“أنغام مشؤومة” في احتفالية حربية!
كانت أنباء الانتصار المذهل لدونالد ترامب تدوّي في سائر أنحاء العالم، وتصفّق له أيادي أغلبية لبنانية من دون تحفّظ، في الوطن وبلدان الانتشار، فيما عصفت في مناطق الحرب المتدحرجة في لبنان دماراً ودماء إحدى أسوأ موجات القتل الجماعي، التي يسعى عبرها رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى حسم حربه على “الحزب”.
أعادت مواكبة اللبنانيين ليوم انتخاب ترامب في أميركا الكثيرين ممن عايشوا تجارب الحرب اللبنانية إلى تلك الحقبات، حين كان العالم يعيش زمنه فيما اللبنانيون يتقلّبون في الملاجئ تحت نيران المدافع، وبالكاد يتسقّطون أخبار التحوّلات والتطورات في العالم الخارجي.
البارحة، كان المتبدّل في المشهد اجتياح تلفزيونيّ إعلاميّ، ومناطق تتفرج، وأخرى ترزح تحت النار، والجميع في حيرة عظيمة؛ ماذا تراه يحمل ترامب للبنان ما دام لا يفصح عن مضمون وعوده بأن يوقف الحرب فيه؟ وماذا تراه سيوقف بعد شهرين إذا كانت موجات القتل والتدمير المخيفة ستتصاعد بوتيرة مئة قتيل، وعشرات القرى المجروفة والممسوحة من الوجود يومياً؟
هذا نغمٌ مشؤومٌ أول استقبلَ به المشككون اللبنانيون انتخاباً تاريخياً غير مسبوق لرئيسٍ، شخصيّتُه هي الأشدّ إثارة للجدل في تاريخ أميركا، لفرط ما يحمل من المواصفات الغرائبية. ولا تقف الأنغام المشؤومة عنده! فلبنان، الذي يُهيّئ نفسه لعدّ عكسي لنهاية الحرب ووقف إطلاق النار، انحرف مسار أمنياته أمام صعود تداعيات جديدة تلوح في أفق التعامل السياسي مع الجيش اللبناني، من شأنها أن تُشكّل في قابل الأيام مفجّراً داخلياً خطيراً يُذكّر بمطالع السبعينيات.
تتصاعد معركةٌ وراءَ الكواليس حول التمديد لقائد الجيش، الذي يحظى بدعم خارجي تصاعدي لانتخابه رئيساً للجمهورية، فيما لا يبدو الفريق الممانع كما حليفه السابق التيار العوني في صدد تسهيل التمديد له، ممّا يُنذر بخطر شلّ القيادة العسكرية إن لم يحصل التمديد. لا يقف الأمر عند هذا بل يتمادى مع رفع الأمين العام الخلف للسيد نصرالله، الشيخ نعيم قاسم، “التنبيه” في وجه الجيش اللبناني مفاتحاً إياه بمساءلة عن واقعة الإنزال الإسرائيلي في البترون، ومنذراً ضمناً بأنه ستكون للتنبيه تتمّة أخرى.
الحزب الذي قاد لبنان إلى استدراج أعتى حرب إسرائيلية عليه، ورفض وفريقَه حتى الساعة أيَّ مساءلة، أو محاسبة، أو مجرّد انتقاد، تحت وطأة تخوين وصهينة كلّ من يتجرأ على انتقاده، انبرى الآن لمحاكمة الجيش اللبناني، الذي تُعدّ الحكومة العدة لتعزيز عديده بتطويعٍ يمهّد لنشره في جنوبيّ الليطاني.
المسألة أن استراتيجية الحزب في الاستعلاء القاتل والإنكار كانت لتمرّ كسواها لولا أن الحزب قادر على حجب خسائره المخيفة بشرياً وعسكرياً، قبل أن يوزّع التنبيهات والتهديدات على الجيش والخصوم في الداخل والخارج، وعلى المخالفين والإعلام والصحافة وسائر منظومات العالم، كما كان حليفه الرئيس عون يدأب على التباهي بأن حرباً كونية تُخاض ضده.
مُسحت عشرات البلدات والقرى الجنوبية بأبشع ما تمارسه القوات الإسرائيلية باحتلال تدميري، ويجد الحزب الوقت لينبري للجيش والخصوم، من دون أن يعترف بكلمة واحدة بأن الاحتلال يقبع منذ انطلاق عمليته البرية على أرض الجنوب، ولو بأسلوب متبدّل عن الاجتياحات التقليدية. وإذا كانت هذه عيّنة متقدّمة من عيّنات التداعيات الداخلية إبان الحرب، فكيف تراها ستكون بعدها؟ وما الذي سيكون غداً حين يفتح ملف الحرب والسلم والسلاح على الغارب؟ وماذا عن ملف الخسائر البشرية والعمرانية والاقتصادية التي أعادت لبنان عقوداً إلى الوراء؟ أنغام مشؤومة لا حصر لها، والآتي أعظم وأعظم!