إسرائيل تعمّم التدمير وأميركا لـ”الاطباق” على “الحزب”
لا يرقى التحرك الديبلوماسي الدولي نحو لبنان إلى المستوى الذي كان عليه في حرب تموز 2006، بالرغم من زيارات المسؤولين الأوروبيين والعرب للحضّ على التوصل لوقف النار. وبينما بلغ التصعيد الإسرائيلي ذروته في لبنان بعد مرور ثلاثة أسابيع على بدء الجيش الإسرائيلي عملياته البرية جنوباً، وسّع “حزب الله” نطاق إطلاق الصواريخ والمسيّرات في محاولة لاستعادة التوازن، ما يدل ميدانياً بأن الحرب ستكون أكثر ضراوة أقله لما بعد الانتخابات الأميركية وقبلها احتمالات توجيه ضربة إلى إيران قد تزيد من اشتعال الجبهات.
التصعيد الإسرائيلي المستمر يطال غزة ولبنان، ذلك أنه بعد اغتيال يحيى السنوار، لن يكون كما قبله، كما كانت عملية اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، منعطفاً لإسرائيل اندفعت معه لتوسيع حربها بهدف إنهاء قوة الحزب وتشريد بيئته. وعلى هذا المسار تجاوزت إسرائيل القرار الدولي 1701، وهي تواصل حربها في محاولة لإنشاء منطقة عازلة تؤسس لتعديل القرار دولياً إذا تمكنت من فرض أمر واقع على الأرض أو إبقاء الحرب مفتوحة إلى ما لا نهاية عبر استمرار الضغط والتجويع متسلحة بدعم أميركي يستثمره رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على أبواب الانتخابات الرئاسية.
الوقائع الميدانية توحي بأن الحرب ملتهبة، بعدما تمكن “حزب الله” من إعادة هيكلة وضعه بتدخل إيراني، فأنزل بالقوات الإسرائيلية خسائر كبيرة ما يدل على أن بنيته القتالية لا تزال قادرة، وذلك على الرغم مما تعرض له من ضربات وما حل بالقرى والمناطق من دمار، وما يتعرض له لبنان من استنزاف مديد.
في الحراك الدبلوماسي، لا تعلق آمال كبيرة على زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الى المنطقة، مع الموفد الرئاسي آموس هوكشتاين. ذلك أن الموقف الأميركي بات حاسماً في دعم إسرائيل في حربها ضد “حزب الله” وإن كانت واشنطن تحدد سقوفاً لا تزال قائمة في ما يتعلق بضرب منشآت وبنى تحتية لبنانية. الواضح أن لا ضمانات نهائية حول لجم توسع الحرب، خصوصاً بعد كلام هوكشتاين الأخير عن ضرورة تعديل القرار 1701.
لكن الموقف الأميركي ليس جديداً وفق مصدر ديبلوماسي متابع، ذلك أن مهمة الموفد الأميركي الأساسية التي زار على أساسها لبنان وإسرائيل مرات عدة، وطرح من خلالها خطة للتفاوض والتسوية تقوم على ثلاثة عناوين آخرها ترسيم الحدود، تفضي الى مسار جديد يعدل ما نص عليه القرار الدولي، حتى في طرح العودة الى اتفاق الهدنة 1949.
التطورات الميدانية المتسارعة مع احتمال توجيه ضربة لإيران، ستنهي البحث بـ1701، وذلك على الرغم من الموقف الأوروبي لا سيما الفرنسي المغاير، والذي يشدد على تطبيق القرار واستمرار مهمة قوات اليونيفيل في الجنوب. أما المعنى الذي يستند اليه هوكشتاين في دعوته، فهو العمل على نشر الجيش اللبناني على الحدود، لكن شرط انهاء وجود “حزب الله” بإخراجه الى شمال الليطاني. وهذا الأمر غير ممكن، لا في ما يتعلق بالمنطقة العازلة، ولا أيضاً بفصل الجبهات لا سيما بعد عودة “حزب الله” الى تشدده، إضافة الى الشرط الذي يضعه الإسرائيلي بالتفاوض تحت النار.
وعلى وقع التصعيد المتمادي يبدو أن إسرائيل تمارس لعبة تمديد الحرب، وتقطع الطريق على الأوروبيين من تأدية أي دور في المفاوضات، بيد أن أهدافها بعيدة وتصل إلى إيران عبر الضوء الأخضر الأميركي، والسعي لفرض واقع جديد بالضغط على البيئة الشيعية وتدمير بنية “حزب الله” العسكرية وأيضاً الاقتصادية والاجتماعية واحداث فوضى في الداخل اللبناني، لا يستطيع معها الحزب الاستمرار في المواجهة حتى مع رهاناته على المرجعية الخارجية التي تبحث هي الأخرى عن نافذة للتفاوض والتوصل الى حلول لملفاتها، فيصبح وقف اطلاق النار في مهب المجهول.