أزمة “معبر المصنع” تشل التصدير برّاً والمزارع يدفع الثمن

أزمة “معبر المصنع” تشل التصدير برّاً والمزارع يدفع الثمن

الكاتب: لوسي بارسخيان | المصدر: المدن
13 تشرين الأول 2024
لولا العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الطريق الدولية الفاصلة بين لبنان وسوريا عند معبر المصنع الحدودي فجر 4 تشرين الجاري، كان يفترض أن يبدأ رسمياً تدفق موسم التفاح اللبناني إلى الأردن، وموز الجنوب إلى سوريا، بموازاة استمرار انسياب سائر البضائع إلى الأردن والعراق. غير ان “العدوان الإسرائيلي” شل حركة التصدير البري عبر هذا المعبر، ليدفع المزارع الثمن مجدداً، كمتضرر أساسي من كل أزمة لحقت بمعبر لبنان البري الرئيسي إلى الدول العربية والخليج العربي.

خاض لبنان شتى أنواع التجارب مع إغلاق هذا المعبر، سواء بدوافع سياسية أو أمنية واقتصادية. وقد ترجم المصنع في مراحل عديدة مواقف السلطات السورية من الطبقة السياسية الحاكمة، التي انعكست من خلال إجراءاتها في منطقة جديدة يابوس المحاذية لمعبر لبنان، سواء بتسيير حركته أو عرقلته، فشكل وسيلة لتمرير رسائل النظام السوري منذ انسحاب جيشه من لبنان في العام 2004.

التصدير عبر المصنع
ومع أن قرار المملكة العربية السعودية الذي قلص حجم عمل السلطات الحدودية في هذه المحلة إلى حدّه الأدنى اعتبر من أصعب القرارات على المصدّرين اللبنانيين، إعتقد الكثيرون أن الغارات الإسرائيلية التي أغلقت هذا المعبر الرئيسي للبنان في حرب تموز 2006 لا تتكرر. ولكنها تكررت، وفي ظل ظروف قاسية على اللبنانيين عموماً وعلى قطاع الإنتاج الزراعي وما يرتبط به من سلسلة مصالح إنتاجية وخدماتية، ضيقت الأفق على سائقي الشاحنات المبردة، وزادت من مشقاتهم في الوصول إلى معابر بديلة ومن بينها معبر العبودية في شمال لبنان.

لم تكن حركة التصدير عبر بوابة المصنع بأفضل حالاتها مؤخراً فهي قد تراجعت بنحو عشرة أضعاف منذ القرار الذي اتخذته السعودية بوقف استيراد البضائع اللبنانية، ومنعها برادات التصدير حتى من عبور أراضيها باتجاه دول الخليج العربي والإمارات. قاطعت السعودية المنتجات اللبنانية منذ العام 2021، إثر ضبطها عمليات تهريب منظمة للممنوعات في الشاحنات المبردة، وعليه فإن حركة التصدير البري إليها متوقفة كليا منذ أكثر من سنتين، وهذا ما قلص من أسواق الإنتاج اللبناني في دول الخليج العربي، حتى بعد أن وجد بعض هذا الإنتاج طرقاً بديلة عبر البحر.

الرزنامة الزراعية
ولكن على رغم من ضيق الفرص أمام نقل الإنتاج اللبناني براً، كان من المتوقع أن يرتفع حجم الصادرات عبر بوابة المصنع بدءاً من أواخر شهر أيلول وحتى نهاية العام. فالرزنامة الزراعية مع الأردن خصوصاً في هذه الفترة من السنة هي لمصلحة لبنان، وهناك صادرات تتجه أيضاً إلى سوريا، وإلى العراق، حتى لو كانت البضائع إلى البلد الأخير تفرغ على الحدود ليتم نقلها بشاحنات غير لبنانية. أما اليوم فقد توقفت حركة التصدير عبر هذه البوابة التي تشكل معبر الإنتاج الزراعي الأسرع والأسهل، وبات عبورها متاحاً فقط امام المشاة من مواطنين لبنانيين لجأوا إلى سوريا كملاذ آمن، أو لاجئين سوريين عائدين إلى بلادهم.

بحسب رئيس تجمع مزارعي البقاع ابراهيم الترشيشي، “تتقدم سلامة الناس كل أولوية اليوم، وبالتالي لم نعد نحسب حجم الخسائر”. ولكنه يشير إلى أن “إغلاق طريق المصنع لا شك أنه سيزيد الأعباء على عمليات التصدير، من دون أن يوقفها نهائياً، خصوصاً أنه لا زالت هناك إمكانية للتصدير عبر معبر العبودية شمالاً، حتى لو إستغرق ذلك مزيداً من الوقت وتحمل المخاطر بالنسبة لسائقي الشاحنات المبردة”.
ويشرح الترشيشي أن معبر المصنع هو الشرعي الوحيد مئة بالمئة، وهو موضوع تحت رقابة كل الأجهزة الأمنية، من أمن عام، أمن دولة، مخابرات جيش، بالإضافة إلى ما تخضع له البضائع من رقابة الأجهزة الصحية. وبالتالي يجزم الترشيشي بأن هذا المعبر لا يمكن أن يكون عرضة للفلتان.

الإنتاج المصدّر
يلفت الترشيشي الإنتباه إلى أن كمية الإنتاج المصدر عبر هذا المعبر كانت سابقاً تصل إلى ثلاثة آلاف طن يومياً، ولكن هذا الرقم تراجع إلى نحو 400 طن كحد أقصى، إثر قرار الحظر الذي فرضته السلطات السعودية على الصادرات اللبنانية. أما التداعيات المرتقبة بعد الغارة على المصنع فهي في مضاعفة المشقة على سائقي برادات التصدير، الذين سيضطرون لسلوك الطريق باتجاه الشمال أولاً، لينتقلوا عبر بوابة العبودية إلى حمص، ومنها إلى سوريا وبالتالي الأردن، أي أننا نتحدث عن 48 ساعة لإجتياز الحدود اللبنانية، بينما الشاحنة تصل عبر المصنع إلى سوريا في ساعات قليلة.

13 في المئة هو حجم الصادرات عبر بوابة المصنع وفقاً لرئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في البقاع منير التيني، وكان هذا الرقم مرشحاً لأن يرتفع إلى 25 في المئة بدءاً من الثلث الأخير من شهر أيلول مع بدء تطبيق الرزنامة الزراعية لتصدير التفاح اللبناني إلى الأردن، والموز إلى سوريا، مما يعني أن الضرر وقع هذه المرة على مزارعي ساحل المتن والجنوب اللبناني، وفي أوقات الذروة لتصدير هذا الإنتاج.

وكان المزارعون والمصدرون اللبنانيون قد إحتاجوا وقتاً وجهداً إضافياً ليتأقلموا مع الواقع، ويقنعوا الأسواق المفتوحة في الخارج بالبدائل المتاحة لإيصال منتجاتهم عبر البحر وأوقاتها، خصوصاً بسبب ما يستغرقه البحر من وقت أطول وبالتالي كلفة أعلى. أصبح هذا الخيار الأول الآن بالنسبة للمصدرين، بحيث بات 65 في المئة من الإنتاج الزراعي يصدر بالعبارات وفقاً للتيني. إلا أن ذلك كما يقول لا يمكن أن يشمل كل أنواع الزراعات خصوصاً أن جزءاً منه يتلف بسرعة ولا يتحمل الرحلة الطويلة حول الجزيرة العربية للوصول إلى الامارات وقطر وموانئها.

بعد أن انحصرت وجهة تصدير إنتاج الخضار والفاكهة اللبنانية براً حالياً بسوريا والأردن والعراق، التي تستورد أيضاً البطاطا والبصل، يخشى المزارعون من أن يلحق إغلاق معبر المصنع خللاً بالكميات التي تحتاجها أسواقها وفي أوقات وصولها، ما يمكن أن يدفعها للبحث عن تأمين حاجات أسواقها من مصادر مختلفة، وهذا ما يضيق الأفق بشكل أكبر أمام تصريف الإنتاج اللبناني.