خاص – القرار 1701: لا أحد يريده سوى إيران

خاص – القرار 1701: لا أحد يريده سوى إيران

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
12 تشرين الأول 2024

من المفارقات أن يكون العرض الذي قدّمه لبنان، أي “حزب الله”، ومن ورائه إيران، هو التطبيق الكامل للقرار الدولي 1701، بعدما كان العالم، وعلى رأسه الولايات المتّحدة، هو الذي يدعو لبنان أو الحزب إلى تنفيذ هذا القرار، ولكن لم يكن ثمّة تجاوب.

ومن هنا، فإنّ إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي موافقة الحزب على تطبيق القرار الدوليّ بحذافيره، أتى متأخّراً جدّاً. فالتطوّرات في الميدان تجاوزت هذا المطلب بأشواط. ومنذ أن قرّرت إسرائيل أنّ الجبهة اللبنانية أصبحت هي جبهة الحرب الأساسية، لم تعد تلّ أبيب ترضى بمجرّد انسحاب عناصر الحزب وأسلحته إلى شمال الليطاني، ونشر الجيش اللبناني في المنطقة الحدوديّة، لأنّها باتت تعتبر ذلك غير كافٍ لضمان أمنها على المدى البعيد.

ولو أنّ الحزب تجاوب منذ البداية مع وقف إسناد غزّة، وانسحبت عناصره إلى ما بعد الليطاني، ولو أنّه سحب سلاحه الثقيل من هذه المساحة، لكان وفّر على نفسه ما وصل إليه اليوم، من القضاء على معظم قيادته، وتدمير قسم كبير من بنيته التحتيّة. وكان احتفظ بسلاحه وقوّته، ونزع الذرائع من أمام إسرائيل لتدمير الجنوب والضاحية. ولكن، إصرار طهران على إبقاء الجبهة مفتوحة، عبر دفع الحزب إلى رفض كلّ المبادرات، بدءاً بمبادرة آموس هوكشتاين، جعل الأمور تتطوّر إلى صراع أكثر عنفاً، وإلى فتح حرب واسعة على لبنان. وبعدما انخرطت إسرائيل في هذه الحرب بقوّة، و”حقّقت” ما تعتبره نجاحاً كبيراً في إضعاف بنية  الحزب، طوّرت أهدافها وطموحاتها، وصولاً إلى المطالبة عمليّاً بتطبيق القرار 1559، الذي ينصّ على نزع كلّ سلاح خارج السلاح الشرعي، أي نزع سلاح الحزب. وصار القرار 1701 بالنسبة إليها من الماضي.

وحتّى الولايات المتّحدة التي كانت تشدّد على ضرورة تطبيق القرار 1701، صارت مقتنعة بوجهة النظر الإسرائيلية. وعلى رغم البيانات الأميركيّة الروتينيّة الداعية إلى حلّ الصراعات بالطرق الدبلوماسيّة، وتجنّب إستهداف المدنيين، فإنّ واشنطن منحت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لضرب الحزب. وقال المتحدّث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميللر: “ما نريد أن نراه في نهاية المطاف هو أن يتمكّن لبنان من كسر قبضة حزب الله على البلاد، وإزالة حقّ النقض الذي يتمتّع به في ما يتعلّق باختيار رئيس للجمهورية”. وهذا لا يتحقّق في نهاية المطاف، ما دام الحزب يمتلك السلاح، ويستقوي به على القوى اللبنانية الأخرى.

وفيما لم تُعرف تفاصيل كافية عمّا دار في الاتّصال الأخير الذي دام 50 دقيقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فإنّ فحوى الأجواء التي سادته، هو دعم البيت الأبيض لحرب إسرائيل على الحزب، حتّى إضعافه. كما أخذ الرئيس الأميركي علماً بنيّة إسرائيل توجيه ضربة إلى إيران. وجلّ ما تمنّاه على نتنياهو، هو تجنّب المدنيين قدر المستطاع في لبنان، وتحاشي ضرب المواقع النوويّة في إيران.

ولذلك، يبدو المسار الدبلوماسي الذي يتحدّث عنه ميقاتي بعيداً عن الواقع، ولا مجال للتجاوب معه. حتّى أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي تواصل مع رئيس الحكومة اللبناني، وأيضاً مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، لم يستطع أن يقدّم أيّ ضمانات على صعيد وقف النار.

ويُتوقّع تبعاً لهذه المعطيات، أن يتعرّض لبنان لموجة جديدة أكثر إياماً من الغارات والقصف. وربّما يوسّع الجيش الإسرائيلي دائرة أهدافه، ليطال مثلاً طرق الإمداد كالمطار والمرفأ، بعدما عطّل طريق المصنع الحدودي مع سوريا. وهو بذلك، يعرّض البلاد لحصار تموينيّ، يضاعف من شدّ  الخناق على الحزب واللبنانيين معاً. كما أنّ إسرائيل ستمضي جنوباً، على رغم المقاومة التي تواجهها، في خطّتها لاحتلال مساحة تمتدّ إلى الليطاني في أقلّ تقدير، من أجل تحويلها إلى منطقة عازلة. وما التعرّض لقوّات اليونيفيل بالقصف المباشر سوى أحد السبل للوصول إلى هذا الهدف.

في هذا الوقت، تبدو إيران مصرّة على متابعة التصعيد عبر الساحة اللبنانية، وعلى الصبر والصمود، ولو سقط المزيد من القتلى في صفوف الحزب وبين المدنيين اللبنانيين، ولو تدمّرت البلاد فوق رؤوس أهلها. ومن هنا، يأتي طرحها القبول بتطبيق القرار 1701، الذي أُعلن على لسان ميقاتي، من باب استمرار المناورة. فهذا القرار، كما هو، يمكن خرقه مع مرور الوقت، كما حصل ما بعد العام 2006. ولذلك، لم يعد أحد مقتنعاً بفاعليته.

ولكن، هل تعي طهران أنّ لا أحد سواها ما زال يتحدّث عن هذا القرار، فيما وضعته تلّ أبيب خلفها، بتأييد أميركي، وهي ماضية في الحرب على لبنان، وتخطّط لأبعد من ذلك أيضاً؟