«عمى ألوان» في بيروت حيال مسوَّدة حلٍّ… كأنها بين التنقيح و«التنقيب» عنها

«عمى ألوان» في بيروت حيال مسوَّدة حلٍّ… كأنها بين التنقيح و«التنقيب» عنها

المصدر: الراي الكويتية
12 تشرين الثاني 2024

لم تحجب مشهديةُ التضامن العربي – الإسلامي مع غزة ولبنان التي ارتسمتْ من الرياض مع القمة غير العادية التي استضافتْها وتوحّدت خلْف وجوب وقْف العدوان الإسرائيلي «الآن وليس غداً»، لوحةً بالغةَ التعقيد والتناقض أطلّت من خلف سِباقٍ بين «النار والماء» لم يكن ممكناً التكهّن بخط نهايته وهل سيَحمل إعلان «إطفاء محركات» الحرب المروّعة التي تمزّق القطاع إرباً منذ أكثر من 13 شهراً و«بلاد الأرز» منذ 56 يوماً أم سيشكّل جولة جديدةً من «الفرص الضائعة» وشراء الوقت فوق أشلاء من بشر و… حجر.

وفي وقت كانت قمة الرياض، وبلسان وليّ العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، تعلن «بأعلى صوت» الإدانة العميقة للعمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي اللبنانية و«رفْض تهديد أمن لبنان وانتهاك سلامته الإقليمية واستقراره وتهجير مواطنيه»، قبل أن توجّه إشارةً قويةً بتوسيع مَهمة اللجنة الوزارية العربية – الإسلامية المكلّفة من القمة الاستثنائية المشتركة التي عُقدت العام الماضي (بشأن التطورات في غزة) لتشمل «العمل على وقف العدوان على لبنان»، عاشتْ بيروت مناخاً بدتْ معه وكأنها في مهبّ «رياح متعاكسة» عَكَسَتْ «عمى ألوان» حيال «زوبعة» التفاؤل الإسرائيلي بقرب بلوغ اتفاقٍ على جبهة الشمال.

وفي حين كان الميدانُ يشتعل، من إسرائيل التي وسّعتْ حزام المَجازر والتدمير المتنقّل، و«حزب الله» الذي أبْقى على صلياته التي أغرقت مستوطنات الشمال وصولاً إلى حيفا بـ 230 صاروخاً، منذ صباح أمس، أقساها كان بنحو 100 «معاً»، فإن تَفَلُّتَ الجبهة من «توقيت» الإيجابية «من جانب واحد» التي مَضَتْ تل أبيب في ضخّها، اعتُبر مؤشراً مزدوجاً:

أولاً إلى رغبةِ الأخيرة في رفْع الضغط العسكري لإجبار لبنان والحزب على القبول بما تَجري هنْدسَتُه خلْف الأبواب المغلقة كمخرج لوقف الحرب «لمرة واحدة وأخيرة» وإلا تَحمّلا مسؤولية إجهاض الحلّ.

وثانياً إلى أن «حزب الله» ليس في وارد التسليم بتفاوضٍ «تحت النار» وكأنه «هُزم» بمعنى أن التسويةَ ستأتي لتترجم وقائع الميدان وميزان الربح والخسارة بالمفهوم الإسرائيلي.

مسودة وقف الحرب!

وغداة ما بدا في بيروت «ليلة القبض» (أو محاولة القبض) على مسودة وقف الحرب التي نُشرت في تل أبيب خطوطُها العريضة وتحدّثت تقارير في موازاتها عن مواعيد مفترضة لهدنة محتملة تبدأ في 20 الجاري ولمدة تراوح بين 6 أسابيع و60 يوماً يجري خلالها المباشرة بتنفيذ مندرجات الاتفاق، في مقابل تسريباتٍ عن مسؤولين لبنانيين أنهم لم يتلقوا أي أوراق، فإن أوساطاً مطلعة تشير إلى أن المناخات التي تُشاع تعكس عمليةَ «تنقيح» مسودات بين الولايات المتحدة (بجناحيْها جو بايدن – دونالد ترامب) وبين إسرائيل عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي ذكر المعنيون في بيروت أيضاً أنهم لم يُخطروا بموعد زيارة له للعاصمة اللبنانية كما أشيع.

وبحسب الأوساط، فإن هذا التبادل، والذي دخل على خطه وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر الذي يزور واشنطن، يُنتظر أن يُفْضي إلى أن يصبح بين يدي هوكشتاين، صيغة مقبولة، ولو بالحد الأدنى، من الولايات المتحدة التي يسعى بنيامين نتنياهو إلى التعاطي معها على طريقة «إمساك العصا من الوسط» بين إدارة راحلة لا يريد استفزازَها وإدارة آتية من المبكر «وضع كل بيضه في سلّتها» قبل 69 يوماً من تسلُّم ترامب منصبه في 20 يناير.

«لاعب احتياط»

وفي «المقاعد الخلفية» لهذا المسار، تجلس روسيا كـ«لاعب احتياط» جرى اعتماده و«جس نبضه» من تل أبيب، ويمكن استدعاؤه مع انتقال «صفارة» البيت الأبيض إلى ترامب على قاعدة وعده «انتهى وقت الحروب».

وفي رأي الأوساط أن هذا المسار محفوف بالتعقيدات، فهو حتى الآن «أحادي الجانب»، معتبرة أنه «كي يعود هوكشتاين وتكون مهمته «قابلة للحياة» يتعيّن أن يقاطع الصيغة المطروحة مع لاءات لبنان الرسمي و«حزب الله» وإيران التي تحتلّ مقعداً متقدماً في أي تسوية يُحكم إمساكها «بالقيادة والسيطرة» على مجريات الحرب في لبنان منذ اغتيال السيد حسن نصر الله في 27 سبتمبر وعلى مقتضيات الحلّ واتجاهاته بما يتلاءم مع موجبات حفْظ نفوذها و… رأسها.

وبهذا المعنى يُفترض أنه تراعي التسوية المفترضة أو أن تمرّ مما يشبه «إبرة بثقبين»:

الأول يقتضي أن يوفّق بين شروط إسرائيل وأبرزها إيجاد آلية تضمن الرقابة «السياسية والميدانية» لمنْع إعادة تسليح «حزب الله» والاحتفاظ بحق التصدي «بيدها» لأي تهديد وشيك أو خطر أبعد والطلعات الجوية وإن بارتفاعاتٍ تصبح معها «غير مرئية»، وبين الخطوط الحمر للبنان الرسمي حيال هذا الأمر «الخارق للسيادة».

والثاني أن تؤمن أي تسوية تقاطُعاً بين مجمل هذا المسار وبين ما تتطلّع إليه إيران التي تتهيأ لمرحلةٍ من الضغوط الأشد -قابلتْها حتى الساعة بخطوة إلى الوراء على طريقة عدم حرق المراحل- مع انتخاب ترامب الذي كسر قواعد اللعب معها التي قامت طويلاً على الاحتواء فاختار المواجهة بأدوات موجهة، ولا يبدو أنه عدّل في موقفه من طهران وخصوصاً الملف النووي ونفوذها بقوةِ أذرعها في المنطقة.

وكانت آخِر «نسخ» التفاؤل الإسرائيلي عبّرت عنها القناة 12 بنقلها عن مصادر قريبة من نتنياهو أن «المفاوضات حول لبنان تحصل بمشاركة إسرائيل ولبنان وروسيا وأميركا وإيران، والجدول الزمني يتناسب مع استبدال الحُكْم في البيت الأبيض، وهو ينص على وقف النار 60 يوماً، يتواجد خلالها الجيش الإسرائيلي بأعداد قليلة في مناطق قريبة من الحدود في لبنان إلى أن ينتشر الجيش اللبناني».

وفي إطار متصل، تحدّثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن «تبادل لمسوّدات اتفاق وقف النار في لبنان، بين إسرائيل والولايات المتحدة، ومع مسؤولين لبنانيين، وسط تقدّم في مفاوضات التسوية»، ناقلة أن «ثمة تقدّماً كبيراً في المحادثات، وهناك فرصة جيدة للاقتراب من الاتفاق».

وأكمل وزير الخارجية جدعون ساعر هذا الجو، بإعلانه «هناك تقدم في محادثات وقف النار على جبهة لبنان ونعمل مع الأميركيين في هذا الصدد لكن التحدي الرئيسي سيكون تطبيق ما يتم الاتفاق عليه»، لافتاً إلى «أننا سنكون جاهزين للتسوية إذا أصبح حزب الله بعيداً عن حدودنا وتراجع إلى ما وراء الليطاني، وجيشُنا يواصل العمل على تفكيك البنية التحتية للحزب في جنوب لبنان وهو أصبح في وضع مختلف ولا يمكنه الآن تنفيذ ما كان ينوي فعله ضد إسرائيل».

وفي موازاة استمرار آلة الحرب بعمليات قتل وتدمير ممنهَجة في الجنوب والبقاع وتلويح بإنجاز الاستعدادات لتوسيع العملية البرية، وارتقاء «حزب الله» في عملياته كماً ونوعاً، أعلن مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف من قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، متوجهاً إلى الإسرائيليين «لن تكسبوا حربكم بالتفوق الجوي ولا بالتدمير وقتل المدنيين من ‏النساء والأطفال، وما دمتم عاجزين عن التقدم البري والسيطرة الفعلية ‏فلن تحققوا أهدافكم السياسية أبداً ولن يعود سكان الشمال إلى الشمال أبداً». ‏

وإذ ردّ «على تخرّصات عدد من مسؤولي العدو حول أن مخزوننا ‏الصاروخي تراجع إلى نحو 20 % من قدراتنا الفعلية، وجوابنا ‏الفعلي هو في الميدان (…) واستخدام صاروخ الفاتح 110 ولدينا المزيد وما يكفي من السلاح والعتاد ‏حرباً طويلة»، أكد «أن الميدان قادر على تغيير المعادلات ‏السياسية وإذا سمعتم يوماً ما عن مفاوضات سياسية لوقف النار، كما يحصل الآن، ‏فاعلموا أن سبَبها الوحيد هو الميدان وصمود أبطال المقاومة».

ميقاتي في الرياض

في هذا الوقت حَمَلَت إطلالة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أمام قمة الرياض، أكثر من إشارةٍ بارزة، ولا سيما غمزه من قناة إيران، حين دعا «بلدان الإقليم والعالم إلى احترام خصوصية لبنان ودعْمه كنموذج تعدّدي يُقتدى به في كل المجتمعات التعددية، وإلى الامتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية عبر دعم هذه الفئة أو تلك بل دعم لبنان الدولة والكيان».

وبينما اعتبر أن «لبنان يمر بأزمة غير مسبوقة تهدد حاضره ومستقبله»، قال «يبقى الأساس هو وقف العدوان المستمر على لبنان فوراً واعلان وقف النار، وإرساءِ دعائمِ الاستقرارِ المستدامِ، مع تأكيد التزام الحكومة الثابت والراسخ بالقرار 1701 بكل مندرجاته وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب وبالتعاون الوثيق مع القوات الدولية لحفظ السلام، والعمل على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل الحدود المعترف بها دولياً».

وأكد «إننا بصدد إنشاء صندوق تمويلي يتغذى من إسهامات الدول الشقيقة والصديقة بإشراف إدارة أممية على أن يكون الإنفاق لإعادة الإعمار خاضعاً للتدقيق الدولي الموثوق»، كاشفاً أنّ «العدوان تسبَّبَ بخسائر إنسانية فادحة، فتجاوز عدد الضحايا حتى الآن أكثر من 3200 شهيد، بينهم أكثر من 775 طفلاً وسيدة، والجرحى أكثر من 14 ألف شخص، وبإجبار نحو مليون و200 ألف لبنانيٍّ على النُّزوحِ في غضونِ ساعاتٍ».

وأضاف «تأتي الآثارُ الاقتصاديَّةُ للتصعيدِ العسكريِّ لتزيدَ من حجمِ المأساةِ، إذ وفق تقديراتِ البنكِ الدوليِّ، قُدِّرَت الأضرارُ والخسائرُ المادية لغاية اليوم بـ8.5 مليار دولار، منها 3 مليارات و400 مليون دولار تشمل تدميراً كلياً أو جزئياً لمئة ألف مسكن (…)».