بلينكن الباهت إلى البيت… ورسائل قمّة الرّياض لترامب

بلينكن الباهت إلى البيت… ورسائل قمّة الرّياض لترامب

الكاتب: وليد شقير | المصدر: اساس ميديا
9 تشرين الثاني 2024

كان أوّل المنتشين بالتحوّل في الرئاسة الأميركية بنيامين نتنياهو، فأقال وزير الدفاع يوآف غالانت، وديعة إدارة جو بايدن في حكومته. أتبعتها تل أبيب بإهانة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل باردو خلال زيارته لها للبحث بضمانات تطلبها لوقف النار في لبنان. فالدولة الأكثر اهتماماً بوقف الحرب على البلد الصغير، فرنسا، قابلتها إسرائيل بتوقيف اثنين من دبلوماسيّيها في القدس. إنّها رسالة غطرسة بأنّ حديث الحلّ الدبلوماسي لا يعني وقف الحرب.

قال مسؤولون في إدارة بايدن لـ”أكسيوس” إنّ “هناك الكثير لنقوم به خلال الشهرين المقبلين”. الترجمة العملية لذلك هي ما رجّحته معظم التوقّعات من أنّ نتنياهو سيواصل حملته العسكرية، على الأقلّ حتى تسلُّم دونالد ترامب مهمّاته في 20 كانون الثاني المقبل. هذا إذا بقي الرئيس الأميركي المنتخب على طلبه من صديقه أن تنتهي الحرب في غزة ولبنان في ذلك التاريخ.

سيتأثّر العالم كلّه بمرحلة رئاسة ترامب لأميركا. الشرق الأوسط ينتظر أداءه والفريق الذي سيختاره. انحياز ترامب الفائق لإسرائيل وصداقته مع نتنياهو إلى درجة تخطّى معها ثوابت السياسة الأميركية في ولايته السابقة، يناقض التزامه إنهاء حروبها. فهدف حرب اليمين الإسرائيلي المتطرّف على غزة والضفة الغربية هو إسقاط أيّ مقوّمات لحلّ الدولتين، الذي استبعده ترامب باتفاقات أبراهام والتطبيع العربي مع الدولة العبرية، والاكتفاء بتحسين أوضاع الفلسطينيين الاقتصادية، مع بقائهم تحت الاحتلال… كما أنّه يلتقي مع نتنياهو على هدف حربه على لبنان: ضرب الحزب بصفته الذراع الرئيسة لتوسّع إيران الإقليمي ولحماية طموحاتها النووية. فكيف سينهي الحرب إذا كان اشترك مع بيبي في أهدافها؟

قد تظهر توجّهات ترامب الجديدة من تسمية الوزراء الرئيسيين في حكومته. يضاف إليهم مستشاروه في مجلس الأمن القومي. والافتراض أنّ أسلوب الرجل قد يكون تغيّر عن سلوكه في ولايته الماضية ليس مستبعداً. فترامب غير ممكن توقّع سلوكه (unpredictable).

ستزخر المرحلة الانتقالية لتسلّم ترامب الرئاسة بعد شهرين بالمؤشّرات والخلاصات. وثمّة ما يمكن أن يشكّل استمرارية لسياسات الإدارة الراحلة، فيما تخضع الفروقات الممكنة للاختبار. في هذا المجال يمكن الحديث عن اختبار أمرين، من بين مؤشّرات عدّة في شأن بداية المرحلة الترامبيّة.

نموذج بلينكن والرّياء والمراوغة

المؤشّر الأوّل: يستمرّ إخضاع جهود وقف النار لمناورات الفريق المحيط بالرئيس بايدن الذي حالت مراوغته على مدى سنة دون التوصّل لاتفاق. فهذا الفريق لم يأخذ صفة الوسيط لشدّة انحيازه ورئيسه لإسرائيل. كانت تحرّكاته مجرّد غطاء لاستمرار القتل والتدمير والتهجير. وهذا يُنتظر أن يستمرّ في المرحلة الانتقالية.

من حسنات الاستحقاق الرئاسي الأميركي أنّه يرسل هذا الطاقم إلى البيت بعدما ثبت عدم كفاءته. لم يكن أداء بايدن العجوز وحده الذي خيّب ظنّ الأميركيين والعالم. فوزير الخارجية، الذي هو عادة الثاني في الأهميّة بعد الرئيس، كان ضعيف الشخصية وقليل الحيلة.

ثبت أنّ أنتوني بلينكن الآتي من عالم الدراسات الاستراتيجية والنظرية، الليبرالية، كان باهت الأداء في حقبة مليئة بالتطوّرات الدراماتيكية. ولغة الجسد حين كان يلتقي نتنياهو كانت دليلاً على أنّ الأخير يتفوّق عليه بالهيبة. يقول دبلوماسيون مخضرمون عرفوه عن قرب إنّه يكفي أنّه زار الشرق الأوسط وإسرائيل عشر مرّات منذ 7 أكتوبر، من دون أيّ تقدّم في الحلّ السياسي للحرب.

كاتب خطابات الرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي عمل في فريق الموظّفين المواكبين لبايدن حين كان الأخير رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، ونائب مستشار الأمن القومي في عهد باراك أوباما… ينطبق عليه القول الفرنسي المأثور: “رجل ثانٍ جيّد… وليس رجلاً أوّل”.

كانت المرحلة تحتاج إلى رجال من قماشة جيمس بايكر وهنري كيسنجر وجورج شولتز وغيرهم… مارس بلينكن الرياء، إذ لا يتوانى وزراء خارجية في الإقليم عن الإيحاء بتشويهه الحقائق في التفاوض. ففي زيارته قبل الأخيرة للمنطقة أعلن من القاهرة موافقة نتنياهو على اقتراح تبادل الأسرى ووقف النار في غزة، وانسحاب إسرائيل من معبر فيلادلفي… فعاجله نتنياهو بالنفي. لكنّه اتّهم حماس بعرقلة الاتّفاق.

تنقل بعض المصادر عن وزراء عرب أنّهم تعرّضوا لما يشبه الخديعة حين جزم أمامهم بموافقة نتنياهو على النداء الأميركي الفرنسي لوقف الحرب في لبنان، الذي تبنّته دول عربية ومجموعة السبع في 25 أيلول الماضي، فتبيّن أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي رفضه.

التّرامبيّة والمرحلة الانتقاليّة

شارك أنتوني بلينكن مثل سائر رجال بايدن في تغطية المجازر الإسرائيلية في القطاع تحت شعار دعوته جيش إسرائيل إلى “خفض” استهداف معاناة المدنيين و”تقليل” الخسائر في صفوفهم. كان اختراع “خفض استهداف المدنيين” دخيلاً هجيناً على اللغة الدبلوماسية مقابل مصطلح “خفض التصعيد”.

هكذا سهّل بايدن وطاقمه ممارسة اليمين الإسرائيلي الوحشي للإبادة الجماعية في حقّ الفلسطينيين ومواصلة التدمير والقتل والتهجير في لبنان. وهو ما أثار  جزءاً من شرائح أنصار الحزب الديمقراطي، الذي تسبّب اعتراضه بخسارة كامالا هاريس، من بين أسباب أخرى.

هل يعتمد ترامب في المرحلة الانتقالية على هؤلاء كي ينجزوا العمل العسكري ليبني بعد 20 كانون الثاني على الشيء مقتضاه؟ وهل تتيح النتيجة الانتخابية لموفد مثل آموس هوكستين أن يستأنف وساطته خلال الأسابيع الباقية وسط توقّعات بأن ينكفئ؟ وهل يستدرك ترامب في تعييناته لفريقه فيتجنّب المجيء بأشخاص شبيهين ببلينكن، بلا طعم ولا لون…؟

هل تكفي الوعود الوردية الصادرة عن شخصية لبنانية مقرّبة من ترامب مثل والد صهره اللبناني مسعود بولص بوقف الحرب في لبنان؟

لا يتوقّف الأمر فقط على موقف لبنان، بل على ما تريده إيران وما تنويه إسرائيل في لبنان. فهناك حديث يطرب له الفائز بالبيت الأبيض: نتنياهو يرمي إلى أبعد من تطبيق القرار 1701 في لبنان. ويريد ضمانات أمنيّة عبر التطبيع باتّفاق سلام مع بيروت…وهذا من سابع المستحيلات.

ما هي رسائل قمّة الرّياض؟

المؤشّر الثاني: الاختبار الأوّليّ الذي تخضع له علاقة ترامب مع العالمين العربي والإسلامي، وتحديداً الخليجي، يفرض نفسه بانعقاد القمّة العربية الإسلامية في الرياض بعد غد الإثنين.

قد لا يكون صدفة أنّ موعدها تحدّد قبل منتصف الشهر الماضي، على أن تنعقد بعد أيام على نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية. هناك من يرى أنّ من بين أغراض  القمّة توجيه أكثر من رسالة إلى واشنطن. وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى جملة عناصر تسمح برصد جوهر تلك الرسائل:

  • تنعقد بناء على تقديم فلسطين طلب عقدها لاتّخاذ موقف من استمرار الحرب على القطاع والضفة الغربية، فارتُئي أن تلتئم بعد سنة بالتمام. صحيح أنّ العراق تقدّم بالطلب نفسه، وأنّ طهران حرّضت دولاً عدّة على التئامها بعد اغتيال الأمين العام للحزب ورئيس حركة حماس إسماعيل هنية حين كان في ضيافتها. لكن بقي الطلب خاضعاً للتشاور والتقويم. إلّا أنّ لبنان ألحّ مطلع تشرين الأول الماضي على اجتماعها فجاء الجواب مشجّعاً من المملكة العربية السعودية بعد أيام.
  • من الطبيعي أن تكرّر الـ57 دولة الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي قرار القمّة السابقة، بالإصرار على قيام الدولة الفلسطينية، ووقف النار الإلزامي من مجلس الأمن. والأرجح أن تتبنّى قرار قمّة المنامة العربية بطلب إرسال قوات دولية إلى غزة لحماية الفلسطينيين، وأن تساهم في رسم ما تدعو إليه الرياض، أي المسار العمليّ لقيام دولة فلسطين. وهو شرطها الثابت للقبول بأيّ تطبيع سعى إليه بايدن، ويريده ترامب من الرياض مع تل أبيب. كما أنّ في جعبة اللجنة الوزارية السداسية التي انبثقت منها العام الماضي الكثير من المداولات مع دول غربية اجتمعت إلى مسؤوليها، من بينها أنّ وزراء خارجية مصر، السعودية والأردن أبلغوا الوزير بلينكن حين التقوه في واشنطن في كانون الأول الماضي رفضهم القاطع لاقتراحه نقل لاجئين فلسطينيين من غزة إلى دولهم جرّاء الحرب.
  • ثمّة تكهّنات بأنّ بعض الدول الخليجية يعتقد أنّ وقف النار في لبنان أقلّ تعقيداً من وقفه في غزة. يراهن البعض على ذلك للمضيّ في هذا التوجّه بالعلاقة مع ترامب، على الرغم من الشكوك. لكنّ الأمر يتعلّق أيضاً بموقف إيران التي اعتبر مرشد الثورة فيها علي خامنئي أنّ “قتال المقاومة في غزة ولبنان سيؤدّي إلى الانتصار”. كما أنّه أمر بالردّ على الضربة الإسرائيلية في 31 تشرين الأول. لكنّ طهران لم تخفِ في اتصالاتها مع سائر الدول العربية الشهر الماضي رغبتها بعدم التصعيد. وأشارت مصادر عربية لـ”أساس” إلى تلميح إيران لرغبتها بدور عربي في تفعيل الحوار بينها وبين أميركا. فهل تشكّل قمّة الرياض حاضنة لإطلاق مرحلة جديدة من التواصل الأميركي الإيراني؟ بعض المراقبين يرى أنّ طهران بحاجة إلى النزول عن الشجرة على الرغم من مكابرتها بتجاهل المتغيّر الأميركي المتمثّل بفوز ترامب الأكثر تشدّداً حيالها. ولهذا حديث آخر.
  • تهيّئ ماليزيا بقيادة رئيس حكومتها أنور إبراهيم للاقتراح على الجمعية العمومية للأمم المتحدة التصويت على قرار طرد إسرائيل من الأمم المتحدة. فإذا طلبت كوالالمبور من القمّة تأييد مشروعها، فهل تتجاوب معها سائر الدول؟