“اليوم التالي” في غزة ولبنان ليس غداً!
ستكون المدة الفاصلة بين اليوم وموعد تسلّم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب فترة غير مستقرّة في منطقة الشرق الأوسط، لا سيّما وأنّ عهد الرئيس جو بايدن يُشرف على الانتهاء تاركاً خلفه حربان، واحدة في غزة تأبى إسرائيل أن تُعلن انتهاءها قبل تأمين ما يسمّى بـ”اليوم التالي”، والأخرى في لبنان توسّعت من حرب استنزاف مضبوطة الإيقاع بين “الحزب” وإسرائيل إلى حرب شاملة شنّتها إسرائيل، بعد نحو سنة، ورفضت خلالها الذراع الإيرانية في لبنان وقف إطلاق النار، والعودة إلى وضعية ما قبل 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، لَمّا كانت الحدود اللبنانية– الإسرائيلية هادئة، على الرغم من حصول هجوم حركة “ح” في غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر).
بالنسبة إلى اليوم التالي، أكان في غزة أم لبنان، يبدو أنّ شكله لن يُحسم في غزة، وأيضاً في لبنان؛ ففي غزة، وعلى الرغم من انتهاء العمليات العسكرية الكبرى، واقتصار العمل العسكري الإسرائيلي على توغّلات محدودة، تكاد تُشبه الغارات المباغتة على مناطق يشتبه الجيش الإسرائيلي أن تكون تحرّكت فيها خلايا لحركة “ح” أو لفصائل أخرى تقاتل في قطاع غزة. كما أنّ العمليات التي تحصل في الشمال، لاسيما عند الحافة الأمامية المقابلة لحدود إسرائيل، تهدف وفق كلّ المؤشرات إلى إقامة شريط عازل بعد إفراغ شمالي غزة بأكمله ودفع المواطنين نحو المناطق الوسطى والجنوبية من غزة.
وما من شكّ في أن اليوم التالي في غزة يمرّ عبر إقامة حكم جديد في القطاع تكون حركة “ح” خارجه بعد أن تُسلّم أسلحتها وتخرج من القطاع عسكرياً وأمنياً بشكل تامّ نحو بلد آخر مستعدّ لاستضافة الحركة والفصائل المقاتلة، بالمقاتلين والقادة العسكريين والأمنيين مع عائلاتهم، توطئة لإقامة حكم جديد تُشارك فيه السلطة الوطنية الفلسطينية التي لا يمكن لإسرائيل أن تمنعها من تحمّل مسؤولياتها كحكم يتمتع بشرعية دولية وعربية حاسمة.
أمّا إعادة الإعمار فمسألة أخرى قد تطول كثيراً نظراً لارتفاع فاتورتها، حيث يقدّر خبراء أنها ستتجاوز الـ80 مليار دولار وتمتدّ لفترة ما بين 10 و15 سنة. وفي مطلق الأحوال، يحتاج موضوع اليوم التالي إلى تقاطع إسرائيلي– دولي– عربي وفلسطيني لكي يرى النور. هذا ليس متوفّراً في الوقت الحالي. وقد يتسلّم الرئيس ترامب مهامه التنفيذية في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل والملفّ لم يتحرّك قيد أنملة.
هناك الملفّ الآخر أي اليوم التالي في لبنان، فالحرب الإسرائيلية ضدّ “الحزب” في أوجها من أجل تغيير الواقع في الجنوب اللبناني ولاحقاً في كلّ لبنان. وقد تلقّى “الحزب” ضربات قاتلة وجرى القضاء تقريباً على كامل قيادته السياسية والعسكرية. وجرى تقويض قوّته العسكرية إلى حدّ بعيد، تزامناً مع تحميله، وبالأخصّ تحميل كلّ لبنان، تبعات أزمة نزوح البيئة الحاضنة للحزب ويقدّر عددها بمئات الآلاف من المواطنين، من قراهم وبلداتهم ومدنهم في الجنوب والبقاع، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
في كلّ الأحوال، وبالرغم من الترويج لصفقة لتنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 12 آب (أغسطس) 2006، فإنّ خيار الحرب لا يزال الأقوى لدى المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي الذي ينظر إلى الوضع الحالي على أنّه يمثل فرصة ذهبية لتغيير الواقع في لبنان من خلال تقويض القوة العسكرية لـ”الحزب” وحرمان الحزب، الذي يُمثّل أحد أهم الامتدادات الإيرانية في المنطقة، من ورقة ما يسمّى بـ”المقاومة” في الجنوب. فإخراج الحزب المذكور من الجنوب وقطع نقطة التماس مع إسرائيل، سينهي أيّ ذريعة لمحاولة تشريع الحزب كقوة مقاومة. وفي مطلق الأحوال يمكن القول، إنّ “الحزب” فقد نهائيّاً “كلّ الغطاء الداخلي لسلاحه وللدور الذي كان يقدّم نفسه فيه بصفة حركة “مقاومة”. لم يتبقَّ لـ”الحزب ” أيّ سند سوى ضمن النواة الصلبة في صلب بيئته الحاضنة، لكنّ البيئات الأخرى ابتعدت عنه بشكل نهائي. ومن هنا، فإنّ اليوم التالي في لبنان لن يتحقّق في المدى المنظور في ظلّ إصرار طهران على مواصلة الحرب مع إسرائيل في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قوة “الحزب” ونفوذه في لبنان.