي توضع أمامها بيروت، الراغبة بوقف «مطحنة» الدم والدمار قبل أن يَتداعى كل الهيكل وتُسْحَقَ «جسورُ العودة» من قلب الحفرة السحيقة، و«محور الممانعة» الذي يَسعى إلى حلٍّ لا تكون نتيجته «إنهاء حزب الله»، عسكرياً وسياسياً، ولو عبر«تجفيف» منابع تسليحه وتمويله، وإدارة«المعركة الدبلوماسية» بما يُبْقي«رأس إيران مَحْمياً».

أوراق القوة

وفي الوقت الذي تَستقبل بيروت اليوم علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الإيراني السيد علي خامنئي آتياً من دمشق، رفعت طهران، التي تتحوّط بشدّة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض وبفريق عمل (من وزراء وسفراء وموفدين) مدجَّجٍ بداعمي «الحد الأقصى» لإسرائيل ومتشددين بقسوةٍ ضدّ إيران وبرنامجها النووي ونفوذها «الأخطبوطي»، من مستوى التحسُّب لكل الاحتمالات وإبقاء «أوراق القوة» بوضعية «التفعيل الاحترازي» الذي لن يتحوّل أفعالاً استباقية إلا بحال اقتضتْ «ظروف قاهرة»، ما دام مناخ «وقف النار» في لبنان يسمح بانتظارٍ ولو في «منطقة الخطر» لتسلم الرئيس الأميركي المنتخَب منصبه في 20 يناير وترْكه يُظْهر نياته الفعلية لـ «يُبنى على الشيء مقتضاه».

ولم يكن عابراً أن يعلن قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي أنّ «إسرائيل مُخطئة إذا ظنّت أنّ «حزب الله» سيَخرج من الساحة باغتيال قادته»، مشيراً إلى أنّ «الحزب» تيار عظيم لا يمكن إخماده أو إنهاؤه، مهدّداً إسرائيل في افتتاح مناورات «نصرالله» القتالية الأمنية بقوله: «الیوم، نضعكم نصب أعيننا، وسنقاتل حتى النهاية، وسننتقم، وستتلقّون ضربات موجعة، وعليكم أن تتنظروا»، مشيراً إلى أن «إسرائيل محكوم علیها بالفناء».

وفي الإطار نفسه أكّد نائب قائد الحرس الثوري العميد علي فدوي، على هامش مراسم إحياء الذّكرى الأربعينيّة لاغتيال الأمين العام لـ «حزب الله» السيّد حسن نصر الله أنه «في نطاق الجغرافيا الكبيرة للثّورة الإسلاميّة، الّتي لا تقتصر على دولة واحدة، على الجميع أن يجدوا أدوارهم ويسعوا لأداء المهام المطلوبة منهم»، مركّزاً على أنّ «البعض قد يكون مقاتلاً في الخطوط الأماميّة، بينما قد لا يكون الآخرون في الميدان»، ومعلناً «أنّنا مثلما كنّا طوال الأربعين عاماً الماضية يداً واحدةً مع«حزب الله»، سنستمر في دعمه بجديّة أكبر وسرعة أشدّ من ذي قبل، وتأكّدوا من ذلك».

وجاءت هذه المواقف لتؤشر إلى أن أي اعتقادٍ بأن طهران في وارد التسليم بأن «يؤخذ» حزب الله في أي مفاوضاتٍ حول وقف الحرب على لبنان وكأنه «بلا مظلةِ» رأس المحور، هو في الحد الأدنى خاطئ، وتالياً أنّ اللاءات التي يتقاطع عليها «حزب الله» مع لبنان الرسمي في ما خص مقترح الحلّ لا يمكن أن يتم التراجع عنها مهما «كلّف الأمر»، واستطراداً أن إيران تقيم على اقتناعٍ بأن أي حلٍّ سيكون قابلاً لـ «الاستيعاب» ولـ «تذويب» عناصره الأخرى التي يَعتقد كثيرون أنها ستعني «الموت البطيء» للحزب، خصوصاً إذا لم يكن مسار الصراع فرَض زجاً مباشراً لها في «فوهة الحرب» بما يجعلها في وضعية المفاضلة بين «الذراع والرأس».

ومن هنا يُفهم تصعيد إسرائيل غاراتها في عموم لبنان والانتقال في الاعتداءات على الضاحية الجنوبية لبيروت من استهدافاتٍ ليلية مع فوارق زمنية بعيدة إلى مرحلةِ «غاراتٍ تسلّم أخرى» بحيث ينام معقل «حزب الله» على إعصار جوي ويستيقظ على آخَر كما حصل أمس مع ضرباتٍ مدمّرة بلا هوادة، في موازاة مشهدية نارية جنوباً خصوصاً في النبطية وصور – كما على الحدود – والبقاع ولاسيما بعلبك حيث لامست إحدى الغارات مجدداً القلعة التاريخية، مع تسجيل العديد من المجازر، في الوقت الذي يُلاقي «حزب الله» التصعيد بالمثل عبر شنّ عمليات في العمق الإسرائيلي وزيادة «الدوائر الحمر» فوق تل أبيب التي يكثّف ضرباته فيها وكان أبرزها أول من أمس على قاعدة الكرياه (حيث مقر وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامّة الإسرائيليّة، وغرفة إدارة الحرب، وهيئة الرقابة والسيطرة الحربيّة لسلاح الجو) التي استهدفها مرتين في يوم واحد.

«دائرة مقفلة»

وفي هذا الوقت يراوح المسار الديبلوماسي في «دائرة مقفلة» حتى الساعة ومحصورة بين إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تتبادلان المسودات وتُخْضِعانها لتنقيحٍ وصولاً إلى صيغةٍ أحادية الجانب تراعي أهداف تل أبيب وشروطها، وُيراد أن تُطرح على لبنان أقله في المرحلة الانتقالية الأميركية على طريقة take it or leave it، فإما حلٌّ أو تمْضي الحرب بأبشع صورها لِما بعد 20 يناير.

وفي رأي أوساط مطلعة أن مسارَ الحل، ولو بعد حين، باتت معالمه معروفة ويرتكز على القرار 1701 مع إضافاتٍ ذات صلة بآلية تطبيقه والرقابة على ذلك والضمانات الممكنة لإسرائيل في ما خص عدم معاودة تسليح «حزب الله»، معتبرةً أن النقاط التي صارت شبه مسلَّم بها ومتوافَق عليها هي أن يكون جنوب الليطاني منطقة خالية من السلاح ومن أي حضور لــ«حزب الله» فوق الأرض أو تحتها، وأن ينتشر الجيش اللبناني في الجنوب معزَّزاً مع «اليونيفيل» ويكون له الإشراف على المعابر الحدودية والمرافق البحرية والجوية، وهو ما يطلّ على نقطتين عالقتين هما «القفل والمفتاح» في الاتفاق الذي يُراد بلوغه:

– الأولى تتعلّق بـ «الضامن» مع الجيش اللبناني لتنفيذ الاتفاق، خصوصاً مسألة ضبط المعابر ومنْع مرور أي سلاح إلى «حزب الله»، وهل يكون قوة متعدّدة الجنسية أو مجموعة مراقبة شبيهة بما رافق تفاهم أبريل 1996 وضمّت حينها الولايات المتحدة، فرنسا، إسرائيل، لبنان وسورية.

– والثانية إصرار تل أبيب على أن تكون لها «حرية الحركة» والتصرف داخل لبنان للتصدي لأي «تهديد وشيك» أو لإزالةِ خطرٍ في طور التشكُل، ما لم تقم بمعالجته «اليونيفيل» والجيش اللبناني، وهو ما كرره أمس كوهين في معرض تفاؤله بقرب بلوغ اتفاق لوقف الحرب إذ أعلن «أنّ إسرائيل لابد أن تحتفظ بحرية تنفيذ العمليات داخل لبنان في حالة انتهاك أي اتفاق».

وفي رأي الأوساط المطلعة، أنه عندما تدقّ ساعة النزول عن أعلى الشجرة، فإنّ مسألة «المراقبة» ستكون هي الإطار لـ«بوليصة تأمين» جرى «رَبْطٌ مؤجَّل» فيها مع موسكو التي يمكن أن تكون العنصر الخامس في لجنة مراقبة التنفيذ (مع واشنطن وباريس وتل أبيب وبيروت) أي مكان سورية (في مجموعة تفاهم أبريل)، وهي التي نجحتْ طوال الفترة الماضية في تحييد دمشق عن الحرب والانخراط فيها وإدارة الضرباتِ الإسرائيلية في سورية بما يضرّ بإيران ومجموعات مواليةٍ لها ولا يؤذي «بقاء نظام الرئيس بشار الأسد»، كما أنها سبق أن رعت ملف «الكيماوي السوري» بتكليف ضمني من الولايات المتحدة قبل أكثر من 10 أعوام.

موسكو «الضامن»

وفي هذا السياق يمكن أن تكون موسكو «الضامن» للحدود اللبنانية – السورية ومنْع دخول أي سلاح عبرها، وسط توقُّف الأوساط عند ما كشفته «واشنطن بوست» عن أن مسؤولين روس كانوا زاروا إسرائيل قبل أن يتوجّه إليها وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الإسرائيلية رون ديرمر وأن هؤلاء بحثوا في دور محتمل لروسيا في مسألة منع معاودة تسليح «حزب الله»، وسط اعتقادٍ بأن ما يشي بأنه «لا يمكن أن يمرّ» في ما بقي من عهد بايدن، على صعيد إشراك «الدب الروسي» في مسار الحلّ في لبنان، يمكن أن يصبح مباحاً بعد أن يتسلّم ترامب.

علي حسن خليل

وفي السياق نفسه، استوقف الأوساط عيْنها ما قاله النائب علي حسن خليل، المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، عن «أن تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته من الجانبين هو الأساس الذي يتمسك به لبنان في أي اتفاق محتمل»، معلناً رداً على سؤال حول إمكان إدخال تعديلات على هذا القرار «هناك آليات واضحة لتطبيقه ولبنان متمسك بها، والحديث كان يجري عن وجود مراقبين من الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل لمراقبة تنفيذ القرار، ولبنان أبدى عدم ممانعته لوجود مراقبين أميركيين وفرنسيين».

وأكد أن المفاوض اللبناني توافق مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين على تصور معيّن لوقف النار تم تقديمه إلى الجانب الإسرائيلي عن طريق هوكشتاين، وأن لبنان لم يتلق أي رد أو تعديل على هذا المقترَح حتى الآن.

أما في ما يتعلّق بمسألة «حرية الحركة والتصرف» لإسرائيل في لبنان، والتي لا يمكن لبيروت قبل «حزب الله» التسليم بها والتي أول ما «ظهرت» في ملحق جانبي ثنائي (للمقترح الأميركي) بين واشنطن وتل أبيب، فتعتبر الأوساط أنه عندما تحين ساعة الحل و«إهداء ترامب» فإن المخارج ستكون متوافرة، ولن يُعدم «رجل الصفقات» (ترامب) و«والأخذ والردّ» وسيلة لبلوغ تفاهُم ولو اقتضى الأمر «سحْب هذا البند من التداول» وترْكه، ما دام رهن تفاهم جانبي وثنائي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، كأحد «البنود السرية غير المعلنة» وحتى غير المكتوبة وبـ «ضمانة 4 سنوات» من عهد الرئيس الجمهوري.

وفي موازاة هذه المناخات، نقلتْ قناة «ال بي سي آي» اللبنانية عن مصادر معنية أن هناك أسبوعاً حاسماً لتحديد اتجاه الأمور، نحو السلبية أو الإيجابية، في ما خص مسار الحل، وأن مؤشر الإيجابية سيكون بحال قام هوكشتاين بزيارة لبنان، قبل أن تتحدث تقارير من إسرائيل عصر أمس عن أن تل أبيب «تنتظر رد لبنان حول مقترح أميركا في شأن وقف النار خلال 24 ساعة».

وبحسب هذه الأوساط فإن الاتصالات الأميركية – الإسرائيلية مستمرة حول آلية وقف النار وتطبيق الـ 1701 والتي للبنان تحفظات كثيرة عنها سبق أن تبلّغها هوكشتاين في آخر محطة له في بيروت خصوصاً لجهة «دور إسرائيل في الرقابة والتصرف» إذا اعتبرت أن هناك خرقاً.