يوم أمستردام.. يغزو باريس غداً

يوم أمستردام.. يغزو باريس غداً

الكاتب: فادي الاحمر | المصدر: اساس ميديا
13 تشرين الثاني 2024

بعد أمستردام تتّجه الأنظار إلى باريس حيث سيخوض الفريق الإسرائيليّ “مكابي” مباراته ضدّ الفريق الفرنسيّ “باريس سان جرمان” يوم الخميس المقبل في استاد الأمراء في العاصمة الفرنسية. هل يتكرّر في باريس ما حصل في أمستردام من أعمال عنف بين الجمهور الإسرائيلي وبين الجاليات العربية والإسلامية؟

المشاكل تلازم المباريات

أعمال العنف كانت دائماً مرافقة للمباريات الرياضيّة، خاصّة كرة القدم. في بيروت كان “زياد” أحد “أبطالها”. شابّ يعتمد عليه جمهور “الراسينغ” في مواجهة جمهور “النجمة”. ولم يكن يهاب السجن في زمن الدولة وفرقة الـ 16. أعمال العنف الرياضية لم تكن بريئة من الطابع السياسيّ – الدينيّ في بلد منقسم عمودياً في السياسة ومُصاب بالطائفيّة منذ ما قبل تأسيسه.

بعد الحرب انتقلت المشاكل الرياضيّة في لبنان إلى مدرّجات كرة السلّة، بعدما أحياها الراحل أنطوان الشويري. أكثرها حدّة كانت بين جمهورَي الحكمة والرياضي. وكان طابعها سياسيّاً – طائفيّاً.

هذا في لبنان، أمّا في العالم فالأمثلة تُعدّ ولا تُحصى. في مصر مثلاً التوتّر على مدار السنة بين “الزمالكيّين” و”الأهلاويين”. وغالباً ما يتحوّل إلى صدام في المدرّجات وخارجها.

في فرنسا، يرافق كلّ مباراة كرة قدم انتشار أمنيّ يراوح حجمه بحسب عنف الجمهور وحماسته. ومعروف أنّ أعمال الشغب الأعنف هي بين جمهورَي فريقَي “أولمبيك مرسيليا” و”باريس سان جرمان”. وهذا ما دفع اللجنة المنظِّمة للمباريات منذ سنوات إلى اتّخاذ قرار بمنع الجمهورَين من حضور المباريات.

القضاء على العرب!

أعمال العنف التي أعقبت المباريات بين فريق “مكابي” الإسرائيليّ وفريق “أجاكس” الهولندي كانت مختلفة من حيث أسبابها وأبعادها. فهي اتّخذت بعداً سياسياً تخطّى البلد الأوروبيّ الصغير إلى الحرب الدائرة في الشرق الأوسط.

بدأت باستفزاز سبّبه جمهور الفريق الإسرائيليّ بإطلاقه شعارات سياسيّة مثل “إنّها نهاية العرب، سننتصر” و”لندع تساحال ينتصر ليقضي على العرب”. شعارات استفزّت المسلمين الذين يشكّلون حوالي 7% من الشعب، وأغلبيّتهم من أصول عربيّة، وسُمعت في شوارع أمستردام. لم تستطع وسائل الإعلام الغربيّة “المتصهينة” التغاضي عنها وإخفاءها في تغطيتها لأعمال الشغب والعنف التي أدّت إلى وقوع إصابات وتوقيف 62 شخصاً بحسب قوى الأمن في أمستردام.

ردود ضدّ “معاداة السّاميّة”

أثارت أعمال العنف ردود فعل سياسيّة أوروبيّة على أعلى المستويات. وأُدرجت تحت عنوان “معاداة الساميّة”. بعد مرور أكثر من 80 عاماً على المجازر التي ارتكبها النظام النازيّ بحقّ اليهود لا تزال أوروبا تعيش عقدة التكفير عنها. لم تُزِلها مجازر النظام الإسرائيليّ بحقّ الشعب الفلسطينيّ منذ “النكبة الأولى” وصولاً إلى “النكبة الثانية”.

أدان رئيس الوزراء الهولنديّ ديك شوف على الفور “العنف المعادي للساميّة”. وقال بالأمس “أربعة أيّام بعد الاعتداءات، الصدمة، والعار والغضب مستمرّان. يجب القيام بعمل قويّ”.

رئيسة المفوضيّة العليا للاتحاد الأوروبيّ أورسولا فوندرلاين “استنكرت بشدّة الأعمال غير المقبولة” التي وصفتها بـ “الهجوم الحقير”. وللتذكير فوندرلاين ألمانيّة. منذ بداية الحرب على غزّة اتّخذت موقفاً داعماً لإسرائيل. موقفها بدا أقرب إلى موقف ألمانيا منه إلى الموقف الأوروبيّ المنقسم حول هذه الحرب.

الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون يستمرّ على قاعدة “ضربة على الحافر، ضربة على المسمار”، كما يُقال بالعاميّة. من جهة يدعو إلى وقف دعم إسرائيل بالأسلحة، ومن جهة أخرى لا يفوّت فرصة لاسترضاء إسرائيل واليهود. فهو استنكر بشدّة العنف الذي يذكّر بـ “الساعات الأكثر حقارة في التاريخ”، بحسب ما كتب في حسابه على “إكس”. وأضاف “أوجّه دعمي للمصابين. فرنسا مستمرّة في النضال ضدّ (مظاهر) معاداة الساميّة البغيضة بدون هوادة”.

نتنياهو: رئيس وزراء يهود العالم!

بنيامين نتنياهو، وكعادته، الكذب حاضر عنده. ندّد بـ “هجوم محضّر معادٍ للساميّة”! واتّصل بنظيره الهولنديّ مطالباً إيّاه بـ “تشديد الحماية لليهود الهولنديين”!!! فهو يتصرّف وكأنّه رئيس وزراء كلّ يهود العالم. واللافت أنّ رؤساء الدول الأوروبيّة لا يعتبرون تصريحاته هذه تدخّلاً في شؤون بلدانهم وانتقاصاً من سيادة دولهم! وأمر بإرسال طائرتين فوراً إلى أمستردام لنقل المشجّعين الإسرائيليين وربّما من يرغب من اليهود وإعادتهم إلى “أرض الميعاد”.

الأنظار على لقاء باريس

بعد أمستردام الأنظار موجّهة إلى باريس التي تستضيف المباراة بين الفريق الإسرائيليّ و”باريس سان جرمان” في إطار دوري أبطال أوروبا للأندية. وفرنسا تضمّ أكبر جالية يهوديّة في أوروبا (حوالي نصف مليون) وأكبر جالية عربيّة ومسلمة (حوالي ٦ ملايين).

وزير الداخليّة اليمينيّ برونو روتايو لم يتأخّر عن التأكيد على إجراء المباراة، في مكانها وزمانها. كتب على “إكس”: “البعض يطلب نقل المباراة. لن أقبل. فرنسا لا تتراجع لأنّ ذلك يعني التراجع أمام التهديد بالعنف وفي مواجهة معاداة الساميّة”.

أعلن قصر الإليزيه أنّ إيمانويل ماكرون سيحضر المباراة ليدعم الفريق الفرنسيّ “وليوجّة رسالة أخوّة وتضامن (للإسرائيليين) بعد الأعمال المعادية للساميّة غير المقبولة التي تبعت المباريات في أمستردام”. تتكلّم وسائل الإعلام عن مباريات ذات “خطر مرتفع”. أعلنت وزارة الداخليّة نشر حوالي 4,000 عنصر أمن، أي بزيادة 3 أضعاف عن أيّ مباريات أخرى. المئات منهم سيكونون داخل الملعب، وهو تدبير استثنائيّ. وهذا يعني أنّ باريس ومحيط ملعب “سان دونيه” سيتحوّلان إلى شبه منطقة عسكريّة. وسيُمنع إدخال أيّ علم غير العلمين الفرنسيّ والإسرائيليّ. ففي مباريات جرت منذ أيام في “استاد دو فرانس” رُفعت لافتة كُتب عليها “فلسطين حرّة” ومعها رُفع العلمان الفلسطينيّ واللبنانيّ.

قال وزير الخارجيّة الإسرائيليّ الجديد جدعون ساعر إنه “جرس إنذار لأوروبا والعالم أجمع”. ربّما كان أصدق من رئيسه في الحزب والحكومة. إنّ ما حدث جرس إنذار بأنّ الكراهية لإسرائيل واليهود ازدادت بعد حرب الإبادة في غزّة. ولا تقتصر على العرب والمسلمين، إنّما تشمل شرائح من الشعوب الأوروبيّة أيضاً.