خاص- بوتين يسجل نجاحا لافتا في قمة بريكس ال 16 في قازان… وغزة ولبنان كان لهما حيزا كبيرا من البيان الختامي
اختتم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مساء أمس الخميس القمة السادسة عشرة لمجموعة “بريكس” للاقتصادات النامية في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية والتي استمرت لثلاثة أيام، بمشاركة وحضور زعماء وممثلين ل 36 دولة ومنظمة عالمية، ما يسجل نجاحا كبيرا لبوتين على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
تأسست مجموعة ال “بريكس” رسميا في حزيران عام 2009 في “يكاترينبورغ” في روسيا، حين عقدت أول قمة بين زعماء روسيا والصين والبرازيل والهند، حاملة في بدايتها اسم “بريك ” (BRIC) اختصارا للأحرف الأبجدية الأولى باللغة اللاتينية لكل من البرازيل وروسيا والهند والصين، هذه الدول التي تمثل حوالي 45 بالمئة من سكان العالم ممتدة على 34 بالمئة من مساحة اليابسة، و30 بالمئة من الناتج الاجمالي العالمي، وهي تعد الاسرع نموا في الاقتصاد العالمي.
ورغم أن الغايات الاقتصادية والتنموية تغلب على أهداف تجمع بريكس، إلا أن ذلك لا يخفي التطلعات السياسية لقادة هذه الدول والتي تتعلق بمحاولة كسر الهيمنة الاميركية وتحقيق عالم متعدد الأقطاب، والتفتيش عن منصات يديرون فيها مصالحهم بعيدا عن التحكم الكامل للولايات المتحدة، وكسر هيمنتها على النظام المالي والاقتصادي العالمي، وكيف يمكنهم خلق نظام مالي مواز؟ وأن تكون مجموعتهم بما تملك من مقومات اقتصادية وبشرية قاطرة تقطر الاقتصاد العالمي وتعزز دور المجموعة كقوة مضادة للغرب في استراتيجيته وتسعى لتفكيك النظام الليبرالي وإنشاء نظام جديد يتماشى مع قيمها، وبالتالي كبديل لمجموعة الثمانية، إلا أن هناك خلافات داخل دول “بريكس” تعيق تشكيل جبهة موحدة، فالبرازيل والهند اتخذتا موقفاً متوازناً تجاه الولايات المتحدة، كما أن مصر تعتبر حليفاً لواشنطن.
وفي سنة 2010 انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة لتصبح “بريكس” (BRICS). ، واتخذت مدينة شنغهاي الصينية مقرا لها.
أهمية قمة قازان
تكتسب قمة قازان أهمية خاصة في هذه الدورة بعد توسع التكتل ليصل الى تسع دول بعد أن كان خمسة، وقد تقرر في القمة السابقة التي عقدت في جوهانسبرغ دعوة 6 دول جديدة، لبى الدعوة منها: مصر، الامارات العربية المتحدة، ايران واثيوبيا، أما الارجنتين فقد رفضت المشاركة بعد انتخاب الرئيس اليميني خافيير ميلي، وولي عهد المملكة العربية السعودية لم يحضر لأن المملكة لم تحسم أمرها بعد حول الانضمام الى التكتل، وهكذا أصبح عدد الدول المنضوية في التكتل تسعة. وتوجد دول كثيرة تريد الانضمام كماليزيا وتايلند وفنزويلا، والامر المثير للاهتمام أن تركيا العضو في حلف الناتو كانت تقدمت بطلب انضمام رسمي، لما تربطها من علاقات اقتصادية خاصة مع روسيا.
وتكمن أهميتها أيضاً في توقيتها فبوتين يحاول إثبات ان العزلة الدولية المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة والغرب فاشلة وأن الحرب في أوكرانيا لم تعزله أو تجعله منبوذاً،خصوصاً بعد مشاركة وحضور زعماء وممثلون عن 36 دولة ومنظمة عالمية. وما قام به يشكل استعراضاً للقوة تجاه الغرب، مشيدا بدور مجموعة البريكس كقوة موازنة لما أسماه “الأساليب المنحرفة” للغرب.
كما لا يمكن النظر إلى القمة بمعزل عن التنافس المتنامي على النفوذ والهيمنة في منطقة آسيا الوسطى بين كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا، على خلفية دوافع واعتبارات عدّة اقتصادية وجيوسياسية، وكذلك أمنية وعسكرية، تدفع كل دولة من الدول الثلاث إلى تعزيز علاقاتها مع دول آسيا الوسطى، لتوطيد مركزها في مواجهة الأخرى، فتعمل روسيا على تعزيز نفوذها وحضورها في هذه المنطقة للاستفادة من الثروات الاقتصادية للمنطقة، ولاسيما النفط والغاز. كما أن هذه الدول قد تمثل مخرجاً مهماً لها، كمصدر بديل، للالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بسبب غزو أوكرانيا.
وبدورها، تُبدي الصين اهتماماً كبيراً بهذه المنطقة، في ضوء غناها بمصادر الطاقة التي تحتاج إليها بكين لتحقيق تنميتها الصناعية، فضلاً عن كون هذه الدول جزءاً مهماً من مُبادرة “الحزام والطريق” الصينية، إذ يشكل أحد الممرات المهمة للمبادرة، وهو الممر الاقتصادي بين الصين وآسيا الوسطى وغرب آسيا، عبر دول آسيا الوسطى الخمس.
البيان الختامي لإعلان قازان:
وتضمن البيان الختامي لقمة قازان 134 بندًا تشمل جوانب متعددة من التعاون بين دول البريكس، ومن أهم النقاط التي تم الاتفاق عليها:
– تعزيز التعددية: التأكيد على ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن ليصبح أكثر تمثيلًا وفعالية، مع تعزيز دور الدول النامية في اتخاذ القرارات الدولية.
-التعاون الاقتصادي : الالتزام بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والمالية وتشجيع استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية والمالية لتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية.
– التنمية المستدامة: التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وخاصة في مجالات الصحة، التعليم، والمناخ، مع التأكيد على الحاجة لتقديم التمويل اللازم من الدول المتقدمة للدول النامية.
أما البنود الإضافية المتعلقة بالصراعات الإقليمية
فأعربت دول البريكس عن قلقها البالغ إزاء تدهور الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لا سيما التصعيد الأخير للعنف في قطاع غزة والضفة الغربية نتيجة الهجوم العسكري الإسرائيلي.
ودعا الإعلان إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار في غزة، والإفراج غير المشروط عن جميع الرهائن والمحتجزين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
كما نددت دول البريكس بالهجمات على العاملين في العمليات الإنسانية ودعت إلى الالتزام بالقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وانزعاج الدول الأعضاء إزاء الوضع في جنوب لبنان، حيث أدانت الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية نتيجة للهجمات الإسرائيلية على المناطق السكنية.
ودعا الإعلان إلى الوقف الفوري للأعمال العسكرية والحفاظ على سيادة لبنان وسلامة أراضيه، مع التركيز على ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي 1701 (2006) و2749 (2024)
د. طوني وهبه
استاذ الجغرافيا السياسية في الجامعة اللبنانية