هل تشترط واشنطن تعديل الـ«1701» للقبول بوقف النار؟
يطرح استمرار توغل إسرائيل في القرى الأمامية المحاذية لحدودها مع لبنان مجموعة من الأسئلة، يتصدرها تصدي الولايات المتحدة الأميركية للمحاولات الرامية لإصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار، بخلاف ترحيبها بالبيان الصادر عن اجتماع رئيسَي المجلس النيابي نبيه برّي، والحكومة نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، والذي حدد ثلاثية لعودة الهدوء إلى الجنوب هي بمثابة خريطة طريق، تبدأ بوقف النار، ونشر الجيش في جنوب الليطاني، وتنتهي بتطبيق القرار «1701».
فرهان ميقاتي على الجهود الدولية لوقف النار يصطدم برفض واشنطن التجاوب معها، واستبدال به توفير الضمانات للبنان بامتناع إسرائيل عن استهداف الأماكن المأهولة بالسكان في بيروت وضاحيتها الجنوبية، وتحييد مطار رفيق الحريري الدولي والبنى التحتية عن بنك أهدافها، مع أنها أغارت على مبنى في حارة حريك تبين لاحقاً أن «حزب الله» لم يستخدمه لتخزين السلاح.
فشل اتصالات برّي وميقاتي بالأميركيين
لذلك، لا يبدو أن هناك من جدوى للاتصالات التي أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والوسيط الأميركي أموس هوكستين، بكل من برّي وميقاتي، والتي جاءت تحت سقف السعي للتوصل لوقف النار في الجنوب، ما دامت واشنطن باقية على موقفها بإعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل في مواصلتها تدمير القرى الأمامية وتحويلها مناطق محروقة منزوعة من سكانها، وهذا ما أدى إلى انعدام الثقة، كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، بين واشنطن والقيّمين من الجانب اللبناني على الاتصالات لوقف النار، ولم يعد هناك من فرصة لترميمها ما لم تتراجع واشنطن عن دعمها غير المشروط لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.
وتتهم المصادر النيابية واشنطن بالوقوف وراء إصرار نتنياهو على تطبيق القرار «1701»، إنما على طريقته، وتسأل عن مدى صحة ما يتردد حالياً عن أنها تؤيد تعديله على نحو يتناسب مع إعادة ترتيب المنطقة بما يخدم تعزيز نفوذها، وهذا يتطلب منها تقليص دور إيران والتخلص من أذرعها العسكرية، وفي مقدمتها «حزب الله».
هدف إسرائيل تعديل القرار «1701»
وتكشف المصادر ذاتها أن إسرائيل، بمواصلتها اجتياح القرى الأمامية وضغطها على الجيش و«اليونيفيل» لإخلاء مواقعها على طول الخط الأزرق، تهدف إلى إطباق سيطرتها النارية عليها، وصولاً إلى تكريس انتشارها المحدود فيها بعد أن دمّرتها بالكامل وحوّلتها أرضاً محروقاً لا تصلح للعيش ويُمنع على أهلها العودة إليها، وتؤكد أنها تمعن حالياً بتدمير البنية الاقتصادية للجنوب وإفراغه من سكانه، وهذا ما يدعوها للتمادي في اعتداءاتها على المدنيين وارتكابها عدداً من المجازر المتنقلة بين الجنوب والبقاع، مروراً ببلدتي إيطو في قضاء زغرتا والمعيصرة في كسروان – الفتوح.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن إسرائيل تقوم حالياً بتثبيت اجتياحها للقرى الأمامية على عمق يتراوح بين 3 و4 كيلومترات، وهي تحاول الآن السيطرة على التلال والمرتفعات الواقعة في قرى رب ثلاثين ومركبا والطيبة وعديسة، والتي تطل على وادي الحجير الذي يعتبر من أهم الخطوط الدفاعية لـ«حزب الله»، وأخفق الجيش الإسرائيلي في احتلاله في حرب يوليو (تموز) 2006 وتكبد فيه خسائر بشرية، إضافة إلى تدمير العشرات من الدبابات من طراز «ميركافا».
وتؤكد المصادر أن إسرائيل، بغطاء أميركي، تحاول فرض أمر واقع في منطقة العمليات المشتركة للجيش و«اليونيفيل» في جنوب الليطاني، تخطط من خلاله لإدخال تعديلات جوهرية على القرار «1701»، وهذا ما يسمح لها راهناً بفرض حظر الدخول إليها ما لم ترضخ الدولة اللبنانية لشروطها بتحويلها منطقة منزوعة السلاح، خالية من أي وجود عسكري لـ«حزب الله»، ومحصورة بالقوى الأمنية الشرعية بمؤازرة القوات الدولية لتطبيق القرار الأممي، وتقول إن الحزب يتصدى لها لمنعها من أن تطبق سيطرتها عليها، وهذا ما يفسر دخولها وخروجها من القرى من دون أن تتمركز حتى الساعة فيها، بخلاف ما تدّعيه تل أبيب.
تفاهم بين واشنطن ونتنياهو
ولا تؤيد المصادر النيابية الرأي القائل إن نتنياهو يتمرد على رغبة واشنطن في التوصل لوقف النار، وإنه يبتز الإدارة الأميركية الحالية مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وتتهم واشنطن بالتفاهم مع نتنياهو لتعديل القرار «1701» على نحو يُحدث نقلة نوعية تخدم مخططها بإعادة ترتيب أوضاع المنطقة، بما يسمح بانكفاء إيران إلى الداخل ووقف تهديدها لدول الجوار وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وفي هذا السياق، تستبعد مصادر سياسية إمكانية التوصل لوقف النار في المدى المنظور، وتتوقع أن يطول أمد الحرب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، مع أن واشنطن ترى أن هناك ضرورة لتعديل القرار «1701» بما يتناسب مع المرحلة السياسية الجديدة التي يستعد لبنان للدخول فيها، بخلاف تلك القائمة التي أتاحت للحزب السيطرة على أهم مرافق الدولة، ما سمح له بوضع اليد على الجنوب ممسكاً بقرار السلم والحرب الذي أقحم لبنان في مغامرات هو في غنى عنها، وأنه آن الأوان لتعود الدولة إلى الجنوب فعلاً لا قولاً.
هل توافق روسيا والصين وفرنسا؟
لكن المصادر تجد أن هناك صعوبة في تعديل الـ«1701» ما لم يحظَ بموافقة العضوين الدائمين في مجلس الأمن الدولي روسيا والصين، اللذين يحق لهما تعطيله باستخدام «حق النقض»، من دون أن نسقط من حسابنا رد فعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في ضوء خلافه المستعر مع نتنياهو. إخلال واشنطن بوعدها للبنان سمح لإسرائيل بالمضي في حربها ضد «حزب الله» لإحداث تغيير جذري على الأرض، لا يزال محكوماً بمجريات المواجهة في الميدان.
وعليه، كيف يمكن للبنان التعايش مع استمرار الحرب في الجنوب وتداعياتها على المناطق الأخرى، وتحديداً تلك المشمولة بالغارات التي تتعرض لها من حين لآخر؟ وهل يبادر الحزب إلى مراجعة حساباته بتسهيل مهمة التفاوض مع واشنطن في محاولة لثنيها عن موقفها بتعديل الـ«1701» بما يسمح بالتوصل لوقف النار، أو أن ما كُتب أميركياً قد كُتب؟ وهذا ما ينسحب على إيران التي تتحضر لمواجهة الرد الإسرائيلي، في حين أن دعوتها للربط بين غزة والجنوب لا تلقى التجاوب؛ لأن وقف النار هو ما يهم الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ولا يمكن للحزب الخروج عن الإجماع المؤيد لعودة التهدئة للجنوب، بما يسمح للنازحين بالالتحاق بقراهم بدلاً من أن يبقى الألوف منهم في العراء وهم على مشارف حلول فصل الشتاء.