خاص – ما هي حسابات إسرائيل قبل ضرب إيران؟
أكّدت إسرائيل أنّ قرار توجيه ضربة إلى إيران قد اتّخذ، لكنّها ما زالت تدرس حجم الضربة وموعدها. إلّا أنّ وزير الدفاع يوآف غالانت رسم صورة عمّا سيكون عليه الردّ الذي سيأتي “مفاجئاً ودقيقاً وفعّالاً”. ولن يكون هذا الردّ مجرّد انتقام من الهجوم الصاروخي الذي شنّته طهران. إنّما إسرائيل تدفع في اتّجاه أن يؤدّي إلى تداعيات يمكن أن تغيّر في موازين القوى في الشرق الأوسط، أو أن تفرض تنازلات في أيّ تسوية سياسية محتملة.
وبات واضحاً أنّ النقطة التي تشغل بال إسرائيل، والتي تقول إنّها لن تسمح لها بأن تصبح واقعاً، هي توصّل طهران إلى إنتاج السلاح النووي. فهذا يُعتبر خطّاً أحمر بالنسبة إلى تلّ أبيب، خصوصاً أن تقارير عدّة تشير إلى أنّ إيران باتت قريبة جدّاً من تصنيع قنبلة ذرّية. كما أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي قد يصادق على تغيير العقيدة النوويّة لبلاده، بمعنى أنّه سيلغي الفتوى الدينية التي تحرّم السلاح النووي.
أمّا بالنسبة إلى التوقيت، فيبدو أنّ إسرائيل مستعجلة، وتعتبر أنّ عامل الوقت ليس في مصلحتها، إذا كانت طهران فعلاً على وشك إنتاج القنبلة النووية. لذلك، فإنّ الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات الأميركية أو عن موعد تسلّم الرئيس الأميركي الجديد مهامّه، هي فترة مفصليّة بالنسبة إلى اتّخاذ القرار والتنفيذ في ما خصّ الملفّ الإيراني.
ولكن، هناك عوامل عدّة تأخذها الحكومة الإسرائيلية في الحسبان قبل توجيه الضربة إلى طهران، وتحديد حجمها وأهدافها.
1- على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار رأي الولايات المتّحدة، وأن تحصل منها على الضوء الأخضر، على رغم تأكيد بنيامين نتنياهو أنّه سيقرّر الردّ بناء على مصلحة بلاده. وكان الرئيس الأميركي جو بايدن حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي من استهداف المنشآت النووية لإيران، كما نصحه بعدم ضرب المرافق النفطية كذلك. ولكن، واستناداً إلى المنطق السائد في هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرّفة، فإنّ العديد من القرارات التي اتّخذتها كانت في الواقع تجاوزاً للإرادة الأميركية، لا بل هي دفعت واشنطن إلى مجاراتها واستقدام التعزيزات للدفاع عن إسرائيل. وهذا ما يحصل اليوم. إذ أرسلت واشنطن إلى تلّ أبيب مجموعة منظومات “ثاد” للدفاعات الجوّية القادرة على اعتراض الصواريخ البالستية التي يمكن أن تطلقها إيران. وأرسلت معها ضبّاطاً من سلاح الدفاع الجوّي الاميركي لمساعدة الضبّاط الإسرائيليين على تشغيلها. وسيتمّ نصبها في قواعد سلاح الجو ومراكز الاستخبارات، وغيرها من المراكز الاستراتيجية والحسّاسة، بما في ذلك المفاعل النووي ديمونا.
2- تدرس إسرائيل التداعيات التي ستنجم عن الضربة التي ستوجّهها إلى إيران، وما إذا كانت ستؤدّي إلى توسّع نطاق الحرب، وإلى تدحرج الضربات والضربات المضادّة في شكل يدفع الولايات المتّحدة إلى التدخّل المباشر. وفي أيّ حال، فإنّ التدخّل الأميركي فاعل دفاعياً، عبر إرسال منظومة صواريخ “ثاد”، وعبر المساهمة في تفجير الصواريخ إبّان الردّ الإيراني الأوّل.
ولكن الأهمّ، هو معرفة ما إذا كان الهدف من الردّ الإسرائيلي المتوقّع، هو الضغط على إيران لإجبارها على التخلّي عن أذرعها، وعلى رأسها “حزب الله”، أم سيصل الأمر إلى استهداف النظام الإيراني بذاته. ولكلّ من هاتين الحالتين طريقة مختلفة لشكل الضربة الإسرائيلية وحجمها. ولكن هناك معلومات تشير إلى أنّ نتنياهو يعمل على جرّ الإدارة الأميركية إلى الحرب، لأنّ إسقاط النظام أو تغيير سلوكه لا يتمّ من دون مشاركة أميركية. وسيُترك هذا القرار للرئيس الأميركي الجديد. ولكنّ إسرائيل تريد فرض أمر واقع قبل وصول القادم الجديد إلى البيت الأبيض.
3- تعتبر إسرائيل أنّ الأجواء الإقليمية والدوليّة مواتية الآن لإضعاف دور إيران وتحجيمه إلى الداخل الإيراني. وربّما تطمح أيضاً إلى تغيير النظام في طهران. ويعتقد نتنياهو أنّه لن تكون هناك معارضة تُذكر من الدول العربية والخليجية، فيما سوريا صامتة أمام كلّ ما يجري، ولم تحاول التدخّل. ولا تمانع دمشق في إضعاف دور إيران في سوريا، في مقابل قبض ثمن ما. كما أنّ روسيا لا تريد الانخراط في الصراع القائم في المنطقة، ما يفسح المجال أمام إسرائيل للتصرّف.
لم يعد موعد الردّ الإسرائيلي على طهران بعيداً. وقد اكتملت الاستعدادات لذلك. ولكن ما بعد هذا الردّ لن يكون كما قبله. وهو سيكرّس دخول إيران الفعلي في الحرب. أمّا النتائج فمرهونة بالميدان والوقت والإرادة الدولية.