لم تكن مغامرة بل مقامرة!
لم تعد ثمة حاجة إلى إثبات حجم الكارثة التي وقع فيها “الحزب” وأوقع فيها بيئته الحاضنة، واستطرادا كل لبنان. فمسؤولية الحزب المذكور أساسية، لأنه بسبب قصور قراءته للمشهد الإقليمي برمته، سقط في فخ خطِر قضى على جزء كبير من قوته العسكرية، ثم على معظم قيادته وعلى رأسها أمينه العام، كما أتى على غالبية قطاعاته الأمنية واللوجيستية والمالية والاجتماعية.
من الناحية العملية، فإن “الحزب” دخل مسارا انحداريا طويلا صار من الصعب أن يتوقف إن لم توقف إسرائيل حربها الإلغائية، وإن لم تضغط الولايات المتحدة عليها بما فيه الكفاية لرفع السيف المصلت على “الحزب”. ومن المهم الإدراك أن إيران لن تنزلق إلى حرب من أجل إنقاذ ذراعها اللبنانية. فعلى الرغم من فداحة الخسارة التي ستعانيها الأخيرة في حال تدمير الحزب، فإن طهران حذرة إلى أبعد الحدود من احتمال استدراجها إلى حرب أوسع تحت عنوان إنقاذ “الحزب” من التدمير، لئلا يكون الهدف من الاستدراج نصب فخ كبير يضع النظام في خطر شديد، من خلال تعريضه لهجوم إسرائيلي مدعوم من الولايات المتحدة ومجمل دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”. وتعرف ايران تماما أنها لا تملك ما يكفي من قدرات عسكرية لمواجهة فخ بهذا الحجم وبتلك القدرات.
من هنا، يُحتمل أن نشهد حالة دراماتيكية في حال استمرار الحرب على “الحزب”، وخصوصا أن الثمن الذي تدفعه بيئته كبُر جدا، وأضراره مديدة. فمشروع تهجير سكان الجنوب اللبناني خطِر للغاية. وقد تطول مدة التهجير، وترتب تداعيات على مستويات متعددة. وعندما نتحدث عن إطالة أمد التهجير لسنوات عدة، فمعنى هذا أن الإسرائيليين يحاولون إقامة منطقة طاردة للحياة في الجنوب اللبناني شبيهة بشمال غزة، بما سيحول دون عودة سريعة للنازحين إلى قراهم وبلداتهم وأحيائهم المدمرة في الحواضر الشيعية مثل صور والنبطية.
كل ذلك في وقت يعاني لبنان أزمة سياسية ومؤسساتية ومالية واقتصادية. ولعل أصعب ما تواجهه حاضنة الحزب هو فقدان التعاطف الخارجي مع ما يصيبها مقارنه بالتعاطف الذي حصده الفلسطينيون في غزة. ولذلك لن نشهد تظاهرات مليونيه داعمة لـ”الحزب” والبيئة الحاضنة، أولا بسبب الخلاف العميق بين مكونات البلد، وثانيا بسبب سمعة “الحزب” السيئة في الخارج، فضلا عن أن مقامرة الحزب في الثامن من تشرين الأول ٢٠٢٣ بالتورط في حرب لم تكن للبنان علاقة بها من قريب ولا من بعيد، وقيامه بشن حرب “إسناد” لغزة ضد إسرائيل، ثم رفضه الاستماع إلى لغة العقل وأخذ النصائح والتحذيرات في الاعتبار للخروج من الورطة بأسرع وقت، كاها عوامل منحت تل أبيب الذرائع المطلوبة للتحضير لحرب شاملة، ثم شنها بعد أكثر من عام.
والواقع أن ما كان معروضا على “الحزب” ومن معه طوال العام الذي مضى، سُحب عن الطاولة، وبات المعروض فعليا حل الماكينة العسكرية للحزب، وتحوله إلى حزب سياسي أسوة ببقية الأحزاب اللبنانية. ومن هنا احتمال أن تطول الحرب، أقله أسابيع، حتى نهاية العام الحالي.
استنتاجا: لم تكن مغامرة… لقد كانت مقامرة!