ضعُف “الحزب” لكنه لا يزال خطراً !

ضعُف “الحزب” لكنه لا يزال خطراً !

الكاتب: سركيس نعوم | المصدر: النهار
14 تشرين الأول 2024

يسود اعتقاد في مراكز أبحاث أميركية عدة بأن الهجمات الصاروخية الباليستية الإيرانية التي استهدفت إسرائيل مرتين لا تستطيع إخفاء حقيقة أن “درة تاجها” و”تاج” محور المقاومة التابع لإيران أي “حزب الله” لم يعد كما عرفه العالم. يعني ذلك أن استراتيجيا إيران في تسليح هذه المجموعات ونشرها في المنطقة أصبحت في خطر. ولا يعني ذلك في رأي باحثين كبار فيها أن “حزب الله” الذي فقد عدداً من قادته على يد إسرائيل وشهد بعض تدهور في قدراته العسكرية قد صار ضعيفاً، إذ لا يزال مقاتلوه بالآلاف وترسانته الصاروخية لا تزال مهمة. وهو يتوق الى الانتقام من إسرائيل، وقد بدأ ذلك فعلاً بعد بدئها هجومها البري على الحدود الجنوبية للبنان، إذ صدّ مقاتلوه بشراسة وحدات عسكرية إسرائيلية حاولت البحث عن مواقع وقرى تنطلق منها نحو الداخل اللبناني.

طبعاً يرى هؤلاء الباحثون أن جيش إسرائيل حقّق نجاحات مهمة على الصعيد المذكور تجعله قادراً على شنّ هجومه العسكري الكبير. لكن الواقع الميداني يشير الى أنه واجه ولا يزال يواجه صداً قوياً وكبيراً من مقاتلي “الحزب”، كما واجهت إسرائيل ومدنها الشمالية والوسطية هجمات صاروخية متكرّرة لم تقتصر هذه المرة على المنشآت العسكرية الإسرائيلية، إذ طاولت المدنيين في مدنهم والقرى وبأعداد كبيرة من الصواريخ الدقيقة وغير الدقيقة كما المسيّرات. هذا أمرٌ تعترف به إسرائيل يومياً ومعها الباحثون الأميركيون الكبار أنفسهم. لكنهم يؤكدون أن ذلك لن يدوم، إذ إن الترسانة العسكرية الإسرائيلية كبيرة جداً ومتنوعة جداً، والولايات المتحدة حليفتها الأولى في العالم سوف تستمر في تزويدها بكل ما ينقصها وما يلزمها من أسلحة.

هذا فضلاً عن استعدادها التام لمؤازرتها عسكرياً مباشرةً عند الحاجة. وهو لن يدوم أيضاً لأن لإسرائيل هيمنة استخبارية كبيرة جداً من جرّاء التحوّل الكبير عندها في أساليب جمع المعلومات الاستخبارية بعد آخر حرب مع “حزب الله” عام 2006. في هذا المجال يقول المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون إن “حزب الله” فقد نصف مخزونه من الصواريخ في الأسابيع الأخيرة لكنه لا يزال يحتفظ بترسانة الطائرات المسيّرة للاستطلاع والهجوم وما بين ستين ألف صاروخ وقذيفة الى مئة ألف. وهو لا يزال قادراً على إطلاقها على إسرائيل.

هذه الترسانة الصاروخية تبقى خطيرة للغاية على شمال إسرائيل ووسطها وربما على جنوبها. لكن المسؤولين الأميركيين يقولون إن بنية “القيادة والسيطرة” لـ”الحزب” قد تضرّرت بشدة في الأسابيع الأخيرة. ولم يبقَ سوى عدد قليل من القادة القادرين على إصدار أوامر بإطلاق الصواريخ. الى ذلك يعتقد الأميركيون، استناداً الى الباحثين أنفسهم، أن إسرائيل فكّكت البنية الهجومية لـ”الحزب” في جنوب لبنان وقد يكون صعباً للغاية عليه تنفيذ هجوم كبير عبر الحدود اليوم.

هل سيحاول “حزب الله” الانتقام لقتل (استشهاد) أمينه العام الأبرز السيد حسن نصرالله وسط انتكاساته العسكرية الأخيرة؟ قد يعود الى الإرهاب الدولي في رأي الباحثين. و”الوحدة 910″ المعروفة أيضاً باسم “الجهاد الإسلامي” أو “منظمة الأمن الخارجي” لا تزال موجودة وهي مسؤولة عن المخططات الإرهابية العالمية ولها قائد ونائب له معروفان بالاسم في واشنطن وتل أبيب. وقد حدّد علي كوراني عضو “حزب الله” المعتقل في نيويورك منذ عام 2017 والمُدان بالإرهاب الظروف التي يمكن ان تجعله يتلقى أوامر بتنفيذ هجوم داخل الولايات المتحدة بعد سؤاله عن ذلك بقوله: “اغتيال السيد حسن نصرالله أو حرب بين إسرائيل وإيران”. وذلك وضع مشابه للوضع الراهن بين لبنان وإسرائيل وفي المنطقة.

في أي حال، يختم الباحثون الأميركيون بالقول إن “حزب الله” لم ينتهِ بعد لكنه لن يكون على الأرجح التنظيم الذي كانه قبل أسابيع. فإعادة ترتيب أوضاعه تحتاج الى وقت وكذلك اكتساب أعضائه وقياداته الخبرة اللازمة، فضلاً عن أن من سيخلف نصرالله لن يكون “بكاريزميته” ومهارته. كما لن يكون سهلاً استبدال الأنفاق والبنى الأساسية الأخرى التي بناها “الحزب” خلال سنوات كثيرة وتضررت أو دُمرت أخيراً. لكن المعيار الحقيقي لمعرفة إن كان سينجح في إعادة بناء نفسه وإن خلال سنوات هو استمرار قدرة إيران على إعادة تزويده بترسانةٍ متطوّرة وأموال ضخمة. علماً بأن شبكة وكلائها من “حزب الله” الى “حماس” و”الحوثيين” اليمنيين ستبقى على الخطورة التي تشكّلها حالياً، لذلك يجب أن ينصبّ عمل الحكومات الغربية على ضرب قدرة طهران على تسليح هؤلاء وتمويلهم.