“عودة” يبيع ذراعه التركيّة: ماذا سيجني المودع في لبنان؟

“عودة” يبيع ذراعه التركيّة: ماذا سيجني المودع في لبنان؟

الكاتب: علي نور الدين | المصدر: المدن
26 تشرين الأول 2024
بمجرّد صدور الموافقة الرسميّة من المصرف المركزي التركي، سيتّجه بنك عودة إلى تنفيذ صفقة بيع المصرف المملوك منه في تركيا، أوديا بنك، لمصلحة شركة “القابضة” ADQ الإماراتيّة (من أبرز صناديق الثروة السياديّة المملوكة من إمارة أبوظبي). تلك الصفقة، قد تبدو لكثيرين مجرّد حلقة أخرى في مسلسل تخارج المصارف اللبنانيّة من فروعها الخارجيّة، بعدما باتت هذه الفروع –أو المصارف الشقيقة- مصدرًا لقلق المصارف المركزيّة الأجنبيّة، وبعدما صار بيعها ضرورةً لرفد المصارف اللبنانيّة بالسيولة. بنك عودة بالذات، كان قد باع أصوله في الأردن لكابيتال بنك الأردني، وفي العراق للمصرف الأهلي العراقي، وفي مصر لبنك أبوظبي الأوّل.

ومع ذلك، ثمّة خصوصيّة لا يمكن تجاهلها، لهذه المحطّة التي ستبتر ذراع بنك عودة التركيّة، ليختتم المصرف اللبناني مغامرة عمرها 12 سنة. كان أوديا بنك درّة تاج امبراطوريّة بنك عودة في الخارج، وحكاية راهن عليها المصرف ليجني ثمار توسّعه في أكبر اقتصادات الشرق الأوسط. غير أنّ أوديا، الذي كان يربح كوحدة مستقلّة في عمليّاته داخل السوق التركيّة، كان في الوقت نفسه مصدرًا لخسائر المصرف الأم في لبنان. فكيف أنتجت الحكاية فرعًا رابحًا وتجربةً خاسرة في الوقت عينه؟ وما علاقة هذه التجربة المتعثّرة بانطلاقة الهندسات الماليّة في لبنان؟ والأهم، ماذا سيجني المودعون في بنك عودة من صفقة البيع الراهنة؟

بدايات الرهان على أوديا
تعود حكاية أوديا بنك للعام 2012، في عزّ حقبة توسّع المصارف اللبنانيّة في الخارج، بحثًا عن فرص توظيف أرباحها من فروعها في لبنان. كانت خيارات المصارف اللبنانيّة تتركّز في العادة بنوع محدّد من الفرص: في الأسواق الناشئة أو النامية، ذات الاقتصادات والظروف السياسيّة المستقرّة.

ومن المعلوم أن بعض المصارف اللبنانيّة عملت على استحداث كيانات تابعة لها في دول أوروبيّة عدّة، أو في الخليج، لكنّها تصرّفت مع هذه الكيانات كمؤسسات تمثّلها في الخارج أمام الجاليات اللبنانيّة، ولم تحاول مصارف لبنان منافسة المصارف الغربيّة أو الخليجيّة جديًا هناك. أمّا الرهانات التوسعيّة والجديّة الكبرى، فظلّت محصورة بدول المنطقة المجاورة، مثل العراق والأردن ومصر وقبرص، ومن قبلها طبعًا سوريا (قبل العام 2011). هناك، تنافست فروع المصارف اللبنانيّة، ونافست بدورها فروع المصارف الإقليميّة الأخرى.

باستثناء مساهمة “بنك ميد” في مصرف “تي. بنك” التركي، فضلًا عن مغامرة بنك عودة، موضوع حديثنا، يصعب العثور على رهانات مصرفيّة لبنانيّة جديّة في السوق التركيّة. بهذا المعنى، انفرد بنك عودة عام 2012 بخطوة نافرة عن سياق توسّع المصارف اللبنانيّة في الخارج، عندما وضع نصب عينيه التوسّع في تركيا، وبكيان يحاول جديًا اختراق السوق المحليّة ومنافسة كبار اللاعبين فيها. ولهذا السبب، كان من شأن تلك المحاولة –إن نجحت- أن تقفز ببنك عودة خطوات إلى الأمام، مقارنة بمنافسيه المحليين في لبنان. أو كان بإمكانها –على العكس تمامًا- أن تحمّل المصرف أثقالًا في السباق مع اللاعبين اللبنانيين الآخرين.

الفرع يربح والمؤسسة الأم تخسر!
ما حدث كان لافتًا للانتباه. إذ منذ لحظة تأسيسه، توسّع أوديا بنك بالفعل، ليتجاوز نطاق عمله الـ41 فرعًا، في 15 مدينة تركيّة، وبكادر بشري يتجاوز حجمه 1,300 موظّف. ومع الوقت، نما المصرف ونمت موجوداته، وبات مؤسسة مربحة، حتّى بات بنك عودة يملك المصرف الـ13 من حيث الحجم، في أحد أكبر اقتصادات الشرق الأوسط النامية. للمراقبين، ومن حيث الشكل، كان ثمّة ما يشير إلى أنّ بنك عودة قام بالرهان الصائب، حين انفرد -وبخلاف سائر المصارف اللبنانيّة- في التوسّع والاستثمار في ذلك السوق.

لكنّ نجاح أوديا بنك داخل تركيا، لم يكن قصّة سعيدة لبنك عودة نفسه، المؤسسة الأم. فالكيان التركي التابع كان يسجّل أرباحًا سنويّة بالفعل، بعد أن سجّل بعض الخسائر المحدودة عند إطلاقه، وكان يكبر من حيث حجم الودائع والقروض. لكنّ حصّة بنك عودة في المصرف التركي، أي قيمة الاستثمار نفسه، كانت تتهاوى عبر مرّ السنوات. في مطلع العام 2012، كان سعر صرف الدولار الأميركي يوازي 1.82 ليرات تركيّة، قبل أن تتهاوى قيمة الليرة التركيّة، وتتهاوى معها قيمة أسهم أوديا بنك، ليوازي سعر صرف الدولار اليوم 34.27 ليرة تركيّة.

هكذا، كان الكيان التركي يربح، واستثمار المؤسسة الأم –المقوّم بالليرة التركيّة- يخسر. وبينما كان حجم أعمال الكيان التركي يتضخّم، كان بنك عودة يضطر لضخ المزيد من الرساميل لزيادة الرأسمال، الآخذ بالتضاؤل بسبب تدهور سعر الصرف. وكان بنك عودة يضطرّ لاستقدام شركاء ومستثمرين جدد، يقاسمونه ملكيّة الكيان التركي، للتمكّن من إعادة رسملته على مدى السنوات الماضية. ومن هؤلاء مثلًا مؤسسة التمويل الدوليّة والبنك الأوروبي للتعمير وغيرهم من المستثمرين الدوليين.

في واقع الأمر، حين افتتح مصرف لبنان هندساته الماليّة للمرّة الأولى بين عامي 2015 و2016، كانت البداية أولًا من مصرفي ميد وعودة. وكانت الغاية المعلنة التعويض لبنك ميد عن بعض الخسائر التي مُني بها، جرّاء تعثّر بعض القروض التي منحها لسعد الحريري، في مقابل التعويض لبنك عودة بعض الخسائر الناتجة عن مغامراته في تركيا. وشاءت الأقدار يومها أن يكون جزءًا من أسباب تعثّر الحريري أيضًا مرتبطًا بمغامراته الاستثماريّة في تركيا، والتي ارتبطت بدورها بتأثير تقلّب سعر صرف الليرة التركيّة على قيمة استثماراته هناك.

ماذا سيجني المودعون في بنك عودة؟
سيحصّل بنك عودة من هذه الصفقة ما يقارب 200 مليون دولار أميركي، بعدما تمكّن الطرف الإماراتي من فرض شروطه خلال التفاوض. ومن المهم الإشارة إلى أنّ المصرف المركزي التركي رفض سابقًا الموافقة على بيع أوديا بنك لمصارف تركيّة محليّة، خشية تخفيض حصّة الاستثمار الأجنبي في القطاع المصرفي، وهو ما فرض على بنك عودة حصر خياراته بصفقة بشروط أصعب مع أطراف أجنبيّة.

في مقابل هذا المبلغ، يمكن التذكير بأنّ قيمة الودائع المتبقية حتّى اللحظة في بنك عودة تتجاوز 12.38 مليار دولار، وهو ما يعني أنّ السيولة التي سيجنيها المصرف لن توازي أكثر من 1.6% من قيمة الإلتزامات المتوجّبة لصالح المودعين. وبهذا المعنى، من الصعب تخايل تأثير جدّي لهذه الصفقة على حجم الخسائر الإجماليّة التي يعاني منها المصرف، كحال المصارف الأخرى، جرّاء توظيفاته في مصرف لبنان. ومن غير المنطقي طبعًا توقّع تغيّر كبير في ملاءة المصرف، التي تعبّر في العادة عن الفارق بين إلتزامات المصرف الإجماليّة وما تبقّى من موجودات فيه.

لكن في المقابل، سيكون من المتوقّع أن تساهم الصفقة في تعويم سيولة المصرف على المدى القصير، المتمثّلة في حجم سيولته المتوفّرة في الخارج، لدى المصارف المراسلة. وهذه السيولة ستسهم طبعاً في ضمان الالتزام بتعاميم السحوبات الصادرة عن مصرف لبنان، التي تحمّل المصارف نصف كلفة هذه السحوبات بالدولار النقدي، مقابل تحمّل مصرف لبنان –من احتياطاته- النصف الآخر. وبهذا الشكل، سيكون صغار المودعين، الأكثر استفادةً من هذه التعاميم، وهم المستفيدون من توفّر هذه السيولة. كما ستساعد الصفقة في تكوين الاحتياطات السائلة التي يشترط مصرف لبنان توفّرها لدى المصارف، للتعامل مع هذه السحوبات.