خاص – هل تكتفي إسرائيل بردّ وحيد على إيران؟
يظهر أنّ إسرائيل تنتهج في حربها على غزّة، فلبنان وإيران، سياسة التصعيد المتدحرج. هكذا فعلت في القطاع، عندما بدأت الهجوم من الشمال، ثمّ إلى الوسط، ولم ترتدع عن مهاجمة رفح، حيث اعتمدت استراتيجية الدخول التدريجيّ إلى مربّعات محدّدة، مراعاة للتمنّي الأميركي بتخفيف الخسائر في صفوف المدنيّين. وفي لبنان، ظلّت الحرب مقتصرة على المناوشات الحدوديّة، إلى أن قرّرت إسرائيل توسيع دائرة التصعيد منذ 17 أيلول، مع تفجير أجهزة البايجر، ثمّ استكمال سياسة تصفية القيادة في “حزب الله”، وصولاً إلى اغتيال حسن نصر الله، وتباعاً شنّ الغارات المدمّرة على الجنوب والبقاع والضاحية، والدخول البرّي إلى القرى الحدوديّة وتهجير أهلها.
أمّا بالنسبة إلى إيران، فقد بدأ التصعيد المباشر، عندما تمّ استهداف اجتماع لقادة الحرس الثوري في القنصلية الإيرانية في دمشق في 1 نيسان، وهو ما استدرج ردّاً أوّل من طهران على إسرائيل. ثمّ أتى اغتيال اسماعيل هنيّة في العاصمة الإيرانية في 31 تمّوز، ليستدرج الردّ الإيراني الثاني. واليوم، نفّذت تلّ أبيب ضربتها المنتظرة، مستهدفة مواقع عسكرية وأخرى لإنتاج الصواريخ في مناطق مختلفة من إيران.
وفي الواقع، أتت الضربة، من حيث الحجم، أصغر ممّا كان متوقّعاً، استناداً إلى ما سبق لوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أن توعّد به، من أنّ العمليّة ستكون “فتّاكة وقاتلة ومفاجئة”. واكتفى الردّ بتوجيه ضربات إلى مراكز عسكرية، متحاشياً المنشآت النفطية والمواقع النوويّة، في استجابة لإرادة الإدارة الأميركية في هذه المرحلة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسيّة.
ولكنّ السؤال الكبير هو: هل تكون هذه الضربة نهاية المواجهة بين إسرائيل وإيران، أم أنّها على العكس تشكّل البداية لحرب قد تتطوّر لاحقاً في اتجاه تصعيدي؟
إذا كان بنيامين نتنياهو يريد فعلاً، كما يقول، تغيير وجه المنطقة، وخلق توازن إقليميّ جديد، فإنّ ذلك لا يتمّ إلّا من خلال تعديل سلوك النظام الإيراني، بحيث يتخلّى عن مشاريعه التمدّدية في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ويتراجع أيضاً عن إنتاج السلاح النوويّ. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي يراها نتنياهو لرفع التهديد الأمني الناجم عن ترسانة الحزب، بما يضمن تخلّيه عن سلاحه، وعدم إمداده بأسلحة جديدة على المدى البعيد.
ولكن، ما الذي يجبر إيران على السير في هذا الخيار، سوى حرب قاسية عليها، قد تصل إلى تهديد النظام بحدّ ذاته، أو صفقة تحصل في موجبها على أثمان كبيرة؟
هناك معادلة صعبة بين هذين الخيارين، والنهايات تبقى غير معروفة. فإذا أخذنا بمنطق الصفقة، لا تقبل إسرائيل بأقلّ من وقف نشاط “حزب الله” والامتناع عن إعادة تمويله وتسليحه. كما أنّها لن تقبل بأن تصبح إيران دولة نووية تهدّد وجودها. فإذا كانت هذه شروط تلّ أبيب، فماذا يتبقى لطهران من أثمان تقبضها، سوى بقاء نظامها لا أكثر ولا أقل؟ ومن قال إنّ إيران تقبل بهذا الثمن البخس؟ فهي تعتبر أنّها قادرة على المواجهة عبر وكلائها إلى ما شاء الله، حتّى لو تدمّر لبنان عن بكرة أبيه، كما أنها قادرة على استهداف إسرائيل من جديد، بما يجعل تل أبيب تفكّر مرّتين قبل فتح حرب واسعة معها.
وهذا يوصلنا إلى اختيار الثاني، أي منطق الحرب. وهو يعني أنّ الضربة الإسرائيلية اليوم هي مجرّد بداية. فنتنياهو، الذي غيّر استراتيجية الحرب لدى إسرائيل، وحضّر الأجواء لحروب طويلة الأجل، يعرف أنّ تغيير موازين القوى الإقليمية يتطلّب حروباً على جبهات عدّة. لذا، تعمل القيادة العسكرية الإسرائيلية على إجراء تحوّل عميق في بنية الجيش، بحيث سيكون التركيز على تفعيل القوات البرّية والبحرية، وإجراء تدريبات على الحروب الإقليمية البعيدة جغرافياً، وتجهيز الرأي العام الداخلي للتعايش مع هذا النوع من الحروب، والتوجّه إلى دعم الاقتصاد، وزيادة ميزانية الدفاع لتلبية حاجات المعارك وما ينجم عنها.
وعليه، تتوقّع تقارير صحافية غربية أن تمتدّ الحرب التي تخوضها إسرائيل على جبهات عدّة في الشرق الأوسط، إلى الربع الأوّل من العام المقبل على الأقلّ. وما حرب لبنان سوى جزء منها. والجزء الآخر قد يصبح مركزه إيران. ولكن يبدو أنّ اتّخاذ قرارات مفصلية في هذا المجال سيتأخّر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية لمعرفة من سيكون الرئيس: دونالد ترامب أم كامالا هاريس. حينذاك، يمكن التكهّن باتجاهات الصراع في المنطقة.