خاص- صدّقوا ما ترَون
“صدقوا ما ترون لا ما تسمعون”. إنها الوصية الأخيرة لأمين عام “حزب الله” الشهيد السيد حسن نصرالله، وهي تشكل بالفعل قاعدة ذهبية لتبيان حقيقة الأمور ومعرفة النتائج الحقيقية، حتى الآن على الأقل، لعملية “طوفان الأقصى” التي انطلقت في السابع من تشرين الأول 2023، والتي أعقبتها “حرب إسناد غزة” التي أطلقها “حزب الله” في اليوم التالي من جنوب لبنان.
الحدث الأبرز الأخير في غزة كان اغتيال رئيس المكتب السياسي الجديد لحركة “حماس” يحيى السنوار الذي تم انتخابه بعد اغتيال سلفه اسماعيل هنية في 31 تموز 2024 في طهران. هذان الاغتيالان الكبيران أعقبا سلسلة عمليات اغتيال لقادة ميدانيين في “حماس” على مدى عام من الحرب على غزة كان أبرزهم نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري الذي اغتالته اسرائيل في الثاني من كانون الثاني الماضي في هجوم جوي على الضاحية الجنوبية، إضافة الى محمد الضيف ومروان عيسى ورافع سلامة، وغيرهم العشرات من المسؤولين الأقل أهمية في هيكلية الحركة.
في الخلاصة العملية، أصبحت حركة “حماس” في غزة، بعد عام من “الطوفان، من دون قيادة سياسية وعسكرية تقريبًا، بعد نجاح إسرائيل في تصفية قيادات الصف الأول.
في الجانب العسكري، أعادت اسرائيل احتلال أكثر من تسعين في المئة من قطاع غزة، ما كلف الشعب الفلسطيني أكثر من 42 ألف قتيل ونحو 100 ألف جريح حتى الآن، فضلًا عن قرابة مليوني شخص نزحوا عن منازلهم التي تعرّض معظمها للتدمير. أما في الخسائر المادية فقد بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة أو المدمرة أكثر من 215 ألف وحدة تمثل حوالى 60 بالمئة من عدد المساكن في القطاع، فضلًا عن البنى التحتية المدمّرة بشكل شبه كامل. وأشارت التقديرات الأولية الى ان تكلفة اعادة إعمار قطاع غزة ستتجاوز الـ80 مليار دولار وقد تستغرق نحو 15 عامًا.
على المقلب الآخر من الحرب، أي في ساحة إسناد غزة من لبنان، كيف تبدو الصورة التي يراها الجميع ولا يصدقها إلا البعض؟
كما في القطاع كذلك في لبنان، حيث كان الحدث الأبرز منذ بداية الحرب اغتيال السيد حسن نصرالله ومعه عدد من قيادات “حزب الله” في غارة إسرائيلية على الضاحية في 27 أيلول الماضي، ليتم بعدها بأربع وعشرين ساعة اغتيال نائب رئيس المجلس التنفيذي وقائد “وحدة الأمن الوقائي” في الحزب نبيل قاووق في غارة على الضاحية أيضًا. وفي 3 تشرين الأول واصلت اسرائيل عمليات الاغتيال لتطال هذه المرة المرشّح الأول لخلافة نصرالله، رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين في غارة مماثلة لسابقاتها على الضاحية. والجدير ذكره أن إسرائيل منعت الحزب من إقامة جنازة جماهيرية لنصرالله، كما منعت أيضًا فرق الإنقاذ من انتشال جثة صفي الدين من تحت الأنقاض.
هذا التحوّل الجذري في العمليات العسكرية كانت إسرائيل قد بدأته في 17 أيلول الماضي بما عُرف بعملية تفجير أجهزة “البيجر” التي يحملها عناصر “حزب الله” ما أوقع الآلاف بين قتيل وجريح ومعوّق، في ما اعتبر أكبر عملية استخباراتية في تاريخ الحروب. وفي اليوم التالي فجرت إسرائيل أيضًا أجهزة اللاسلكي لدى الحزب ما أدى الى مجزرة ثانية وإن بخسائر أقل.
هذه المجازر الإسرائيلية جاءت بالتزامن مع مواصلة إسرائيل سياسة الاغتيالات ضد قيادات الصف الأول في الحزب، وكان أبرزهم فؤاد شكر (الحاج محسن)، وابراهيم عقيل مع 16 من قيادة “قوة الرضوان”، وابراهيم قبيسي (الحاج أبو موسى)، ومحمد حسين سرور (الحاج أبو صالح)، ووسام الطويل، وطالب سامي عبد الله (الحاج أبو طالب)، ومحمد ناصر (الحاج أبو نعمة)، وأحمد وهبي، وعلي كركي، وغيرهم العشرات من قيادات الصف الثاني في الحزب.
كما لا بد من الإشارة الى أنه بعد عام ونيّف على حرب الإسناد تم تسجيل سقوط اكثر 2500 شهيد على الأقل واكثر من 12 الف جريح، علمًا أن أكثر من نصف هذه الأعداد من كوادر “حزب الله”.
كما لا بد من التذكير بأن المرحلة الأخيرة من الحرب أدت الى نزوح أكثر من مليون مواطن لبناني شيعي من منازلهم في الجنوب والبقاع والضاحية، وقد خسر عدد كبير منهم منزله وبات يبحث عن سقف يقيه أمطار الشتاء وبرده. هذا النازح الذي كان ينطبق عليه المثل القائل “فلاح مكفي سلطان مخفي” بات مشرّدًا في وطنه يتنقل مع أولاده من مكان الى آخر بحثًا عن أمان مفقود وكرتونة إعاشة تقيه شر العوَز.
أما في الخسائر المادية للحرب فحدّث ولا حرَج، علمًا أن عداد الخسائر في ارتفاع يومي في ضوء الغارات المعادية المستمرة على مدار الساعة. وبالرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة للأضرار في المباني والمصانع والأراضي الزراعية والبنى التحتية وغيرها أجمعت التقديرات على أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب قد تجاوزت الـ15 مليار دولار.
هذه هي الصورة بوضوح وهذه هي الأرقام يا سيّد، فهل نصدّقها؟
وفي مقابل هذه الصورة السوداء وهذه الأرقام المرعبة، لن نصدّق بالتأكيد ما نسمع من تهديدات يومية يطلقها قادة محور الممانعة من رأسه في طهران وصولًا الى حدودنا الجنوبية، وخاصة بعد “الردّين النوعيين” من إيران على إسرائيل في أعقاب أسابيع طويلة من التهديدات.
بناء عليه، تؤكد الصورة أن الحرب انتهت عسكريًا في غزة، وهي على وشك الانتهاء في لبنان. يبقى الاتفاق مع الوسطاء الدوليين، الذين غابوا عن السمع مؤخرًا، على شروط مقبولة لوقف إطلاق النار حقنا للدماء وللحد ما أمكن من الأضرار. وفي حال لم يتم التوصل سريعًا الى مثل هذا الاتفاق، تصبح الخشية الحقيقية من أن يتحوّل شعار صلاة جماعة “حزب الله” في الأقصى الى صلاة الجيش الإسرائيلي في كنيس وادي أبو جميل في بيروت.
هذه هي الصورة الحقيقية التي نصدّقها يا سيّد، ويبقى على حزبك وبيئتك أن يصدقوها قبل فوات الأوان.