جديد بيئة “الحزب”: إيران هي السبب!
ثمة تحوّل لافت للانتباه في البيئة “الدعائية” الخاصة بـ”حزب الله”، إذ إنّ ما يُحكى في الكواليس لا يشبه بتاتاً ما يطل به “الرسميّون” على الإعلام. أدبيات الانتصار في معركة “أولي البأس” التي يجهدون في الترويج لها، تنقلب في النقاشات الداخلية إلى بحث في تحديد أسباب “النكبة”.
يعرب كثيرون من هؤلاء عن اعتقادهم بأنّ ما يعاني منه “حزب الله” وما تكبده من خسائر -بعضها يستحيل تعويضه- سببه “الجمهورية الإسلامية في إيران”. هم لا يتلاقون مع المروّجين لتخلي طهران عنهم، ولكنّهم، يلقون عليها المسؤولية على ما يسمونه “إدارتها الخاطئة للحرب”، بحيث أعطى “الصبر الاستراتيجي” الذي أجبرت “حزب الله” على الالتزام به، إسرائيل ما يكفي من وقت، حتى تختار الوقت المثالي لها، حتى تشنّ حرب “سهام الشمال”.
بطبيعة الحال، يسعى هؤلاء في نقاشاتهم إلى عدم تحميل الأمين العام الراحل لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أي مسؤولية عمّا حصل، فهو يفترض، طالما أنّ السياق العام يهدف إلى “تقديسه”، أن يكون فوق “الخطأ”، ولذلك هم يركزون، حصراً، على مسؤولية إيران عن “إدارة الحرب”!
الأهم في كل هذه النقاشات، أنّ المساءلة في بيئة “حزب الله” فتحت أوّل باب من أبوابها الكثيرة. عملية المساءلة لم تكن ممكنة في أي وقت سابق، إذ كانت تُقمَع، وهي في مهدها، ويتم تحويل الأنظار إلى مسائل أخرى، بغض النظر عن خطورتها على التماسك الوطني والمصلحة العامة.
هذه المرة، بدأت الأمور تخرج عن سيطرة “حزب الله”، ولهذا أسباب كثيرة: فداحة الخسائر، اغتيال أقوى القيادات وأشرسها وأكثرها هيبة وكاريزما، طول مدة الحرب، وسقوط سرديات “قوة المقاومة” و”وهن إسرائيل”.
الأخطر في هذه المساءلة التي يظهر أنّها آخذة في الإتساع، يكمن في أنّ القاعدة المؤيدة لـ”حزب الله” بدأت تتحدث بمعطيات تتناقض مع تلك التي تحاول القيادة الجديدة التأكيد عليها، فالحديث عن مسؤولية إيران في كل ما يحصل، لا يتلاقى بتاتاً مع إصرار الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم، على تصوير “الجمهورية الإسلامية”، في كل إطلالاته السابقة لتعيينه واللاحقة له، كما لو كانت “جمعية خيرية” لا هدف لها من دعم “جبهة المقاومة” سوى “إزالة المظلومية عن شعبي فلسطين ولبنان”. بالنسبة لقاسم لا تتدخل إيران في شيء. لا في الحرب، لا في المعارك، ولا في القرار. جل ما تفعله، وفق قاسم، أنّها تسهر على توفير حاجيات “جبهة المقاومة” وذلك “لوجه الله”، وعليه، فإنّ “حزب الله”، عملاً بمبدأ، من يؤيّدنا نؤيده، يؤيّد إيران!
هذه السردية التي لم تقنع يوماً معارضي “حزب الله”، لم تعد في هذه الأيام، قادرة على إسكات “بيئة حزب الله” عن إيران، لأنّ الحضور الطاغي لقيادات الحزب التاريخية، كان قادراً، إلى حد ما، على إخفاء اندماجهم الكامل باستراتيجية تضعها القيادة الإيرانية، وتحظى بموافقة المرشد علي خامنئي!
في واقع الحال، لم يكن “حزب الله” يوماً، على هامش “المخطط الإيراني”. كان دائماً “رأس حربة” فيه، فهو، في كل الحروب التي خاضها، بما فيها تسببه بحرب تموز (يوليو) 2006، كان ينفّذ “الأجندة الإيرانية”. وفيق صفا، المجهول المصير حالياً، كان قد روى، في سنوات سابقة، أنّ العملية التي نفذها “حزب الله” في 12 تموز (يوليو) 2006، وانتهت إلى خطف جنديين إسرائيليين، كانت فكرة الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني الذي عاد واغتاله الجيش الأميركي حين كان في زيارة للفصائل “الولائية” في الحشد الشعبي العراقي.
حالياً، بدأت بيئة “حزب الله” ترصد الضرر الإيراني الكبير على حاضرها ومستقبلها. للمرة الأولى، ولو لأسباب مختلفة، تتقاطع رؤية هذه البيئة مع رؤية البيئات اللبنانية الأخرى، بحيث جمعت بينهما مصائب إلحاق لبنان، من خلال قوة سياسية-عسكرية-شعبية، بالمشروع الإيراني.
يبقى الأهم، وهذا يحتاج إلى خروج رجالات دولة من بين الشخصيات الموجودة في السلطة اللبنانية أو تتقدم قوى المعارضة، لتعمل على بلورة مشروع يستفيد من هذه “اليقظة”، بحيث يتم تقديم تصوّر شامل يأخذ في الاعتبار مفهوم متطور للسيادة اللبنانية يكون الجنوب فيه حجر الزاوية، وخطوات نوعية نحو إدماج الجميع، بالتساوي، في النظام اللبناني، والعمل بلا هوادة لإعلاء شأن المصلحة اللبنانية على أي أجندة سواء كانت شرقية أو غربية، عجمية أو عربية!
في خطابات سابقة له، تبنّى الراحل حسن نصرالله نظرية مهمة مستقاة من “علم النفس الإيجابي”، ويمكنها أن تنطبق على الحالة الراهنة في لبنان. قال:” من رحم المأساة تولد فرص داخلية وإقليمية يجب أن يستغلها اللبنانيون، دولة وشعباً”.
حالياً، وفي ما تتضمنه نقاشات بيئة نصرالله بالذات عن دور إيران في صناعة ما يعاني منه اللبنانيون من مآس، تكمن فرص داخلية وإقليمية، للبنان وشعبه!