لهذه الأسباب ترفض إسرائيل وقف الحرب على الرغم من “إيجابيّة” لبنان!
لم يُعرف عن الرئيس نجيب ميقاتي بأنّه يُقدّم المبادئ السامية على مصالحه السياسية ولا الدستور على قدراته، ولا الشجاعة على سلامته، ولكن، في المقابل، عُرف عنه أنّه مجتهد جداً ويعرف من أين تؤكل الكتف وضليع في قراءة الواقع بدقة وحذر!
كان لا بد من هذه القراءة السريعة لشخصية رئيس حكومة تصريف الأعمال الذي يقوم حالياً بمهام رئيس الجمهورية، لمعرفة وضعية “حزب الله” الراهنة في صناعة القرار اللبناني، لأنّ ميقاتي يتحرك، في هذه الأيّام ويتعهّد ويتصرّف، بتنسيق كامل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كلّفه “حزب الله”، علناً، بأن يتفاوض مع الوسطاء الدوليين حول وقف إطلاق نار “فوري”!
بمراجعة مواقف ميقاتي، بعد إسقاط المكمّلات الدبلوماسية عنها، يتضح الآتي: لبنان مستعد لوقف إطلاق النار على أساس مبادئ المجتمع الدولي، أي حصر الصلاحيات العسكرية والأمنية والتسليحية في جنوب نهر الليطاني بالجيش اللبناني المعزز وبالتعاون مع “اليونيفيل” بعد إدخال تعديلات على صلاحياتها التنفيذية. كما أنّ لبنان موافق على تنفيذ القرار 1559 الخاص بنزع سلاح “حزب الله” ولكن تحت مسمّى آخر، وهو تنفيذ “وثيقة الوفاق الوطني” التي تحصر السلاح بيد القوات المسلحة اللبنانية، بكل تفرّعاتها القانونية، وذلك على قاعدة التوافق على استراتيجية دفاعية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ماذا يعني ذلك؟
يعني أنّ السلطات الدستورية في لبنان، وافقت على النقاش التفصيلي، بشروط المرحلة المقبلة “تحت النار”، الأمر الذي يؤشّر إلى هشاشة غير مسبوقة في وضعية “حزب الله” الذي كان، منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 حتى اغتيال أمينه العام حسن نصرالله، يرفض كل بحث بمستقبل لبنان والجنوب، قبل وقف إطلاق النار ليس في لبنان فحسب بل في غزة أيضاً!
حالياً، انتقل لبنان مع نجيب ميقاتي من وضعية ذاك القائل “ليس أمامنا سوى الصمت والصبر والصلاة” إلى وضعية المسهب بالكلام عن الحاضر والغد، من دون أن ننسى أنّه تجرّأ، للمرة الأولى، على “تخشين” صوته في وجه التدخل الإيراني “الثابت” في القرار اللبناني.
والوقوف في وجه إيران، بهذه العلنية، ليست مسـألة تفصيلية، إذ إنّ “حزب الله” يجهد على النأي بالجمهورية الإسلامية التي ترعاه رعاية شاملة، ويحرص على “حماية سمعتها” وإبعادها عن ” النقاشات اللبنانية”. وسبق أن قال زعيم دروز لبنان وليد جنبلاط إنّ “ضبط العلاقة بينه وبين حزب الله” كان شرطه إيران. روى أنّه، في فترة سابقة، زاره وفد من “حزب الله” لإصلاح العلاقة بينهما. في النقاشات، قال حسين خليل، المعاون السياسي للأمين العام لـ”حزب الله” لجنبلاط: “يا بيك، يمكنك أن تهاجم حزبنا. خذ حريتك في ذلك، لكن في المقابل، لا بدّ من أن تسكت عن إيران”.
ولكن، أمام هذه الوضعية التي بات يعرفها بالتفاصيل الدقيقة كل من الأميركي والفرنسي والبريطاني، لماذا لا تتضاعف الضغوط على إسرائيل لتوقف إطلاق النار على لبنان، طالما أنّها حصلت على مبتغاها، إذ إنّ ما وافق عليه لبنان من شأنه أن يوفر عودة آمنة لسكان شمال إسرائيل إلى منازلهم، أي تحقيق هدف شنّ الحرب الواسعة على “حزب الله”؟
“لأنّ حزب الله لم يعلن الخسارة بعد، ويراهن على ما لا يزال يملكه من قوة ميدانية وصاروخية وجوية، من أجل تحصين مستقبله، وإبقاء لبنان، في الموقع الذي تريده إيران، حتى تاريخه، كعمق إستراتيجي لها”، يجيب مصدر دبلوماسي أوروبي!
وفق هذا المصدر، تشترط إسرائيل لوقف إطلاق النار، تعديلات بسيطة، ولكن جوهرية على القرار 1701، كما تطالب بقرار ملحق بهذا القرار يوضح المسؤوليات التنفيذية في جنوب نهر الليطاني، سواء في ما يتعلق بمهام الجيش اللبناني أو اليونيفيل، وتريد أن ترى آلية لتنفيذ القرار 1680 الخاص بالحركة على الحدود اللبنانية- السورية، من حيث يتزوّد “حزب الله” بأهم ما في ترسانته العسكرية.
ويشير هذا المصدر الى أنّ إسرائيل في توجهها هذا تجد دعماً كبيراً من الطرف الوحيد الذي يمكن أن يمون عليها بموضوع الحرب، أي الولايات المتحدة الأميركية التي أبلغت هذا المطلب، كما لو كان مطلبها هي، عبر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى اللبنانيين.
ما المطلوب تفصيليّاً، بخصوص القرار 1701؟
يفيد هذا المصدر الدبلوماسي بأنّ القرار يتضمن ثغرة نجح “حزب الله” في استغلالها لتغطية نشاطه العسكري في الجنوب اللبناني كما لتعزيز ترسانته الحربية على امتداد لبنان.
وهذه الثغرة تكمن في أنّ القرار 1701، وإن كان يحصر الوجود العسكري في جنوب نهر الليطاني وتمرير السلاح عبر الحدود، بالقوات المسلحة اللبنانية واليونيفيل، إلّا أنه في المقابل يعطي هذا الحق لأي طرف توافق عليه الحكومة اللبنانية.
ويشرح المصدر أنّ “حزب الله” سخّر قوته السياسية في اتجاه جعل نفسه “الطرف الذي توافق الحكومة اللبنانية” على وجوده جنوب نهر الليطاني والتزوّد بما يريده من أسلحة.
وعليه، فإنّ إسرائيل التي لا بدّ من أن تغادر الأراضي اللبنانية وتمتنع عن التدخل في شؤونه الداخلية، لا تثق بثبات موقف لبنان الذي يعبّر عنه حالياً ميقاتي، بل تريد أن تضمن ذلك، بطريقة لا تحتمل أي أنواع من اللبس، بحيث تعجز الحكومات اللبنانية المقبلة، مهما كان تكوينها، عن السماح لـ”حزب الله” بالتفلّت من التنفيذ الصارم للقرار 1701، الأمر الذي يُعطيها، في حال العكس، شرعية التدخل المباشر للقيام بما يمكن أن يغضّ الطرف عنه الجيش اللبناني واليونيفيل!
حتى تاريخه، وفي ظل الموقف الإيراني من جهة ووضعية “حزب الله” الميدانية والصاروخية والجوية من جهة أخرى لا يستطيع لبنان الرسمي أن يوافق على سد هذه الثغرات، ولذلك فالحرب مستمرة إلى حين تسليم “حزب الله” بالمطلوب أو اضطرار إسرائيل على الموافقة على ما هو معروض عليها!