ضربة ايران وحركة هوكشتاين… إضعاف المحور بالنار أو بالتفاوض

ضربة ايران وحركة هوكشتاين… إضعاف المحور بالنار أو بالتفاوض

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
27 تشرين الأول 2024
كلام كثير يمكن أن يقال حول الضربة الإسرائيلية لإيران. هي حتماً لم تكن على قدر التوقعات والتهديدات والادعاءات الإسرائيلية بأنها ضربة قوية وقاتلة وتكاد تكون الضربة الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية. والأكيد أنها جاءت منسّقة بهندسة أميركية وتواصل مباشر، وغير مباشر، خاضته واشنطن بهدف منع اندلاع حرب إقليمية. بدت الإدارة الأميركية مزهوة في استجابة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمطالبها وضوابطها، وسرّب الأميركيون أنها المرّة الأولى التي يستجيب فيها نتنياهو لضغوط أميركية منذ 7 تشرين الأول 2023. حجم الضربة لا يتلاقى مع ما حشدته واشنطن من طائرات حربية وأنظمة دفاعية صاروخية إلى إسرائيل، إلا إذ كان للضربة تتمات لاحقة.
الضغوط الأميركية على إيران
ما هو مؤكد أن العملية كانت نتاج عملية تفاوضية واسعة ومكثفة خاضتها الولايات المتحدة الأميركية، لضبطها وتخفيفها وعدم اتساع الحرب. ولكن في المقابل مارست واشنطن ضغوطاً كثيفة على طهران، أولاً لعدم الردّ، وثانياً، سعياً وراء الوصول إلى اتفاقات توقف الحرب المندلعة في الإقليم ولا سيما في غزّة ولبنان.
ما تريده الولايات المتحدة الأميركية، هو تفعيل الضغوط على إيران للوصول إلى اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار واستغلال الأيام القليلة المتبقية عن الانتخابات الأميركية لتحقيق ذلك، وإطلاق سراح الرهائن من خلال ضغط إيراني على حماس، بالإضافة إلى الضغط على حزب الله لدفعه إلى القبول بالشروط المفروضة دولياً. إنها مرحلة جديدة تريد واشنطن استغلالها للضغط على إيران ووقف دعمها العسكري لحلفائها في المنطقة بما يهدد أمن إسرائيل.
“تطبيق الـ1701″؟
جزء من الوعود الأميركية نقلت إلى الإسرائيليين في معرض السعي إلى تخفيف ضربتهم وجعلها مضبوطة، ما سيجعل تل أبيب في حالة انتظار لما ستكون عليه ردة الفعل الإيرانية ومواقف حلفاء إيران. وعلى هذا الأساس تتحرك المفاوضات مجدداً بقيادة أميركية في الدوحة حول غزة، وفي إسرائيل حول لبنان من خلال الزيارة التي يقوم بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين الأحد. وفي حال حقق خروقات ونتائج إيجابية يمكن أن يتوجه إلى لبنان لإتمام الاتفاق. شروط هوكشتاين واضحة ومعروفة، ورئيس مجلس النواب نبيه بري يقول إنه اتفق معه على تطبيق القرار 1701 كاملاً، فيما يتحدث الأميركيون عن إيجاد “مراسيم تطبيقية” توضح آلية تنفيذ هذا القرار بمعنى تجنّب الاتجاه نحو تعديل القرار أو إصدار قرار جديد في مجلس الأمن الدولي لتعذّر ذلك بسبب الفيتو الروسي والصيني، وكي لا تكون واشنطن مضطرة للتفاوض مع روسيا والصين في هذه المرحلة. جزء من المراسيم التطبيقية تشتمل على شروط إسرائيلية قاسية، خصوصاً أن نتنياهو قال قبل الضربة على إيران إنه واهم من يعتقد بوقف إطلاق النار، وشدد على “تحرير” لبنان من نفوذ إيران وحزب الله.

ترجمة الميدان

ستتركز المفاوضات الأميركية والإسرائيلية على مسألة ضمان أمن إسرائيل بسحب سلاح حزب الله وسيكون لذلك صيغ كلامية متعددة، كاستخدام مصطلح انسحاب الحزب إلى شمال نهر الليطاني، أو حصر السلاح بيد الدولة، وصيغ أخرى. يريد الإسرائيليون استغلال الضغط الأميركي لتحقيق أهدافهم بالسياسة في حال لم يتم تحقيقها عسكرياً، خصوصاً أن حزب الله يواصل القتال بشراسة، ويعتبر إلى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن صمود المقاتلين في الجنوب وإلحاق خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين هو أبرز أوراق القوة التي يستخدمها لبنان في مفاوضاته، وستدفع هوكشتاين لإقناع الإسرائيليين بالتخلي عن مواصلة العملية البرّية.
جزء من هذه المفاوضات لا بد أن تحصل مع إيران، والتي تسعى إسرائيل إلى تطويقها في لبنان وسوريا، مع الوصول إلى استهداف الأراضي الإيرانية حتى وإن كانت الضربة محدودة ومدروسة ومضبوطة ومنسّقة. فالإسرائيليون سيتفاوضون من هذا المنطق، خصوصاً أن أهم ما قيل في بيان الجيش الإسرائيلي هو الحديث عن القدرة على التحرك في أجواء إيران، وبمعنى أوضح أن الإسرائيليين يريدون القول إن كل عناصر الردع الإيرانية غير فعالة، وأن تل أبيب قادرة على التحرك بأريحية لاحقاً في حال كان هناك بنك أهداف مختلف داخل طهران وفي حال فشلت المفاوضات.
بين هاريس وترامب
عملياً لا بد من انتظار الجولة التفاوضية الجديدة، ومعرفة الشروط الإسرائيلية وكيفية التعاطي معها أميركياً وإيرانياً. واشنطن وطهران تستعجلان الوصول إلى اتفاق وإلى وقف لإطلاق النار. بخلاف نتنياهو الذي لا يريد إعطاء أي تنازل أو ورقة قبل الانتخابات الأميركية، ففي حال فاز ترامب يعتبر نتنياهو أنه ربح فترة أطول في مواصلة الحرب وتصعيدها، أما في حال فوز كامالا هاريس فإنه حينها سيصعد لفرض واقع عسكري معين يفاوض بناء عليه في حال مارست هاريس ضغوطاً كبيرة عليه لوقف الحرب.
تسعى إيران للوصول إلى تفاهم لأنها تقف أمام تحد أساسي وهو كيفية ضمان أمنها على المدى الطويل وخصوصاً في حال فاز دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية ومواصلة نتنياهو لحربه المستعرة. لطالما اعتبرت طهران أن حلفاءها في المنطقة هم عناصر قوتها وردعها، في مقابل تركيز إسرائيل على ضرب الحلفاء وإضعافهم، وصولاً إلى توجيه الضربات في قلب طهران. من هنا فإن المفاوضات ستتركز على جانب علاقة إيران بحلفائها وكيفية تقليم الأظافر وتقويض النفوذ الإيراني. وهو ما يريد الإسرائيليون مواصلته في لبنان ويمارسونه في سوريا من خلال بعض عمليات التوغل ومن خلال الضغط على دمشق وقطع طرق الإمداد.
قوات “لصناعة السلام”
في موازاة التحرك الأميركي، تتحرك جهات غربية عديدة على خط نقل الرسائل إلى إيران وممارسة الضغوط، بالإضافة إلى النقاش في أفكار متعددة حول صيغ الخروج من هذه الحرب ووضع مسار اليوم التالي. معلوم أن المساعي الأميركية والغربية تغيير الوقائع السياسية والعسكرية في لبنان، وهو ما يجري التفاوض حوله مع إيران، بينما إسرائيل تواصل تكثيف عملياتها العسكرية وغاراتها كنوع من السعي لتحسين شروط حلفائها التفاوضية. أفكار كثيرة تطرحها دول عديدة في استعادة لتجربة المفاوضات في العام 2006، هناك اقتراح يتعلّق بإدخال قوات متعددة الجنسيات لضبط الأمن والاستقرار في الجنوب، فيما إسرائيل تطالب بحرية الحركة العسكرية والأمنية لحماية أمنها ولضمان عدم عودة حزب الله إلى جنوب الليطاني بسلاحه، مع اعتماد صيغة أو مصطلح جديد وهو إدخال قوات لصناعة السلام وليس لحفظ السلام، وهذا أمر مرفوض لبنانياً كما أن دول كثيرة ترفض إرسال جنود لها إلى لبنان.
على وقع كل هذه التطورات، وبانتظار مسار المفاوضات السياسية والعمليات العسكرية، وبما أن الضربة الإسرائيلية كانت “مدوزنة”، يبرز في لبنان مسار سياسي مختلف، من خلال مطالبة إيران بعدم “القتال” بلبنان وإنطلاقاً من الجنوب، كما بعدم التفاوض باسم لبنان، على غرار اعتراض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على تصريحات رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف. يذكر، في السياق، أن الإيرانيين أبدوا استعدادهم للتفاوض مع الفرنسيين حول سبل تطبيق القرار 1701 ونشر الجيش في الجنوب، وهو ما أثار حفيظة اللبنانيين، ولكن عملياً فإن الموقف الإيراني ينطوي على قناعة أساسية لدى طهران بأن الواقع الذي كان قائماً سابقاً لا يمكن العودة إليه، ولذلك هي تريد التفاوض على تطبيق القرار الدولي، وربما تكون الضربة الإسرائيلية “المدوزنة” أميركياً على إيران فرصة للتفاوض الأميركي الإيراني حول الوضعية اللبنانية الجديدة والتي تريد واشنطن تغيير توازناتها ووقائعها، بما يتلاءم مع المصلحة الإسرائيلية أو أن الحرب ستطول وتستمر. في هذا السياق، يبرز في لبنان أيضاً المزيد من إشارات الاعتراض على طريقة التعاطي الإيرانية وآخرها تصريح رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي قال إنه حان لإيران أن تقيم اعتباراً للدولة في لبنان ووحدها الدولة تملك حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم، كما أن جنبلاط رفض تحديد موعد لاستقبال القائم بالأعمال الإيراني الجديد محمد رضا شيباني والذي تم تعيينه مؤخراً إثر زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى لبنان بصفته مستشار الوزير لشؤون الشرق الأوسط وغرب آسيا.