لبنان كأنه «عين واحدة» تذرف دَمْعاً و«دماً» على صور… سيدة البحار
– صور المدرجة على لائحة التراث العالمي تحوّلت مدينة مضرجة بالدم والدمار
– استبعاد إمكان حدوث اختراق دبلوماسي في السباعية الأخيرة قبل انتخابات 5 نوفمبر الأميركية
– ورقة حل «محدّثة» فرنسية
– أميركية قيد التداول مجدداً وميقاتي التقى ستارمر
– إسرائيل تمارس «الضغط التدميري» على بري لإمساكه من “اليد التي تؤلمه”
على وهج «اللعبِ على حَبْلَيْ» حربيْ غزة ولبنان من بنيامين نتنياهو، وإحياء التباين مع وزير دفاعه يواف غالانت وهذه المَرة حيال «البوصلة المفقودة» للاندفاعة العسكرية المتعدّدة الجبهة، جاءتْ «عاصفةُ الدمار» التي هبّتْ على مدينة صور أمس، مدجَّجةً بالأبعاد السياسية التي تَقاسمتْ، مع المعاني التاريخية لـ «الجريمة» بحقّ أكثر من 3 آلاف سنة حضارة وتراث، القراءاتِ في خلفية قرار تل أبيب بوضْع «لؤلؤة البحر» في فمِ التنين.
وفيما كانت العيونُ على اليوم الثاني من مفاوضات الدوحة في ما خص هدنة غزة وملحقاتها كما محادثات الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في تل أبيب حول جبهة لبنان، وسط تدقيقٍ في تقارير تحدّثت عن محاولة نتنياهو ترجمة الربْط الذي كان جرى الحديث عنه بين الجبهتين عبر طرْحه الإفراج عن كل الأسْرى لدى «حماس» شَرْطاً لوقف النار في «بلاد الأرز»، حَجَبَ غبارُ الغاراتِ الإسرائيلية على «ملكة البحار» صور التي عامتْ فوق دمار هائل في العديد من أشهر شوارعها والأكثر تألقاً في وجْهها السياحي الذي جَعَلَ منها «أميرة الشاطئ»، الوقائعَ الديبلوماسية المحكومة بالكثير من الدخان والمُناوراتِ والتي لم يكن ينقصها إلا معاودةُ تظهيرِ الاختلافات بين نتنياهو وغالانت، بإزاء أهداف «الحرب الرباعية الدفع» (في غزة ولبنان وإيران والضفة الغربية) والحاجة إلى «تحديثها» أم لا.
ومنذ أن «أطلّ» الناطقُ باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي ادرعي أمس، منذراً بوجوبِ إخلاء 4 شوارع في صور (هي دكتور علي الخليل، حيرام، محمد الزيات، ونبيه بري) داعياً سكانها للتّوجّه إلى شمال نهر الأولي، حتى بدا وكأن كل لبنان وبـ «عين واحدة» يذرف دمعةً على المدينة، المضرجة بدمها ودمارها، والمدرَجة على قائمة التراث العالمي في منظمة «يونيسكو» والتي حفرتْ اسمَها في الذاكرة والكتب كـ دُرة الحضارة الفينيقية والقلعة التي سقط على أبوابها وأبراجها العالية غزاةٌ ولم يقوَ عليها آخَرون إلا بعد حصارٍ… للتاريخ.
فحتى قبل أن تستعيد آلة التدمير الإسرائيلية استهدافاتها لـ «مدينة الأرجوان» وصَبْغِها بالأسود، أُطلقت نداءاتُ استغاثةٍ من رئيس بلديتها الذي حذّر «هم يضربون التاريخ وحضارة 4 آلاف سنة»، موضحاً أن شارع نبيه بري على الكورنيش البحري هو من الأهمّ في المدينة وفيه الفنادق والمطاعم وهو سياحي بحت ويمتدّ على نحو كيلومتر، وداعياً «الاونيسكو» لوقف العبث في التاريخ ومخالفة القوانين الدولية.
ومع بدء الطيران الحربي استهدافاته التي اشتملت على 7 غارات في نحو ساعة وبعضها بالتزامن – وسبقتْها غارة تحذيرية – تَكشّفتْ المشاهدُ المروعة، في الشوارع، حيث انهارت أبنية بكاملها تحت وطأة الضربات، وفي أحياء أصابها الدمار المرعب، فيما أظهرت أشرطة مصوّرة جرى تداوُلها حجم «الحمولة» التفجيرية خصوصاً على الكورنيش البحري في محيط الجامعة الإسلامية، ما عَكس «الإبادة» التي باتت صور تتعرّض لها عن سابق تصور وتصميم.
وفي حين ندّد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بـ «العدوان على صور، وهي حاضرة جبل عامل، ومدينة التاريخ العريق، بما تحويه من معالم أثرية، ومن تَعايُشِ إنساني بين الطوائف، ومن أهمية اقتصادية وتجارية وسياحية»، كان من الصعب فصْل إدراج المدينة على «لائحة» محو آثارها وتاريخها من إسرائيل عن كونها من أبرز مناطق نفوذ حركة «أمل» ورئيس البرلمان نبيه بري.
وثمة مَن تعاطى مع وَضْع صور (وكانت شهدت فجراً مجزرة في حي الرمل سقط فيها 7 ضحايا و17 جريحاً) «تحت مقصلة» الطيران الحربي على أنه في إطار إستراتيجية «الضغط التدميري» على بري الذي يتولّى التفاوضَ في ما خص وقف النار في لبنان مفوَّضاً من «حزب الله» وبوصفه «الأخ الأكبر»، وهو السياق نفسه الذي تُقرأ فيه الضربات المؤلمة المتواصلة على مدينة النبطية، وسط مخاوف من أن يؤدي الإمعانُ في استهداف صور إلى توسيع حزام النزوح من مدينةٍ شكّلت ملجأ للنازحين من قرى الحافة الأمامية، فإذ بهم مع أهْلها يُهَجّرون قسراً ويَتركون خلفهم مدينة يُخشى أن يكون الهدف إفراغُها من سكانها تمهيداً لـ مَسْح ما أمكن من حاضرها وماضيها.
وفيما جرى التعاطي مع هذا الأمر أيضاً على أنه في جانب منه محاولة لإيجاد تَماثُل مع تعميق «حزب الله» عملياته في شمال إسرائيل ومطالبته ليل الأحد بإخلاء مستوطنة كريات شمونة، فإن المسرحَ السياسي لـ «التهشيم» المُمَنْهَج لصور بدا موصولاً برغبةٍ في إمساك بري «من اليد التي تؤلمه» ربطاً بمآل مهمة هوكشتاين في بيروت الأسبوع الماضي وإمكان عودته إليها بحال أفضت محطته في تل أبيب إلى تقدُمٍ ما يقتضي أن يحمله إلى لبنان في ما خص تطبيق القرار 1701 الذي يصرّ رئيس البرلمان على أن يكون «بلا زيادة أو نقصان»، في حين يتمسّك نتنياهو بطروحاتٍ لضمان التنفيذ المستدام تشتمل على حرية الحركة الجوية في سماء لبنان، بالتوازي مع «إضافاتٍ» مقترَحة من بعض العواصم مثل الإشراف الأممي على الحدود البرية مع سورية وعلى منْع «حزب الله» من إعادة تكوين مخزونه العسكري، ناهيك عن «الامتداد السياسي» في أي اتفاقٍ على «اليوم التالي» لبنانياً لجهة إنهاء تمكين الحزب في مفاصل الدولة.
وكانت تقارير نقلتْ مساء الأحد أن بري أبلغ إلى القطريين والمصريين بموافقة «حزب الله» على فصل الجبهات وقبول القرار 1701 بشرط أن يكون جزءاً من سلة متكاملة «وبالتالي كان الملف اللبناني حاضراً في الجولة التفاوضية في الدوحة»، قبل أن ينفي رئيس البرلمان هذا الأمر معتبراً إياه «غير دقيق».
ورقة فرنسية مُحدّثة
وإذ استعيد بالتوازي مع وجود هوكشتاين في تل أبيب مضمون ورقة فرنسية للحلّ مع تحديثٍ لها، ويُعتقد أنها تحظى بموافقة أميركية وتقوم على هدنة 21 يوماً تَفتح الطريق لخطوات ممرْحَلة من وقف الأعمال العدائية والطلعات الجوية من الطرفين (إسرائيل وحزب الله)، وانسحاب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني وتعزيز انتشار الجيش اللبناني جنوباً بـ 8 آلاف جندي، وتشديد الرقابة على المعابر البرية والجوية والبحرية بهدف منْع تهريب الأسلحة، وتشكيل لجنة رقابة دولية (أميركية فرنسية – بريطانية – ألمانية) تشرف على آلية تنفيذ الاتفاق، وتُتوَّج بـ «الانتهاء من ترسيم الحدود البرية»، استوقف أوساطاً سياسية ما ذُكر عن عودة مرتقبة للموفد القطري أبوفهد جاسم إلى بيروت بعد غد، هو الذي ارتبط اسمه أيضاً بالأزمة الرئاسية التي تطفئ بعد يومين «الشمعة الثانية… فراغ».
لا اختراق دبلوماسياً
وفيما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يلتقي أمس، في لندن نظيره البريطاني كير ستارمر، اعتبرت الأوساط السياسية أن من المستبعد تماماً إحداث اختراقٍ دبلوماسي على جبهة لبنان في الأيام السبعة الأخيرة الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية، وسط اعتقادٍ أن نتنياهو لن يكون في وارد تسليف كامالا هاريس «نقاطاً» تعزز موقعها في السباق إلى البيت الأبيض هو الذي يريد فوز دونالد ترامب، ومن دون أن يكون في الإمكان تقديرُ «الخطوات التالية» من تل أبيب غداة تحديد الفائز في 5 نوفمبر، فهل يقودها «التجديدُ» للإدارة الديموقراطية إلى اقتناعٍ بوجوب «اختصار الطريق» وبدء إرساء قواعد «إخماد الحرائق» أم يدفعها انتخاب ترامب إلى إرجاء الحلّ و«تمديد النار» ليأتي إطفاؤها «على يد» الرئيس الجمهوري و«هديةَ» له بعد إطلاق يد نتنياهو أكثر.
وهذا ما يفسّر بحسب الأوساط نفسها اشتعال الميدان أكثر في لبنان، حيث توسّع إسرائيل استهدافاتها «المميتة»، حيث يرتفع تباعاً عدد الضحايا الذين يسقطون يومياً، في الوقت الذي سقط ليل الأحد في بلدة عين بعال 7 أشخاص وجُرح 24 بينهم ممرضة وثلاثة مسعفين في غارة على مبنى يعود للدفاع المدني التابع لجمعية كشافة الرسالة الإسلامية وجمعية الرسالة للإسعاف الصحي.
وفي حين مَضى الجيش الإسرائيلي في تدميرٍ زلزالي لأحياء في القرى الحدودية التي توغّل في أطرافها مثل عيترون والعديسة، برز تنفيذُ مسيّرة غارة جديدة استهدفت سيارة في منطقة عاريا – الكحالة الاتوستراد الدولي (بيروت – البقاع) ولم تتمكن من إصابتها ما تسبب بتضرر سيارات أخرى كانت مركونة على جانب الطريق وإفلات مواطنين من الموت.
في المقابل نفّذ «حزب الله» سلسلة عمليات أبرزها ضدّ شركة يوديفات للصناعات العسكرية جنوب شرق عكا بمسيرة انقضاضية وقصف العديد من المستوطنات.