في غياب الوسطاء: من يضمن حجم عمق الغزو الاسرائيلي؟
على وقع مجموعة المواجهات القائمة على بعض المحاور الجنوبية بين الجيش الاسرائيلي وعناصر المقاومة، تستعد المراجع الرسمية الى ما هو أسوأ إن قرّرت تل أبيب المضي في غزوتها بلا كوابح عسكرية ولا حدود جغرافية، في غياب اتفاق لوقف النار تزامناً مع غزة او من دونها. وما عزز المخاوف غياب الوسيط الاميركي عاموس هوكشتاين عن السمع، بعدما نفى المسؤولون اجراء اي اتصال معه وسط معلومات عن تفكيك فريقه، وهو ما انعكس فقداناً للاتصال مع أصدقائه. وعليه ما هي جدّية هذه المخاوف ومداها؟
أصرّ بعض المسؤولين اللبنانيين في الايام القليلة الماضية ومن بينهم رئيسا مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، على نفي المعلومات التي تحدثت عن طروحات أميركية جديدة نقلها هوكشتاين منذ أن نقل تحذيره الأكثر جدّية وخطورة بضرورة إعلان وقف النار ومعه حرب “الإلهاء والإسناد” من جانب “حزب الله” والخطوات الضرورية قبل أن تتفلّت الأمور إلى درجة لا يمكن لجمها قياساً على حجم المخاوف التي عبّر عنها في زيارته لبيروت نهاية تموز الماضي التي سبقت اغتيال القائد العسكري للحزب فؤاد شكر قبل ساعات قليلة على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية في طهران ليل 30 ـ 31 تموز الماضي.
وفي المعلومات التفصيلية، قالت المصادر العليمة إنّ رسالة هوكشتاين التي وصلت إلى المسؤولين اللبنانيين في 16 ايلول الماضي، والتي ترافقت مع لقاءاته الاخيرة المعلنة للمرّة الاولى في تل ابيب مع كل من رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت للبحث في ما سمّته المراجع الديبلوماسية والسياسية التطورات على الحدود الإسرائيلية مع لبنان، في ظل تصاعد الخلاف داخل الحكومة بين الرجلين، والاقتناع الذي تولّد بأنّها بلغت درجة بات من المستحيل تطويقها ما لم يذهب الجميع الى المواجهة القاسية مع “حزب الله” في جنوب لبنان وعدم الإذعان لأي دعوة تقود الى وقف النار كما قال عدد من الوزراء المتشدّدين فيها.
وبالفعل، فإنّ العودة الى تلك اللحظات التي سبقت اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعشرة ايام تقريباً، كانت كل التحضيرات قد أُنجزت للتصعيد. وفي الوقت الذي نُقل عن نتنياهو قوله لهوكشتاين بلا اي مواربة بـ “انّ الخيارات الديبلوماسية مع لبنان قد طويت نهائياً”، كما نُقل عن غالانت قوله له “إنّ العمل العسكري هو السبيل الوحيد لإعادة سكان الشمال الى بيوتهم”. وهو ما ترجمته تل أبيب في اليوم التالي بتفجير شبكتي النداء “البيجر” واللاسلكي “ووكي توكي” عصر الثلاثاء في 17 ايلول، قبل ساعات قليلة على مغادرة هوكشتاين تل ابيب متوجّهاً الى جهة مجهولة، ولم يعد يُسمع منه اي رأي او نصيحة او معلومة على رغم من تدحرج الأمور الى ما يجري في الضاحية الجنوبية منذ تلك اللحظة وصولاً الى اليوم، بما فيها الاغتيالات التي طاولت نصرالله وبقية القياديين في الحزب بمن فيهم رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين ومعه مجموعة من قادة الحرس الثوري الإيراني ومن مسؤولين في مواقع حزبية مختلفة، في انتظار ما يؤكّد وينفي ما تعرّضوا له في الضربة التي لم يقترب منها أحد من عمال الإغاثة ورفع الانقاض حتى اليوم.
على هذه الخلفيات تركّزت القراءات السياسية والاستراتيجية على محاولة فهم العقل الاسرائيلي وما يمكن أن يقوم به الجيش، فبعض الديبلوماسيين الغربيين اعتبروا في قراءتهم لتوغله البري المحدود في بعض النقاط الحدودية على شكل عمليات كرّ وفرّ شكّلت “إنعاشاً” لمعنويات “حزب الله” بعد الضربات التي استهدفت قيادته في الضاحية الجنوبية من بيروت والاراضي السورية، من دون النظر الى المخاطر المترتبة على اعادة احتلال إسرائيل للمنطقة، وما يمكن أن يستجرّه من مصاعب على مستوى التفاهم المحتمل على تثبيت وتظهير الحدود البرية، لأنّ مثل هذا الواقع الجديد قد يؤدي الى تعقيد الامور امام الحكومة اللبنانية التي تسعى لتوفير المخرج من الحرب الذي اقتيد لبنان اليها بلعبة اقليمية من دون أن يكون لها اي رأي فيها. في ظل استغراب مطالبتها بوقف للنار، وهي ليست من اعلن هذه الحرب وقد رفضتها منذ اللحظة الاولى، وانّ المجتمع الدولي هو من أعاد الربط بين عمليات الحزب والحكومة اللبنانية بعد انتهاء فترة كان يعفي فيها الحكومات من أفعال المقاومة وقبلها الفلسطينية ونظيراتهما لسنوات خلت.
والى هذه المخاوف، فقد نُقل عن مرجع سياسي لبناني كبير يحمل أكثر من صفة سياسية وحزبية ورسمية، جملة مخاوف من أي اجتياح اسرائيلي جديد للمناطق التي تحرّرت قبل عقدين ونصف. ذلك أنّه وإن انطلقت هذه العملية لن تتوقف عند حدود معينة وبعمق محدود على شكل شريط مدمّر، وقد “يفاجئنا نتنياهو بعملية تصل الى مجرى نهر الليطاني وربما الى أبعد منه”. وهي عملية ستكون مغايرة لكل أشكال الحرب التي شهدنا فصولاً منها حتى اليوم عشية عبور عامها الثاني اليوم.
وقالت هذه الشخصية أمام زوارها، إنّ المخاوف من مثل هذه الخطة ستكون اكبر بكثير إن استمر غياب الوساطات الدولية، ولا سيما منها الاميركية، كما بالنسبة الى تجاوز المساعي الجارية التي اوحت بسقوط ما قال به النداء الاميركي ـ الفرنسي المدعوم من عشرات الدول الصديقة للبنان الذي أُطلق من الامم المتحدة على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة. فما رافقه من اقتراحات باتت من الماضي البعيد. وبات من الصعب الفصل بين ما يجري في الجنوب وغزة، ولا فضل لأحد في ذلك، فمن أسقطها هو الجانب الإسرائيلي الذي رفض البحث بها قبل أن تقضي عليها نهائياً التوجّهات الايرانية الجديدة التي حملها وزير الخارجية الايرانية عباس عرقجي الى بيروت. فهو من احيا الربط الكامل بين جبهتي الجنوب وغزة تحت عناوين شتى لا مجال للتوقف عندها، عدا عن الربط الواجب قيامه بالردّ الاسرائيلي المحتمل على ايران والردّ على الردّ.
وختاماً، لا بدّ من الاشارة الى انّ ما تجاهلته هذه الشخصية يكمن في المعلومات التي كشفت انّ فريق عمل هوكشتاين بدأ بالتفكك عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية، استعداداً لانتقاله الى مجالات العمل في القطاع الخاص. وما يزيد في الطين بلّة، أنّ من بين الذين تقدّموا باستقالتهم من كانت صلة الوصل بينه والشخصيات اللبنانية.