تداعيات قمّة “بريكس” الـ16

تداعيات قمّة “بريكس” الـ16

الكاتب: د. فؤاد زمكحل | المصدر: الجمهورية
4 تشرين الثاني 2024

فيما كان في الأيام الماضية، وزراء المال ومحافظو المصارف المركزية الدولية في واشنطن، في سياق اجتماعات الخريف السنوية للبنك وصندوق النقد الدوليَّين، كان يجري في الوقت عينه اجتماع من نمط آخر في روسيا، وهو إجتماع «بريكس» الـ 16. فما كان جدول أعمال هذا الإجتماع؟ وما التوقعات الناجمة عنه؟

نذكّر بأنّ بلدان الـ«بريكس» هي أكبر تجمُّع اقتصادي في العالم، الذي أبصر النور في العام 2010، وكان يُدعى بالـ«بريك»، إذ كان يضمّ البرازيل، روسيا، الهند والصين. وفي العام 2023 انضمّت إلى هذا التجمّع جنوب إفريقيا، وأصبح يُدعى بالـ«بريكس».

يُكوِّن تجمّع الـ«بريكس» نحو 40% من مساحة الكرة الأرضية، ويبلغ حجم اقتصاده نحو 23% من الناتج المحلي العالمي، لذا فإنّ هذا التجمّع يتمتع بقوة اقتصادية كبيرة ونافذة.

فهذا الإجتماع الـ 16 للـ«بريكس» ضمّ للمرّة الأولى 4 بلدان جديدة هي: مصر، إثيوبيا، إيران والإمارات. وهذا يعني أنّ هذا التجمّع الإقتصادي يزداد نمواً وحجماً وتأثيراً أكثر وأكثر.

وعلى رغم من الحرب الروسية-الأوكرانية التي لا تزال مستمرة حتى تاريخه، توافد إلى هذا الإجتماع الـ16 في روسيا، نحو أكثر من 32 وفداً دولياً على مستوى رفيع جداً، ممّا يُظهر قوة وأهمية وتداعيات هذا الإجتماع ليس فقط على البلدان المشاركة، لكن على العالم أيضاً. ومن هذه الوفود الجدير ذكره حضور الوفد التركي، الذي طلب رسمياً انضمامه إلى هذا التجمّع العالمي.

من أهم نقاط جدول أعمال هذا الإجتماع، كان الحدّ من هيمنة الدولار، والدولرة الدولية ومواجهتها بحدّة، بالإضافة إلى البحث عن تبادل المعلومات المالية والنقدية، ما بين البلدان المشاركة، والنقطة الأهم كانت إقامة نظام «سويفت» جديد يتعلّق بالدفع بين بلدان الـ«بريكس» منفصلاً عن نظام الـ«سويفت» الدولي.

وتداولت أيضاً المباحثات في خلق أدوات دفع، ما بين هذه البلدان ستسمّى بالـ«BRICS Pay». الواضح أنّ النية كانت خلق جبهة مالية ونقدية واقتصادية جديدة في مواجهة الولايات المتحدة، أوروبا وحلفائها. هذا يعني أنّ علينا أن نتوقع أنّنا متجهون نحو انقسامات حادّة ليس فقط في السياسة، لكن أيضاً في الاقتصاد والمال والنفط بين الشرق والغرب.

فليس صدفةً أنّ اجتماع صندوق النقد والبنك الدوليَّين في واشنطن واجتماع الـ16 لدول الـ«بريكس» حصلا في الوقت عينه. لكنّ الواضح أنّه كان هناك رسائل مباشرة وغير مباشرة لتجاذبات واختلافات عميقة، وخصوصاً التنافس على مَن سيقود العالم الاقتصادي والنقدي الجديد.

من جهة أخرى، الجدير ذكره أنّ في هذَين الإجتماعَين الدوليَّين، لم يُذكر لبنان والحرب التدميرية عليه في أي لحظة. ذُكرت الحرب في غزة لكن لم يتطرّق أحد إلى الحديث عن الحرب والهجوم الممنهج والمبرمج على لبنان. كأنّنا لم نَعُد في سُلّم الأولويات لدى البلدان الكبرى، أو أنّ الجميع متفق على ما يحدث أو أنّنا بتنا ورقة تفاوض بين أيادي البلدان الإقليمية وليس الدولية.

في المحصّلة، نذكّر ونشدّد على أنّ لبنان ليس عليه أن يختار ما بين الشرق والغرب، لكن عليه أن يكون بحسب تاريخه وجذوره منصّة الحضارات، وبلد السلام المنفتح على الجميع، ومنصّة نقدية، مالية، إقتصادية ودولية.

لسوء الحظ، إنّ لبنان يدفع مرّة أخرى ثمن حرب الآخرين على أرضه، لكنّه خسر مرونته ودُمّرت الآمال والأحلام، والحل الوحيد يَكمن بإعادة احترام الدستور والوقوف وراء الجيش اللبناني الحامي الوحيد للبلاد، والالتفاف حول رؤية واستراتيجية موحّدة، ليس فقط لإعادة الإعمار لا بل لبناء أسس جديدة، متينة ومستدامة.