شهر على غياب نصرالله: أين “الحزب” من الاحتواء؟
لم يعد مجال للشك في أن “حزب الله” يجهد لاستيعاب نتائج الضربات المتتالية الصاعقة التي حلّت به خلال الشهرين الماضيين، وتجلت ذروتها قبل شهر في اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله.
يقدم الحزب برهانا على نجاحه في ذلك، ميدان الحافة الأمامية حيث يثبت الجسم المقاوم للحزب أنه كان مستعدا تماما ليوم المنازلة المباشرة مع القوات الإسرائيلية، وقد أبلى باعتراف الإسرائيليين أنفسهم بلاء حسنا.
لكن واقع الحال لم يحل دون طرح السؤال عن أمرين متلازمين:
– ماذا عن مصير جثمان السيد نصرالله؟
– ماذا عن مستقبل الحزب نفسه ومكانته بلا المظلة القيادية الفذة التي أمنها نصرالله في إدارة دفة الحزب؟
ثمة من غير مريدي الحزب من يشهد له على ثلاث وقائع نجح في التعامل معها بعد الاغتيال المدوّي لسيده:
الواقعة الأولى أن الاغتيال وما تلاه وسبقه من ضربات، كان كفيلا بتقويض الحزب وإفقاده القدرة على التحكم والسيطرة والتدحرج نحو حال من الإرباك، لأن من نفذ تلك الضربات كان يخطط لبداية اجتثاث له.
الثانية، أن واقع الحال السياسي الصعب هذا الذي آل إليه الحزب فجأة، ينطبق أيضا على قوته المقاتلة. فهي بعدما فقدت رأسها فؤاد شكر، ما لبثت أن فقدت في غضون أيام نحو 20 من قادتها.
الثالثة، أن الواقع الصعب ينطبق أيضا على بيئة الحزب التي شكلت له دوما الحاضنة والرافدة. فبعد نحو يومين على اغتيال نصرالله، كانت تلك البيئة بقضها وقضيضها في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع تجد نفسها في حال تيه وتشتت، تضرب بحثا عن ملاذ آمن.
واللافت أن أعداء الحزب في الدخل والخارج استغلوا “بوادر السقوط” الذي رأوه حتميا للحزب، وخصوصا أن الإسرائيليين قد أفرطوا في “إذلال” الحزب عندما منعوه حتى من تأمين دفن لائق لجثمان سيده، وحالوا أيضا دون انتشال جثمان خليفته السيد هاشم صفي الدين بقي أكثر من عشرين يوما تحت الأنقاض، فيما كان آخرون يطلقون عجلة الحديث عن “لبنان والإقليم” بلا “حزب الله”.
وفي مجالسهم الضيقة، يقر بعض رموز الحزب بالحال الصعبة التي وجدوا أنفسهم منزاحين إليها فجأة، ويؤكدون أن “نجدات إلهية” هبطت عليهم من حيث لا يحتسبون وأمنت لهم أسباب استيعاب مفاعيل الهجمة الضارية عليهم وأنهت في وقت قياسي “فترة غيبوبتهم” ومدة احتجابهم القسري.
ويتحدث هؤلاء عن “معالم” تلك النجدة، وأبرزها:
– أن القيادة المتبقية في الحزب سارعت إلى تأمين مخبأ لجثمان نصرالله، وجلّ ما أفصحت عنه أنها أرجأت دفنه إلى زمن يكون في إمكانها إقامة مراسم تشييع تليق به. وبمعنى آخر، صنعت قيادة الحزب عملية “حضور” للقائد الميت المدفون وديعة في مكان ما سري، وكان ذلك عبر بث خطبه وإطلالاته الإعلامية.
ولم يجد الحزب صعوبة في هذا، فنظرية الاحتجاب أو الغياب متأصلة في العقل الجمعي الشيعي.
– الأمر الثاني تجلى في ما سرى عن أن القيادة الإيرانية لم تتخلّ عن الحزب، فسارعت إلى دعمه ورفده مؤمنة ظروف إسناده والحيلولة دون سقوطه.
أما العامل الأكبر الذي أنجد الحزب فتجسد في مقاومة مقاتليه على طول الحدود الجنوبية، وقد نجحوا في استعادة ما فقدوه عبر هزائم ونكسات عسكرية للقوات الإسرائيلية التي حاولت التقدم واحتلال الشريط الحدودي.
وفي كل الأحوال، يعتقد الحزب أن رهانه على جهازه المقاوم كان في محله، ولذا بات مطمئنا إلى أنه لن يعامل على طاولة التفاوض معاملة المهزوم.