هكذا سيتأثر اللبنانيون بإدراج لبنان على اللائحة الرمادية لـFATF

هكذا سيتأثر اللبنانيون بإدراج لبنان على اللائحة الرمادية لـFATF

الكاتب: عزة الحاج حسن | المصدر: المدن
27 تشرين الأول 2024
بعد سنوات من التحذيرات الدولية، أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على لائحتها الرمادية للدول الخاضعة لتدقيق خاص، وعليه بات البلد في عداد الدول المشكوك في قدرتها على الإمتثال لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الدولية. فماذا يعني ذلك؟ ما هي مخاطر إدراج لبنان على اللائحة الرمادية؟ وهل للقرار تأثير مباشر على اللبنانيين وتعاملاتهم؟

لم تُدرج مجموعة العمل المالي (FATF) لبنان على لائحتها الرمادية بين ليلة وضحاها، إنما أتى قرارها بعد تقييم دقيق مبني على المعلومات المقدمة من لبنان والتي حصلت عليها المجموعة خلال زيارة وفدها الميدانية الى لبنان بين 18 تموز و3 آب 2023. أما وأن انضم لبنان إلى اللائحة الرمادية للدول فذلك يعني أنه يعاني قصوراً واضحاً في عملية  الإمتثال لمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

ومنذ عام 2022 كان لبنان يواجه تحذيرات دولية لحثه على تنفيذ متطلبات ومعايير دولية لم يمتثل إليها. ومنذ ذاك الحين كان محسوماً إدراح لبنان على القائمة الرمادية، لاسيما أن السلطات اللبنانية لم تتعامل بجدية مع التهديدات والتحذيرات الدولية ولم تعالج التحديات المالية والاقتصادية بمهنية. وكما العادة حاولت السلطات اللبنانية أن تسترضي FATF، بل تتوسلها إمهال البلد بعض الوقت، ورغم ذلك أخفقت بالإمتثال إلى المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال رغم المهل.

تداعيات الإدراج
قد لا يشعر اللبنانيون اليوم بتداعيات إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لتعاظم الأزمة التي يواجهونها، ألا وهي جرائم الحرب والدمار والمخاطر الوجودية, فأولوياتهم اليوم تتمحور حول أمانهم وسلامتهم، لكن هذا لا يعني بأنه لن يكون هناك تأثيرات لإدراج لبنان على القائمة الرمادية بحسب ادعاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بل الواقع أن المواطن والقطاع المصرفي وعموم الدولة سيتأثرون بالقرار وسيقفون أمام تحدّيات كبيرة للخروج من تلك القائمة.

وبحسب المحامي المتخصص بقضايا المصارف التجارية والمركزية مهدي الحسيني تركّز معايير FATF على تحسين الشفافية المالية ومكافحة الجرائم المالية، حيث يتطلب الالتزام الكامل بتوصياتها، ويؤدي تصنيف الدولة على اللائحة الرمادية إلى تدابير تصحيحية قد تكون مكلفة وتتطلب إصلاحات هيكلية على المستوى التنظيمي والمالي.

ويوضح الحسيني في حديث إلى “المدن” بأن إدراج الدول على اللائحة الرمادية يؤدي إلى زيادة الأعباء على القطاع المصرفي المحلي، من خلال رفع متطلبات الامتثال، وتقليل العلاقات المصرفية الدولية، وتقييد المعاملات عبر الحدود. وتترتب على هذه التأثيرات بيئة مالية أكثر عزلة حيث ترتفع التكاليف التشغيلية، وتتعرض سمعة القطاع المصرفي لمزيد من المخاطر، مما يعوق النمو والاستقرار المالي.

من جهتها ترى الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك في حديث لـ”المدن” بان لا قيود مباشرة تفرضها عملية الإدراج ولكن هذا الامر يضع لبنان ضمن قائمة دول غير متعاونة وغير ملتزمة بمعايير وضوابط مكافحة تمويل الارهاب وتبييض الاموال وهذه المعايير تنسحب على عدة جوانب قضائية، تشريعية، مالية، مصرفية وغيرها، أما المعني بعملية الإدراج أساساً فهي السلطتين التشريعية والقضائية.

وتختلف نتائج إدراج لبنان على القائمة الرمادية بين مصارف مراسلة واخرى وبين دول وأخرى بحسب مدى تشدد كل طرف في تطبيق المعايير الدولية؛ بمعنى آخر، سيصبح لبنان رهينة مَن يتعامل معه ومدى تشدده من دون الوصول الى مرحلة قطع العلاقات لأننا لا زلنا على اللائحة الرمادية، تقول الكيك.

كما أن إدراج لبنان سيستلزم من المؤسسات الدولية الحذر في التعامل مع لبنان وبالتالي الفرض على التعاملات مستندات وبيانات تثبت شفافية اكبر وسيكون لبنان مضطراً على الدوام لإثبات براءته من جريمة تمويل الارهاب وتبييض الاموال، توضح الكيك. وهذا الوضع المستجد سيؤثر بشكل أو بآخر على آليات الإستيراد والتصدير وعلى التحويلات المالية لجهة الوقت والترتيبات خاصة في القطاع المصرفي.

التداعيات على المواطن
أما لجهة التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية على المواطن اللبناني، وهو ما يشغل اللبنانيين اليوم، يرى الحسيني بأن التاثير سيتجلى في عدة نقاط منها زيادة تكاليف الخدمات المصرفية، تراجع التحويلات المالية وتحديات الوصول إلى العملات الأجنبية، انخفاض تدفقات رأس المال وتأثيرها على الاقتصاد المحلي، تراجع الدعم الدولي وتزايد الضغوط على الخدمات العامة، تشديد التدقيق على التحويلات المالية الدولية وارتفاع نسبة الإقصاء المالي.

وتفيد معلومات “المدن” بأن معظم المصارف الأميركية المراسلة ستبقي على التعامل مع المصارف اللبنانية، لكن هناك تحد حقيقي باستمرار التعامل مع المصارف الأوروبية، وهذا الأمر يعود لمدى تشدّد كل مصرف بتطبيق المعايير الدولية والحذر من الدول ذات الشبهات حول تبييض الأموال وتمويل الإرهاب كلبنان.

كما أنه من المرجح أن يؤدي إدراج لبنان على القائمة الرمادية إلى إبعاد الاستثمار عنه بشكل أكبر وقد يؤثر ذلك على العلاقة بين المصارف اللبنانية والنظام المالي العالمي.

تصحيح الوضع القائم!
وإذ أوضحت FATF في تقريرها بأن لبنان أحرز تقدما في العديد من الإجراءات الموصى بها وسيستمر في تنفيذ الإصلاحات، يرى البعض بأن عملية الإدراج قد تكون فرصة جيدة للضغط وبدء العمل الفعلي والجدي للحكومة اللبنانية للقيام بالإصلاحات المصرفية والاقتصادية المطلوبة، بالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها اليوم من جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان.
ويوضح الحسيني بان إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعني أنه بات ملزماً باتخاذ إجراءات تصحيحية لتحسين الامتثال بالمعايير الدولية، خصوصاً فيما يتعلق بالقطاعات المالية غير المنظمة والجماعات المسلحة المحلية. يشمل ذلك تحسين الرقابة التنظيمية، تعزيز التعاون الدولي، وملاحقة الجرائم المالية بشكل أكثر فعالية. كما تستلزم عملية الإدراج تطوير القوانين وتطبيقها بفعالية، وتعزيز قدرات هيئة التحقيق الخاصة، وتطبيق نهج قائم على المخاطر في مهن محددة مثل المحامين والمحاسبين. ويلفت إلى أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب إظهار قدرة الأجهزة المعنية على تحقيق النتائج المطلوبة من خلال التنفيذ الفعلي والحقيقي للتوصيات. ويتوقع الحسيني أن إعادة تصنيف لبنان على اللائحة البيضاء، يتطلب ما يقارب الخمس السنوات تقريباً، أو أحتمال إدراج لبنان على اللائحة السوداء في حال استمرار الإنحدار الذي نشهده اليوم.

من جهتها تلتقي سابين مع الحسيني لجهة ضرورة تصحيح الوضع على كافة المستويات “إذ لا يمكن ان نقارن بين إدراج لبنان على اللائحة الرمادية مع دبي او موناكو على سبيل المثال  فالحالتين مختلفتين” بمعنى أن هناك العديد من الدول على اللائحة الرمادية لكن التعاطي مع كل دولة مختلف عن الآخر بحسب مستوى الثقة وبحسب القطاع المالي والثقة بالقضاء والسلطة التشريعية وغير ذلك.

وتشير الكيك إلى أن لبنان لديه العديد من عوامل “سوء السمعة” الى جانب تخلّفه عن الوفاء بالتزاماته والفراغ السياسي والقضائي وشيوع اقتصاد الكاش والإنهيار المصرفي وفقدانه الثقة وانحدار مستوى الثقة بالقطاع العام والدولة ووجود أحزاب سياسية مدرجة على قوائم الإرهاب. وتضيف الكيك بأن كل المعايير التي تدفعنا الى اللائحة الرمادية مجتمعة في لبنان من هنا لا يمكن المقارنة مع دبي أو موناكو ولا اي بلد آخر.

في المقابل نرى المصرف المركزي يطمئن بأن لا قطع للمراسلات مع الخارج لكنه يتجاهل عمق الأزمات التي تحول دون مراعاة لبنان من قبل مجموعة العمل المالي على غرار بعض الدول التي تتمتع بسمعة جيدة، كما يتجاهل مسألة الفراغ الدستوري الذي يعاني منه البلد والذي يجعل من الصعب الخروج قريباً من اللائحة الرمادية.

باختصار يشكّل إدراج لبنان على اللائحة الرمادية تحدياً متزايداً بسبب سمعة مؤسساته السيئة وضعف بنيته التنظيمية والرقابة المالية، ما يعيق تنفيذه الإصلاحات المطلوبة بشكل فعلي يتلاءم مع الواقع.