مهمة هوكشتاين لوقف النار «بالون اختبار»
– قاآني لقاسم: سنبقى إلى جانبكم حتى تحرير فلسطين والقدس
– ملء الشغور الرئاسي صار جزءاً من «اليوم التالي»
دَخَلَتْ الأزمةُ الرئاسيةُ عامَها الثالث من فراغٍ بدأ في الأول من نوفمبر 2022 وتَشابَكَ ابتداءً من 7 أكتوبر 2023 مع «طوفان الأقصى» وفَتْحِ «حزب الله» جبهة إسناد غزة التي زَجَّتْ البلاد منذ 40 يوماً في «حرب لبنان الثالثة» التي يُنتظر أن تتحدّد اتجاهاتُ الريح فيها بعد 5 نوفمبر الأميركي، نحو مزيدٍ من العَصْفِ قبل «الهبوطِ بمظلّة» القرار 1701 معزَّزاً بآليات تنفيذ تضمن التطبيق الكامل، أم انتقالٍ سريعٍ إلى الحلّ عبر «الطريق المختصر» الذي بات واضح المعالم وكان محورَ مَهمة «الفرصة الأخيرة» التي قادتْها واشنطن عبر الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين ومستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك أمس في تل أبيب.
وبالكاد كان مكانٌ في المشهد اللبناني أمس، لمرور عامين على مغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا تاركاً وراءه شغوراً لم يفرّغ فقط الهيكل المؤسساتي للدولة و«نظامها التشغيلي» بل رماها في «فوهة الحرب» بجسمٍ متآكل يدير، وكأنه «مقطوع الرأس»، مرحلةً «وجوديةً» بامتيازٍ في ضوء المجريات العسكرية المروّعة كما التحديات الهائلة الماثلة أمام محاولاتِ إنهاء القتال والانتقال إلى حلٍّ مستدامِ سيَحْكُمُ «اليومَ التالي» لبنانياً وله وَجْهٌ سياسيّ مُلْحَق، وإن مضمَر، يشكّل انتخابُ رئيسٍ جديدٍ ركيزةً فيه كمنطلقٍ لمرحلةٍ تريدها واشنطن أن تُلاقي تقويضَ قدراتِ «حزب الله» العسكرية على يد إسرائيل وذلك على قاعدة إزالة «قبضته» عن القرار ومفاصل الحُكْم، مقابل تَعاطي الحزب مع هذا الأمر على أنه «حلم أميركي» لن يتحقق تحت عنوان «إحباط أهداف الحرب».
وفيما كان هوكشتاين يُجْري محادثاتٍ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على وهج مسودة ورقة من 16 بنداً تم تسريبُها في إسرائيل، وترتكز على وقف للأعمال العدائية لمدة 60 يوماً كفترة أولية يجري خلالها تنفيذ الالتزامات في الطريق لتطبيق القرار 1701 مع «عناصر لمُلْحَق جانبي» لاتفاقٍ بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي يسمح لتل أبيب باتخاذ إجراءات ضدّ «المخاطر الوشيكة والخروق في حال فشل الجيش اللبناني والآلية في منعها»، سادت المناخاتُ المتضاربةُ مَهّمته بعدما شاعَ ليل الاربعاء أن ثمة تفاؤلاً بإمكان إحداث اختراقٍ، وهو ما عبّر عنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بكشْفه أنه تلقى اتصالاً من الموفد الأميركي «الذي أوحى لي بأن هناك فرصة جدية للتوصل إلى اتفاق على وقْف النار في وقت قريب جداً» وقبل الانتخابات الأميركية، قبل أن تتقاطع المؤشراتُ من واشنطن وتل أبيب ومن الميدان الذي التهب، كما من إيران، عند أن «الكلامَ الجدّي» لن يكون قبل 6 نوفمبر.
ولم تكن عابرةً مجموعةُ إشاراتٍ بدا وكأنّها تزنّر مَهمة هوكشتاين بـ «حزام تعقيداتٍ» يصعب الفكاك منها، إلى جانب معطى رئيسي يشكّله عدم واقعية تَصَوُّر أن يسلّف نتنياهو الديمقراطيين ومرشّحتهم كامالا هاريس بقوة دفْع في السباق الرئاسي، أو أن يذهب أبعد من مجرّد «إبداء النيات» وذلك بما لا يقطع مسبقاً معها بحال فازتْ ولكن بما لا يمنحها بالتأكيد «نقطة استلحاقية» قد تكون حاسمة في خسارة المرشح الذي يفضّله أي دونالد ترامب.
وأبرز هذه الإشارات:
– الإعلانُ في واشنطن بعيد تسريب المسودة أن هناك العديد من التقارير والمسودات المتداولة.
وقال الناطق باسم مجلس الأمن القومي شون سافيت «إنها لا تعكس الوضع الحالي للمفاوضات»، بالتوازي مع تقارير نقلت أنه تم إجراء تعديلات على النسخة التي نُشرتْ منذ الأسبوع الماضي، عندما تم تأريخ الورقة.
– تَصاعُدُ التوتر مجدداً على «الجبهة المباشرة» بين إسرائيل وإيران التي استعادت لغة تهديدِ تل أبيب بردٍّ «حاسم ومؤلم» على هجومها الأخير في أراضيها، وربما قبل 5 نوفمبر، كما نقلت شبكة «سي ان ان» عن «مصدر رفيع المستوى».
وتَرافَق ذلك مع تأكيد قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني في برقية إلى الشيخ نعيم قاسم، لمناسبة انتخابه أميناً عاماً لـ «حزب الله»، أن «قوة القدس ستبقى إلى جانبكم وجانب الحزب حتى اقتلاع الشجرة الصهيونية الخبيثة وتحرير فلسطين والقدس».
واعتُبر رفْع السقف المزدوج من طهران انعكاساً من جهةٍ للحاجة إلى «تعديل ميزان» التفاوض وزيادة الضغوط لتحسين شروط أي اتفاقٍ، ولو بعد حين وبعد جولاتٍ إضافيةٍ من القتال، ومن جهةٍ أخرى محاولةً لربط النزاع مع ترامب بحال فوزه وإرساء «ردعٍ» مع أي اندفاعاتٍ ضدّ إيران، وسط اعتبار أوساط مطلعة أنه في الحالين فإنّ التهديدات من جانبها تعكس «الموانع العميقة» أمام أي تفاهُم وشيك.
– ما نقلتْه صحيفة «نيويورك تايمز» عن أن نتنياهو ينتظر الفائز من الانتخابات الأميركية قبل المضي بمسار التفاوض، قبل أن يعلن بنفسه «لا أحدد موعداً لنهاية الحرب ولكنني أضع أهدافاً واضحة لكسبها وما يهمنا هو قدرتنا على فرض الأمن ومنع أعدائنا من معاودة التسلح، واحترم القرارات 1701 و1559 ولكنها ليست الشيء الرئيسي».
وقال نتنياهو، إن إسرائيل «تُغيّر وجه الشرق الأوسط، لكننا ما زلنا في عين العاصفة وأمامنا تحديات كبيرة ولا أقلل من شأن أعدائنا مطلقاً».
المسودة الأميركية
وكانت مناخات سادت غداة تسريب المسودة الأميركية برفض العديد من الوزراء الإسرائيليين لها، خصوصاً لجهة منْحها الجيش اللبناني صلاحيات واسعة كجهة ضامنة للتنفيذ – ولاسيما لجهة عدم معاودة تسليح حزب الله – و«نشر قواته على كل الحدود والمعابر الحدودية المنظمة وغير المنظمة، براً وبحراً وجواً» و«تفكيك كل البنى العسكرية والأصول ومصادرة السلاح من كل المجموعات المسلحة جنوب الخط المحدد في الملحق أ».
– التعاطي في تل أبيب مع التصعيد العسكري الذي حصل أمس من جانب «حزب الله» وسقوط صواريخ في المطلة أعلنت أنها أدت إلى مصرع 5 عمال زراعيين، 4 تايلنديين وإسرائيلي، ثم صواريخ في منطقة الكريوت شمال حيفا تسببت بمقتل أم وابنها، على أنه إشارة إلى أن الحزب مازال يتمتع بقدرات عسكرية، وأن الوقائع أبعد من أن تدلّ على تقويض قوته الصاروخية أو إبعاد «قوة الرضوان» عن المنطقة الحدودية.
– كلام ميقاتي عن «اننا تبلّغنا من هوكشتاين الأربعاء أنه سيسعى في إسرائيل للتوصل إلى حلّ يوقف اطلاق النار تمهيداً للبحث عن سبل التطبيق الكامل للقرار 1701، ونحن في انتظار أن نتبلغ منه نتائج اتصالاته، علماً أن التصعيد الإسرائيلي المستمرّ والمواقف والتهديدات لا تبعث على التفاؤل، على الأقل في الفترة القصيرة المقبلة»،
معتبراً «أن التهديدات التي يطلقها العدو الإسرائيلي ضد المدنيين اللبنانيين باخلاء مدن بأكملها والنزوح عن مناطقهم ومنازلهم جريمة حرب إضافية».
– ما نُقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، من أن شروطَ لبنان تشتمل على عدم إدراج القرار 1559 في أي تفاهم (نزع سلاح حزب الله)، أو إحلال قوة متعددة الجنسية مكان (اليونيفيل)، لافتاً إلى أنه مِن جانبه أنْجز كل النقاط المتعلقة بوقف النار ونشر الجيش في الجنوب وتطبيق الـ1701، وتفاهم عليها مع هوكشتاين «وننتظر منه أن يَتفاهم مع نتنياهو على ما أنْجزناه معاً»، وسط التعاطي مع هذا الموقف في جانب منه على أنه رمي لكرة العرقلة في ملعب تل أبيب.
– وكان ميقاتي أكد ايضاً أن الاتفاق الذي يُعمل عليه يقضي بفصل جبهة لبنان عن غزة، وأن «حزب الله» قد يكون تأخّر بالموافقة على هذا الفصل، ولذلك فإن أي حل سيستند إلى القرار 1701 لأن لا مجال لإصدار أي قرار جديد أو لتعديل القرار زيادة أو نقصاناً.
– التطورات الميدانية التي شهدت مزيداً من الغارات المتوحّشة في الجنوب والبقاع وصولاً إلى تكرار الاستهدافات على طريق عاريا – الكحالة (طريق بيروت – البقاع) وكان آخرها أمس لسيارة سقط فيها شخصان، تردّد أن أحدهما عضو في بلدية النبي شيت.
وفي وقت عادت الغارات على مدينة صور وقرى القضاء، أمس، فأحيت المَخاوف على تاريخ «ملكة البحار» ومخزونها التراثي من آثار وروائع، بقيت بعلبك بما تختزنه من كنوزٍ تاريخية لحضارات متعاقبة تحت النار، غداة مطالبة الجيش الإسرائيلي سكانها بوجوب إخلائها ومعها عين بورضاي ودورس، وهو ما تكرر أمس، تاركاً عشرات آلاف النازحين لمصيرٍ قاتم.
ولم تمرّ دعوة إسرائيل سكان مخيم الرشيدية في صور، الذي يضم نحو 27 ألف لاجئ فلسطيني، من دون إثارة مخاوف مما قد يكون يُدبّر له، بعدما لم تتوانَ تل أبيب عن استهداف قادة من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» في أكثر من مخيم.
وفي حين نشر الجيش الإسرائيلي جنوداً في نقاط مراقبة على امتداد الحدود لرصد المسيّرات والتحذير منها، لم تتوقف الاشتباكات في بلدة الخيام حيث تستمر محاولة التقدم من شرق البلدة إلى الداخل، وسط مناشدات لم تهدأ للسماح لـ«اليونيفيل» واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتحري عن مصير أكثر من 20 شخصاً تحت الانقاض في وطى الخيام، بينهم نساء وأطفال.
أفادت قناة «العربية»، أمس، بأن «حزب الله» عيّن رئيساً لوحدة الارتباط خلفاً لوفيق صفا الذي استهدف في 10 أكتوبر الماضي بغارة في قلب بيروت، وبقي مصيره غامضاً وسط ترجيحاتٍ بأنه تعرض لإصابة بليغة.