احتدام عنيف وجرائم حرب… والديبلوماسية بلا أفعال!
على رغم الحركة الديبلوماسية الناشطة التي أطلقها مؤتمر دعم لبنان في باريس والتحرك المتواصل لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اتّبع مشاركته في مؤتمر باريس بزيارتين للندن حيث عقد اجتماعا مع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ثم قام بأول زيارة لرئيس حكومة لبناني إلى أيرلندا المشاركة في قوة اليونيفيل ، طغت جريمة الحرب الجديدة التي ارتكبتها إسرائيل امس في اعتدائها المتعمد على فندق يضم صحافيين في حاصبيا حيث استشهد ثلاثة منهم على المشهد اللبناني راسما مزيدا من المخاوف والقلق من التفلت الحربي المتوحش لإسرائيل في حربها على لبنان . واذا كانت المجازر التي ترتكبها إسرائيل في المناطق اللبنانية المأهولة تجعل كل الفئات متساوية امام خطر القتل المتجول بأعتى تكنولوجيا تدميرية وسلاح طيران فتاك فان مقتل الصحافيين الثلاثة امس اثار موجة استنكارات وإدانات واسعة داخليا وخارجيا من دون ان يشكل ذلك طبعا رادعا كافيا لإسرائيل للجم الهجمات التي تصنف في اطار جرائم الحرب.
أمّا في المنحى المتّصل بالمساعي الديبلوماسية اللاهثة لوقف النار وإطلاق المفاوضات لتسوية حل دائم فإنّ المعطيات المتوافرة لا تشير إلى أيّ تفاؤل وشيك خصوصاً أنّ الأنظار عادت تتركز على احتمال نشوب مواجهة إقليمية واسعة إن هاجمت إسرائيل ايران في قابل الأيام مع ما يرتبه ذلك من احتمالات وتداعيات يبدو الجميع في حالة ترقب حذرة حيالها.
غير أنّ المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين دخل مجدداً على المشهد المأزوم وأعلن أنّه “يمكن إنهاء الحرب بين إسرائيل ولبنان وفق القرار 1701”.
وأضاف في تصريح مساء أمس أنّ “إسرائيل وحزب الله يتبادلان الاتهامات بعدم الالتزام بالقرار 1701 والحقيقة أنهما لم يلتزما به”، مشدّداً على “وجوب السماح للقوات المسلحة اللبنانية بالانتشار فعليّاً في جنوب لبنان والقيام بوظيفتها”.
إذن فالجريمة الجماعية أدّت إلى استشهاد ثلاثة صحافيين اغتالتهم مُسيّرة إسرائيلية وهم نيام في فندق يتخذون منه مقراً إلى جانب 15 آخرين من زملائهم يمثلون ٧ مؤسسات إعلامية. وقد استهدف الطيران الإسرائيليّ فجراً، مقرّ إقامة الفرق الصحافية في فندق في حاصبيا، ممّا أدّى إلى استشهاد 3 صحافيين وإصابة عدد آخر. ونعت قناة “الميادين” مهندس البث في القناة محمد رضا والمصور غسان نجار، كما نعت “المنار” المصور في القناة وسام قاسم . ومن الصحافيين الجرحى زكريا فاضل وحسن حطيط وعلي شعيب.
وأثارت الجريمة موجة واسعة من التنديد والاستنكار من كل الجهات، وأعلن الرئيس نجيب ميقاتي”أنّ العدوان الإسرائيلي الجديد الذي استهدف الصحافيين والمراسلين في حاصبيا، يشكل فصلاً من فصول جرائم الحرب التي يرتكبها العدو الإسرائيلي من دون رادع أو صوت دولي يوقف ما يجري. كما أنّ هذا العدوان المتعمّد هدفه بالتأكيد ترهيب الإعلام للتعمية على ما يرتكب من جرائم وتدمير”.
وأضاف: “لقد أعطيت توجيهاتي إلى وزارة الخارجية والمغتربين لضم هذا الجريمة الجديدة إلى سلسلة الملفات الموثقة بالجرائم الإسرائيلية التي سترفع التي المراجع الدولية المختصة، لعل الضمير العالمي يوقف ما يحصل. رحم الله الشهداء الصحافيين والدعاء بالشفاء العاجل للمصابين”.
وقي غضون ذلك صعد الطيران الحربي الاسرائيلي هجماته على المعابر اللبنانية السورية بما يعني احتمال قطع التواصل نهائياً بين البلدين. وأغار عند الثالثة والنصف فجر امس على الحدود اللبنانية السورية في منطقة المصنع مما أدّى إلى تدمير ممر صغير صمد بعد غارات استهدفت المعبر في الأيام الماضية. كما قصف فجراً منطقة جوسي من ناحية القاع مستهدفاً أحد الجسور عند الحدود اللبنانية السورية مما أدّى إلى قطع الطريق. كما خرج معبر القاع من الخدمة، بعد غارة إسرائيلية في الأراضي السورية، على بعد مئات الأمتار من مكتب الأمن السوري” في المعبر المعروف باسم جوسيه.
وقطعت الغارة الطريق أمام حركة السيارات والشاحنات، ليبقى بذلك معبر واحد رئيسي بين البلدين قيد الخدمة.
كما مضى الجيش الإسرائيلي في اعتداءاته المتعمدة على اليونيفيل التي أعلنت “أن جنود حفظ السلام المناوبون في موقع مراقبة دائم بالقرب من الضهيرة كانوا يراقبون جنود الجيش الإسرائيلي وهم يقومون بعمليات تطهير للمنازل القريبة. وعندما لاحظ جنود الجيش الإسرائيلي أنهم تحت المراقبة، أطلقوا النار على الموقع، فانسحب الحراس المناوبون لتجنب الإصابة”.وتابعت في بيان: “كان الجيش الإسرائيلي قد طلب من اليونيفيل بشكل متكرر إخلاء مواقعها على طول الخط الأزرق، وقام عمداً بإتلاف الكاميرات والإضاءة ومعدات الاتصالات في بعض هذه المواقع. وعلى الرغم من الضغوط التي تمارس على البعثة والدول المساهمة بقوات، فإن حفظة السلام لا يزالون في مواقعهم ويؤدون مهامهم. وسنواصل القيام بالمهام الموكلة إلينا في المراقبة ورفع التقارير”.
واحتدمت المواجهات بعنف بالغ مساء امس عبر الغارات الإسرائيلية الكثيفة وعمليات القصف الصاروخي ل”حزب الله” على المواقع العسكرية ومناطق شمال إسرائيل .
ووسط احتدام الحرب على الحدود وفي الأعماق اللبنانية والإسرائيلية قام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي غداة مؤتمر باريس بزيارة لندن حيث اجتمع مع وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن. وأفادت المعلومات الرسمية عن اللقاء ان ميقاتي قال خلال الاجتماع : “نحن نصر على اولوية وقف اطلاق النار وردع العدوان الاسرائيلي خصوصا وان هناك اكثر من مليون واربعمئة الف لبناني نزحوا من المناطق التي تتعرض للاعتداءات. كما تنتهك اسرائيل القانون الدولي باعتدائها على المدنيين والصحافيين والطاقم الطبي”.كما شدد على “التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 كما هو، من دون تعديل”. وقال: “المطلوب اولا التزام حقيقي من اسرائيل بوقف اطلاق النار، لان التجربة السابقة في ما يتعلق بالنداء الاميركي – الفرنسي المدعوم عربيا ودوليا، لوقف اطلاق النار اثرت على صدقية الجميع”.
بدوره، أكد وزير الخارجية الاميركية “ان واشنطن ما زالت تسعى للحل الديبلوماسي لوقف فوري لاطلاق النار والتزام كل الاطراف بالقرارات الدولية التي تضمن الاستقرار في المنطقة”. واعرب “عن دعم الولايات المتحدة للمؤسسات الحكومية لا سيما الجيش والقوى الامنية”، وشدد على “اهمية الدور المناط بالجيش في تنفيذ القرار 1701 واهمية التوصل الى حل ديبلوماسي للنزاع القائم ووقف العنف”.
وبعد الظهر أجرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي محادثات مع رئيس وزراء ايرلندا سيمون هاريس في مقر رئاسة الحكومة في العاصمة الايرلندية دبلن. ورحب هاريس بالرئيس ميقاتي”كأول رئيس حكومة لبناني يزور ايرلندا”. وأعرب “عن تضامن ايرلندا مع لبنان ولا سيما في هذه المرحلة”، مشددا “على أن بلاده طالبت عبر المنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي المنضوية فيها بالضغط لوقف إطلاق النار في لبنان ومطالبة كل الأطراف بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701. كما أننا ندين بشدة الاعتداءات الإسرائيلية على قوات اليونيفيل”. وقال: “إن دائرة العنف في الشرق الاوسط بلغت مستويات غير مقبولة وعلى المجتمع الدولي بذل جهود إصافية ونوعية لوقف دائرة العنف”.
بدوره شدد الرئيس الحكومة “على شكر لبنان ايرلندا لوقوفها إلى جانبه ولكونها من أوائل الدول الأوروبية التي لديها مشاركة فاعلة في عداد قوات اليونيفيل”، مشيدا “بالتضحيات التي قدمتها ايرلندا وجنودها في لبنان”. كما شكر ايرلندا “على وقوفها الدائم مع القضايا الإنسانية والمحقة وفي مقدمها قضية فلسطين”. وشدد على “أن رمزية هذه الزيارة هي شكر الدول التي تقف دائما الى جانب لبنان”.
وبإزاء هذه التطورات أعلنت المنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس-بلاسخارت أن “مع كلّ يوم يمرّ، تتّسع دائرة العنف المميتة في لبنان، تاركةً مزيدًا من الدمار والمعاناة”. وتابعت في بيان: “يواجه لبنان حالياً أزمة إنسانية ذات أبعاد كارثية، مع تزايد وقوع الضحايا المدنيين، والنزوح الجماعي، والدمار الواسع للبنية التحتية المدنية في جميع أنحاء البلاد. لقد تعرّض الذين يوفرون استجابة فورية ويلبّون نداء المساعدة، بما في ذلك الكوادر الصحية والمسعفون، لضربات قاسية أيضًا. إنّ الزيادة في عدد الهجمات التي تطال المنشآت الصحية والعاملين فيها مقلقة للغاية”.
أضافت: “منذ تشرين الأول من العام الماضي، أفادت منظمة الصحة العالمية عن وقوع 53 هجومًا على منشآتٍ صحية، ممّا أسفر عن مقتل 99 وإصابة 82 من العاملين في الرعاية الصحية. وقد تمّ إخلاء 8 مستشفيات بالكامل في لبنان، و7 أخرى تمّ إخلاؤها جزئيًا بسبب الأضرار التي لحقت بها أو لقربها من مناطق القصف. نتيجة لذلك، انخفضت بشكل كبير قدرة المستشفيات على استيعاب المرضى في المناطق المتأثرة بالنزاع في لبنان، ممّا زاد من الضغط على المستشفيات في المناطق الأخرى. كما استهدف 27 هجوماً سيارات الإسعاف التي يستخدمها المستجيبون الأوائل. وأغلقت ما يقرب من نصف المراكز الصحية الأولية أبوابها في المناطق المتضررة”. وقالت: “في وقتٍ سابقٍ من هذا الأسبوع، أسفرت ضربة إسرائيلية قرب مدخل مستشفى رفيق الحريري الجامعي (أكبر مستشفى حكومي في لبنان) عن مقتل 18 شخصًا، من بينهم أربعة أطفال وأربعة عاملين في مجال الرعاية الصحية، فيما تمّ إخلاء مستشفى آخر في الضاحية الجنوبية لبيروت وسط حالة من الذعر الواسعة النطاق بسبب مزاعم حول استخدام أحد مبانيه. يتزامن تأثير الأزمة على قطاع الرعاية الصحية مع تزايد هائل في الاحتياجات الإنسانية، خصوصاً بين النازحين. وفي ظل تدهور الظروف الصحية والاكتظاظ في مراكز الايواء الجماعية، يرتفع خطر انتشار الأوبئة، وقد سجل لبنان مؤخّراً أوّل حالة إصابة بالكوليرا”.