خاص – ما حجم القوّة المتبقّية لدى الحزب ومن يدير عمليّاته؟
لا معايير مؤكّدة يمكن من خلالها قياس مدى القوّة التي ما زال “حزب الله” يمتلكها، أو مستوى الوهن الذي أصابه، بعد الضربات المتتالية والعنيفة التي استهدفته. ولكن ثمّة من يعتبر أنّ مراقبة عمليّات إطلاق الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل قد تكون مقياساً منطقيّاً لذلك. فإذا ما تراجعت، من حيث العدد وأماكن الاستهداف، فهذا يعني أنّ القدرة على الاستمرار في المواجهة تنخفض. ولكن، في المقابل، هناك عناصر عديدة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار، وأهمّها العوامل التي تسمح للحزب بالتعافي على المدى الطويل والمتوسّط.
فمنذ بدء الهجمات الإسرائيلية المكثّفة، انطلاقاً من عملية تفجير أجهزة البايجرز قبل عشرين يوماً، والحزب يُمنى بخسائر كبيرة ومتتالية، تضاف إلى الخسائر التي لحقت بقادته منذ ما قبل هذا التاريخ، بالتوازي مع حرب المشاغلة.
فقد تمّ القضاء على القيادة، وصولاً إلى استهداف الأمين العام حسن نصر الله نفسه، ثم ّ الخليفة المحتمل له هاشم صفيّ الدين. وتبيّن أيضاً أنّ الحزب مكشوف استخباراتياً إلى أقصى الحدود، ومخروق إلكترونياً في شكل كبير. وتمّ ضرب شبكة الاتّصالات لديه، قبل أن تبدأ الغارات العنيفة والمكثّفة بتدمير منصّات إطلاق الصواريخ، وتفجير مخازن الأسلحة في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع.
ويقدّر مسؤولون أميركيّون وإسرائيليّون أنّ إسرائيل دمّرت حوالى نصف مخزون الصواريخ لدى الحزب. لكنّه ما زال يمتلك ترسانة من الطائرات المسيّرة، وما بين 60.000 إلى 100.000 صاروخ وقذيفة. كما لا يزال لديه عدّة آلاف من المقاتلين القادرين حتّى الساعة على إطلاق قذائف في اتّجاه إسرائيل، ومواجهة محاولات الغزو البرّي المتكرّرة.
ولكن، لاحظ محلّلون عسكريّون أنّ عمليّات إطلاق الصواريخ على إسرائيل قد تراجعت إلى حدّ ما، بعدما كان مقاتلو الحزب قد أطلقوا قبل اسبوع مثلاً 100 صاروخ على حيفا، وطالت الصواريخ تلّ أبيب. كما أنّ الحزب لم يعد قادراً على الانتقام لمقتل زعيمه، ولا حتّى على إقامة تشييع له. ويقال إنّ نصر الله دُفن موقّتاً في مكان غير معروف، تمهيداً لإقامة تشييع كبير له عندما تنتهي الحرب، فيما تولّى المرشد علي خامنئي بنفسه تأبينه من طهران.
فكيف ينسّق الحزب عمليّاته، ومن يعطي الأوامر لإطلاق الصواريخ، في ظل القضاء على معظم القيادة العسكرية؟
بالطبع لا يزال هناك بعض القادة الميدانيّين القادرين على إصدار الأوامر بالعمليّات. وحتى أنّ هناك قرارات تُتّخذ من قبل المسؤولين المحليّين على الأرض في القرى الجنوبية المتاخمة للحدود. إذ يبدو أنّ التنظيم الهرمي الذي اتّبعه الحزب في إدارة العمليّات معقّد، في شكل يسمح للمقاتلين بالاستمرار في القتال إلى أمد طويل، ولو انقطعت الاتصالات بالقيادة. ولا ننسى أنّ غالبية المقاتلين هم من أهل القرى والبلدات التي يقومون بالدفاع عنها.
وتسري تكهّنات أيضاً بأنّ هناك تدخّلاً مباشراً من قيادات إيرانية في الحرس الثوري للمساعدة في إدارة عمليّات القصف. والدليل وجود قيادات كانت تشارك في الاجتماعات التي استهدفتها الغارات الإسرائيلية. وآخرها الحديث غير المؤكّد عن أنّ قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني ربّما كان في الاجتماع، حيث تمّ استهداف هاشم صفيّ الدين. وإذا كان التنسيق ليس بجديد، فإنّ التدخّل الإيراني ازداد بعد تصفية قيادة الحزب. لا بل بلغ التدخّل الإيراني حدّاً، سمح لوزير الخارجية عبّاس عراقجي بأن يوجّه ما يشبه التهديد لرئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي الذي طرح، خلال استقباله الوزير الإيراني، فصل مسار الجبهة اللبنانية عن جبهة غزّة.
ومن عناصر القوّة التي يملكها الحزب أيضاً هي الأنفاق التي حفرها تحت الأرض، والتي يصل بعضها إلى الداخل الإسرائيلي. وفيما يسود الغموض سير العمليّات على الجبهة الحدودية، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه تمكّن من تدمير شبكة من هذه الأنفاق. وسواء صحّت المعلومات الإسرائيلية أم لا، فإنّ تفكيك الأنفاق يُعتبر عاملاً أساسياً بالنسبة إلى إسرائيل، على اعتبار أنّ إعادة بنائها ليست بالأمر السهل، ويستغرق العمل عليها سنوات عديدة.
وبما أنّا الحزب بنى نفسه بتأنٍ على مدى سنوات، فقد تمكّن من تشكيل شبكات خارجية تعمل لصالحه. ومن هذه الشبكات الوحدة 910 التي يديرها طلال حميّة، والتي يتمّ تكليفها بعمليات في الخارج. وهناك احتمال لأن تقوم بتنفيذ عمليّات ضد مصالح إسرائيلية، مع بلوغ الحزب مرحلة باتت تهدّد وجوده. وهذه الوحدة شاركت في تفجير السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس في العام 1992، والمركز اليهودي في الأرجنتين في العام 1994، وفي تنفيذ هجوم انتحاري على حافلة تقلّ سيّاحاً إسرائيليّين في بورغاس البلغارية في العام 2012.
ولكن المسألة الأهمّ التي تشغل إسرائيل، هي كيفيّة منع إيران من إعادة تسليح الحزب من جديد. وهذه نقطة لمصلحة المحور الإيراني. لذا، يبدو أن التركيز الإسرائيلي في المرحلة المقبلة سيكون على إيران.