الحرب على لبنان: نقاشات الداخل الإسرائيلي بين المناورة والتشكيك

الحرب على لبنان: نقاشات الداخل الإسرائيلي بين المناورة والتشكيك

الكاتب: منير الربيع | المصدر: المدن
26 تشرين الأول 2024

تكثّفت الحركة الديبلوماسية الأميركية على مسافة أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية، سعياً وراء الوصول إلى وقف لإطلاق النار، أو صفقة ولو جزئية أو هدنة. من زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت وتواصله مع الإسرائيليين، وانتقاله إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث عقد اجتماعات بحث فيها مع المسؤولين هناك سبل وقف إطلاق النار في لبنان ومسار الحلّ السياسي والرئاسي، إلى الحركة المكثفة التي يقوم بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من إسرائيل إلى السعودية، قطر وصولاً إلى اجتماعه برئيس الحكومة نجيب ميقاتي في لندن.

محاولة تهدئة أميركية
ما تريده الإدارة الأميركية هو فرصة لهدنة بهدف تمرير الإنتخابات، ولذلك تفعلت الاتصالات وتكثفّت سعياً وراء الوصول إلى إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الحاملين للجنسية الأميركية من قطاع غزة، فيسجّل ذلك انجاز للإدارة الأميركية ما يساعدها انتخابياً.

على إيقاع هذه الحركة الأميركية، تجدد الحديث عن جولة مفاوضات جديدة في العاصمة القطرية الدوحة يوم الأحد المقبل، للوصول إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة. جاء ذلك في ظل تبادل رسائل غير مباشرة بين واشنطن وطهران، في إطار تجديد التواصل، بموازاة المساعي الأميركية لإقناع تل أبيب بتنفيذ ردّ محسوب على إيران وعدم استهداف منشآت نووية، وهو ما أسهم في تأجيل الضربة أو تأخيرة إذ كانت التقديرات الإيرانية تعتبر أن الضربة ستحصل خلال الأيام الماضية. ترافق تأجيل الضربة مع تسريب خطط عسكرية إسرائيلية من داخل وزارة الدفاع الأميركية، وهو اعتبر دخولاً أميركياً مباشراً لعرقلة الردّ الإسرائيلي أو محاولة تأخيره إلى ما بعد الانتخابات لا سيما أن أي ضربة لإيران ستصب في صالح دونالد ترامب انتخابياً.

حذر طهران
بالنسبة لطهران لا تزال تتوقع الضربة في أي لحظة، وتنظر إلى ما يجري بأنه محاولة خداع جديدة يمارسها نتنياهو الذي يستغل ظروف التفاوض لتوجيه ضرباته وهي مسألة تكررت في أكثر من محطة ومكان من لبنان إلى غزّة. كما أن نتنياهو استغلّ مفاوضاته مع الولايات المتحدة الأميركية لتخفيف حدّة الضربة على إيران، فعمد على تكثيف عملياته ومجازره في قطاع غزة ولا سيما في شمال غزة عبر عمليات التهجير وتطبيق خطة الجنرالات، وهو أسلوب يعتمده نتنياهو في مشاغلة الأميركيين بمفاوضات حول إيران مقابل الحصول على “جوائز” في ساحات وميادين أخرى.

الحسابات العسكرية والأمنية والاستخبارية تبقى متضاربة في مثل هذه الحالات، خصوصاً أن إيران تنظر إلى ما يقوم به نتنياهو بأنه مغطّى أميركياً، ولذلك لا تأمن لكل ما يرد إليها من مؤشرات حول الضغوط الأميركية الفعلية على إسرائيل لتخفيف الضربة وقد تكون التصريحات والمواقف الأميركية، عبارة عن تبرّؤ مما سيقدم عليه نتنياهو، الذي لا يزال يؤكد أنه يخوض صراع حضارات ويصرّ على مواصلة الحرب إلى النهاية.

استمرار الحرب
في هذا الإطار يواصل نتنياهو حربه على لبنان، وفي ظل المساعي الأميركية والأوروبية لإعلاء صوت الديبلوماسية، فهو خرج قائلاً بوضوح: “واهم من يعتقد أننا سنوقف إطلاق النار”. وقد وضع هدفاً كبيراً لعنوان معركته وهو تحرير لبنان من إيران وحزب الله. يأتي ذلك في إطار الردّ على كل التصريحات الأميركية والفرنسية والدولية الأخرى التي تناشد الحلّ الديبلوماسي وتشدد عليه.

كان كلام نتنياهو قد تزامن مع وصول هوكشتاين إلى فرنسا، وعشية انعقاد مؤتمر دعم لبنان، فجاء ردّ رئيس الوزراء الإسرائيلي على ما كان ينتظره لبنان من إجابات يفترض أن يعود بها هوكشتاين بعد مناقشاته مع الإسرائيليين. قناعة حزب الله أن كل المسارات التفاوضية غير مجدية، ولذلك فعّل الحزب عملياته العسكرية وكثّفها وتمكن من إيقاع خسائر كبيرة في صفوف الإسرائيليين ما دفع بوزير الأمن يوآف غالانت إلى القول إن الجيش الإسرائيلي يعيش أياماً صعبة في “الشمال”. يأتي كلام غالانت بعد تصريح لرئيس الأركان هرتسي هاليفي الذي اعتبر أنه تم القضاء على القيادة العليا لحزب الله ويمكن الوصول إلى اتفاق في لبنان، ما يقصده هاليفي طبعاً هو أن الاتفاق سيكون بشروط الإسرائيليين الذين يريدون صك الاستسلام.

رهانات متضاربة
الوقائع العسكرية في لبنان، خلقت نقاشات كثيرة داخل إسرائيل وفق ما تشير مصادر ديبلوماسية غربية، إذ تتضارب التقديرات الإسرائيلية لأفق الحرب ومداها، بين تقديرات عسكرية تعتبر أن حزب الله قد أنهك وشارف على الهزيمة وأن الأهداف الإسرائيلية ستتحقق خلال فترة 5 أسابيع، وبين وجهة نظر معارضة تشير إلى أن الحزب تمكن من إعادة تفعيل قواه العسكرية إلى حدود بعيدة، ونجح في إعادة ترميم قيادته وقادر على توجيه ضربات قاسية وبالتالي الأهداف لا تزال بعيدة من التحقق. وتضيف المصادر الغربية أن الإسرائيليين يعتبرون أن عمليتهم في لبنان تحظى بغطاء دولي بخلاف الحرب على غزة والتي هناك مطالبات كثيفة بوقفها ويُسجّل حولها انقسام إسرائيلي كبير خصوصاً في ظل المطالبة بالوصول إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن، أما في لبنان فلا يعتبر الإسرائيليون أن المجتمع لديهم منقسم حول الحرب مع لبنان بل الغالبية الساحقة تؤيدها على الرغم من تكبّد خسائر كبيرة فيها.

مفاوضات في الدوحة
من الواضح أن نتنياهو يصرّ على مواصلة الحرب، والاستفادة من الأيام الفاصلة عن الانتخابات الأميركية، في مقابل حزب الله يراهن على إلحاق خسائر كبيرة في الإسرائيليين تتدفعهم إلى التراجع أو التواضع. ما بين الرهانين المختلفين، تُعقد جولة مفاوضات جديدة في الدوحة، وسط مخاوف من استخدام نتنياهو لها كمحاولة إلهاء جديدة لتنفيذ ضربات أقوى وأقسى في لبنان أو في إيران، على أن يجهض المفاوضات وفق آلياته السابقة من خلال فرض المزيد من الشروط. وهو ما يجعل الأميركيين يحاولون التفاوض مع حماس ومع قطر ومصر للوصول إلى صفقة ولو جزئية تسهم في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من حملة الجنسية الأميركية قبل الانتخابات.