«رشقة» ديبلوماسية تُعْلي الـ 1559 لوقف الحرب ولبنان «يحتمي» بالـ 1701

«رشقة» ديبلوماسية تُعْلي الـ 1559 لوقف الحرب ولبنان «يحتمي» بالـ 1701

المصدر: الراي الكويتية
13 تشرين الأول 2024

… عَيْناً على ركامٍ من دم ودمار وزنار نار أطْبَقَ للمرة الأولى على كامل الخريطة اللبنانية من، الجنوب إلى الشمال، مروراً بجبل لبنان وقلب بيروت وضاحيتها الجنوبية، وصولاً إلى البقاع، وعَيْناً أخرى على مسارٍ دبلوماسي شائك يتلمّس أولى خطواتٍ وكأنها لـ «جسّ النبض» فوق جَمْرِ «حرب لبنان الثالثة» الموصولة بـ «برميل البارود» الذي انفجر في 7 أكتوبر 2023 والتي توشك أن تجرّ إيران إلى الانغماس «في الوعاء المَغْلي» بحال جاء الردُّ الإسرائيلي المرتقب على هجومها الصاروخي أقوى من إمكان «تجرُّعه» بلغة «سنردّ بدورنا ولكن في المكان والزمان المناسبيْن».

هكذا كان المَشهدُ في لبنان، مشدوداً إلى:

– الميدان الذي اشتعل على مسارين وأثار ارتياباً كبيراً على ثالث، الأول الاجتياح الجوي الذي تَرَكَ بيروت تتخبّط في دمِ أكثر من 22 ضحية (بينهم أطفال ونساء) و120 جريحاً سقطوا في الغارة على منطقة البسطة في عمق بيروت التي استهدفتْ الناظمَ السياسي والأمني لعلاقات «حزب الله» الداخلية وفيق صفا (مساء الخميس) والذي تمدّد أمس، نحو منطقة دير بلا (البترون – محافظة الشمال التي لم يسبق أن تم استهدافها) حيث سقط 3 ضحايا و 4 جرحى، وعاود الضربَ في الشوف ولكن في منطقة برجا التي دخلت للمرة الأولى في «عين العاصفة» وسقط فيها 4 ضحايا و14 جريحاً، وفي المعيصرة (أعالي كسروان) حيث قضى 5 أشخاص وجُرح 14.

والثاني استمرار الغارات بقاعاً حتى الهرمل، وجنوباً حيث شكّلت غطاءً لغزوٍ بَري يَمْضي الجيشُ الإسرائيلي في محاولةِ التعمّق فيه أبعد من الحافة الحدودية التي تَجاوَزَها في بعض النقاط مع ملامح خطة لقطع طرق وكأنها لقطع الأوصال وترسيم قطاعاتٍ للعمليات العسكرية، بالتوازي مع اشتباكاتٍ ضارية مع «حزب الله» الذي كثّف رشقاته الصاروخية نحو شمال إسرائيل خصوصاً حيفا وعكا وصفد وطبريا وصولاً إلى تل أبيب (عبر مسيرتين)، مع استنساخٍ لنمط تهديد إسرائيل سكان الضاحية الجنوبية بوجوب إخلاء مربعات سكنية قبل ضرب أهداف فيها، وذلك من خلال اتهامه الجيش الإسرائيلي باتخاذ منازل في بعض مناطق الشمال كمراكز «تجمع لضباطه وجنوده»، وكذلك «تواجد قواعده العسكرية التي تدير العدوان على لبنان داخل أحياء» سكنية في مدن كبرى (مثل حيفا وطبريا وعكا) داعياً السكان للابتعاد عنها حفاظاً على حياتهم وحتى إشعار آخر.

أما المسار الثالث فهو تعمُّد إسرائيل – التي عمّمتْ في الساعات الماضية أشرطة فيديو لرئيس أركان جيشها هيرتسي هاليفي يُجْري اجتماعاً مع رئيس الشاباك رونين بار زُعم أنه داخل حدود لبنان بالتوازي مع فيديوات للناطق العسكري دانيال هاغاري قيل إنها في جولة في المقلب اللبناني – قَصْفَ مواقع اضافية لقوة«اليونيفيل»ولا سيما في الناقورة (القطاع الغربي) التي يَسعى جيشها للتوغل اليها من راس الناقورة وراميا وامتداد الأخيرة في القطاع الشرقي (رميش وعيتا الشعب).

«آثار كارثية»

وفيما أكد الناطق باسم القوة الدولية أندريا«الأمر صعب للغاية، هناك الكثير من الأضرار حتى داخل ‏القواعد. الليلة (قبل) الماضية، تم تدمير حاويات داخل موقع قوات حفظ ‏السلام الغانية جراء انفجار خارجها»، أفادت«اليونيفيل»أمس عن إصابة جندي بنيران غير ‏معروفة المصدر (الجمعة) في جنوب لبنان، وهو الجريح الخامس في ‏عديدها في يومين، محذرة من نزاع«إقليمي»له آثار«كارثية على الجميع». ‏

ويتمّ التعاطي مع استهداف «اليونيفيل» بالتوازي مع قصف مواقع للجيش اللبناني الذي سقط له جنديان وجُرح آخران داخل مركز له في بلدة كفرا الجنوبية، على أنه ضغط لسحب هاتين القوتين من الحافة الأمامية كي يكمل الجيش الإسرائيلي مهمته بعيداً من «عيون» الذراعين التنفيذيتين للقرار 1701 الذي بات واضحاً أن تل أبيب صارت تعتبره «ورقة محروقة» تسعى «بالنار» إلى تفاهماتٍ أكثر شمولية لتحكم اليوم التالي لبنانياً وصولاً إلى تطبيق القرار 1559 (نزع سلاح حزب الله والذي يشكل أحد مرتكزات الـ 1701) وفرض وقف تهريب السلاح عبر المعابر البرية والبحرية.

«التحشيد الدبلوماسي»

وإذ كان الداخل اللبناني وتحديداً رئيس البرلمان نبيه بري (المفوّض من «حزب الله» إدارة التفاوض حول وقف النار) يرسم«خط دفاع هجومياً»أمام أي ترسيم سياسي لمرحلة ما بعد الحرب وفق «الخط 1559» بإعلانه «القرار الوحيد هو 1701»، أما القرار 1559 فصار ورانا و«ينذكر ما ينعاد»، كان بارزاً «التحشيد الدبلوماسي» الأعلى منذ بدء إسرائيل مرحلة الاجتياح الجوي ثم التوغل البري وما بينهما من اغتيالات خصوصاً للسيد حسن نصرالله.

وتمثّل هذا الأمر في أول إطلالة أميركية مباشرة على جبهة لبنان باتصالين أجراهما وزير الخارجية انتوني بلينكن بكل من بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومعاودة الموفد آموس هوكشتاين تفعيل مشاوراته مع الأطراف اللبنانية، بالتوازي مع بقاء باريس في وضعية «ألو بيروت» عبر «الهاتف الساخن» وعلى طرفه الفرنسي الرئيس ايمانويل ماكرون، وليس انتهاءً بمعاودة طهران توجيه إشاراتٍ من بيروت بأنها باتت تأخذ الأمور «بيدها» في ما خص الواقع اللبناني ووضعية «حزب الله» ومعركته مع إسرائيل.

وفي الوقت الذي أعلن أن اتصالاً حصل بين ماكرون وبري الذي أكد «الموقف الرسمي اللبناني الذي تبنّتْه الحكومة اللبنانية المُطالِب بوقف فوري للنار ونشر الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية تطبيقاً للقرار الأممي 1701»، فإنّ المعلومات الرسمية عن اتصال هوكشتاين بميقاتي أشارت إلى أن النقاش تمحور حول «سبل التوصل إلى وقف النار ووقف المواجهات العسكرية، للعودة إلى البحث في حل سياسي متكامل ينطلق من تطبيق الـ 1701».

وحمل تعبير «ينطلق من الـ 1701» مؤشرات إلى أن هذا القرار لم يعد كافياً ليشكل الإطار «مكتمل المواصفات» لوقف الحرب وإيجاد حل مستدام كرّس كلام بلينكن من لاوس التكامل الأميركي – الإسرائيلي في النظرة إلى مرتكزاته على قاعدة أن يكون تقويض القدرات العسكرية لحزب الله مدخلاً لتقويض نفوذه السياسي وإنهاء الشغور الرئاسي المتمادي منذ نحو عامين وفتْح طريق تطبيق سلّة القرارات الدولية التي ترعى قيام دولة لبنانية بلا أي «شريك» لها عسكرياً، خصوصاً الـ 1559.

واستوقف أوساطاً واسعة الاطلاع كلام بلينكن عن أن «أحد التحديات الرئيسية التي شهدناها في لبنان هو أن حزب الله استولى فعلاً على عدد من وظائف الدولة، ولا سيما عبر التمسك بسلاحه وهذا ما ينبغي ألا تكون عليه الحال».

وإذ ذكّر بأن إسرائيل خرجت من لبنان عام 2000، لفت إلى أنه كان جزءاً من إخراج إسرائيل التوصل إلى تفاهماتٍ مهمة (عادت و) وردتْ في قراريْ مجلس الأمن 1701 و1559، والتي كان من شأنها أن تضمن عدم وجود قوات على الحدود – وبالتأكيد ليس قوات غير نظامية مثل (حزب الله) – وجهات فاعلة غير حكومية يُفترض نزع سلاحها. وهذا لم يحدث، وظل (حزب الله) يشكل تهديداً مستمراً لإسرائيل.

وأكد بلينكن أنه«انخرط في محادثات مع بلدان في مختلف أنحاء المنطقة ومع اللبنانيين أنفسهم»، واستخلص منها«ان هناك رغبة قوية، ليس فقط من جانب عدد من البلدان التي تشعر بالقلق إزاء لبنان، بل أيضاً من جانب اللبنانيين أنفسهم في رؤية الدولة تقف على قدميها وتثبت حضورها وتتحمل المسؤولية عن حياة مواطنيها، بما في ذلك عبر ملء الشغور الرئاسي (…)».

زيارة قاليباف

وبكشف بلينكن الصريح لخلفيات التحرك الأميركي ورؤية واشنطن للحل في لبنان، يمكن فهْم سرّ حرص طهران على إظهار إحاطة«ميدانية»بالواقع اللبناني عبر إيفادها في غضون 8 أيام وزير الخارجية عباس عراقجي (أكد تزامن وقف النار بين لبنان وغزة) ثم أمس رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في الوقت الذي يترسخ الاقتناع بأن «خط الدفاع» عن إيران التي تتهيأ لضربة إسرائيلية، بقي منسوبها غامضاً، صار في جنوب لبنان والمواجهات التي يخوضها «حزب الله» عنها وعموم المحور.

وحرص قاليباف، الطيار السابق في الحرس الثوري، على توجيه رسالتين بارزتين في الشكل، أولهما قيادته بنفسه الطائرة الإيرانية التي وصل بها إلى لبنان، في ما بدا تحدياً لتحذيرات إسرائيلية سابقة من دخول أي طائرات إيرانية يُخشى أنها تحمل سلاحاً أو مساعدات للحزب إلى مطار بيروت.

والثانية زيارته موقع الغارة الإسرائيلية في منطقة البسطا حيث استُهدف وفيق صفا الذي مازال مصيره مجهولاً رغم تقارير عن أنه أصيب في الغارة (ترافقت مع غارة ثانية على منطقة النويري) وأنه في حالة حرجة.

وإذ أعلن قاليباف من مطار بيروت «أتيتُ بدعوة من الرئيس بري ومن هنا سأنطلق إلى جنيف لأنقل معاناة ومظلومية الشعبين اللبناني والفلسطيني»، شدد من أمام الركام في البسطة على أنه يحمل رسالة دعم من بلاده إلى لبنان وشعبه، مؤكداً وقوف إيران إلى جانب الللبنانيين.

وأضاف أن طهران«ستقدّم كل ما في استطاعتها لمساعدة اللبنانيين».

وفيما أكد ميقاتي لضيفه الإيراني «أن أولويات الحكومة في هذه المرحلة هي العمل على وقف النار ووقف العدوان الإسرائيلي والحفاظ على أمن لبنان وسلامة أبنائه»، قال قاليباف عقب لقائه بري «انني أحمل معي رسالة بأن إيران ستبقى وتظل واقفة إلى جانب لبنان حكومة وشعباً في كل هذه الظروف الصعبة»، معلناً«أن طهران ستظل تدعم القرارات اللبنانية سواء من حكومتها أو الصادرة من المقاومة وشعب لبنان».