الهدف الإسرائيلي للحرب بتغطية أميركيّة: إنهاء “الحزب ”

الهدف الإسرائيلي للحرب بتغطية أميركيّة: إنهاء “الحزب ”

الكاتب: ابراهيم حيدر | المصدر: النهار
7 تشرين الأول 2024

كل المؤشرات تدل إلى أن الحرب الإسرائيلية ضد “حزب الله” وعلى لبنان دخلت مرحلة جديدة مختلفة عن السابق. ووفق ما أعلنه الجيش الإسرائيلي عن بدء عمليته البرية التي بدأت بتوغلات لفرق الكوماندوس تصدى لها مقاتلو الحزب وأوقعوا خسائر فادحة بين أفرادها، يتبين أنها ليست المعركة الحاسمة بل هي تحضيرات ميدانية تشبه إلى حد بعيد ما فعله الاحتلال الإسرائيلي قبل توغّله في غزة، ما ينذر ببدء هجوم وضعت إسرائيل له سيناريوات عدة وأهدافاً تتمثل بضرب بنية “حزب الله” ونخبته القتالية.

تختلف الخطة الإسرائيلية اليوم عن حرب تموز (يوليو) 2006 حين بدأت إسرائيل توغّلاً برياً مباشرة بعد عملية خطف الجنديين الإسرائيليين في 12 من الشهر نفسه، واستهدفت الجسور والبنية التحتية اللبنانية وأغلقت مطار بيروت، مع قصف تدميري لضاحية بيروت الجنوبية، وانتهت الحرب بصدور القرار 1701. الحرب اليوم لا تشبه سابقتها في 2006 باستثناء العمليات التدميرية التي فاقت قوتها الحرب السابقة وتختلف بأهدافها وتكتيكاتها العسكرية والتكنولوجية وتحمّل لبنان عبئاً ثقيلاً، خصوصاً وسط توقعات باستمرارها إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.

بالتوازي مع الغارات على قرى الجنوب وإفراغ المناطق من ساكنيها، ركزت إسرائيل على استهداف قيادات “حزب الله” استكمالاً لعمليات الاغتيال التي نفذتها لكوادر الحزب منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر)، أي عند بدء حرب المساندة لغزة. ووفق هذه الخطة التي نالت موافقة أميركية، تمكنت إسرائيل من اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وغالبية قيادات الصف الأول الأمنية والعسكرية، بدءاًَ بفؤاد شكر الذي كسرت معه الخطوط الحمر وما استند إليه “حزب الله” من توازن ردع، ثم إبراهيم عقيل و16 من قيادة الرضوان، وإذا كُشف مصير رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين تكون إسرائيل قد اغتالت أو استهدفت المرشحين لتولي منصب نصر الله، وربما تفتح على اغتيال مسؤولين سياسيين، ما يعني أن أهداف إسرائيل أكبر من الميدان ولها مرام بعيدة المدى.

تحصّن “حزب الله” في مواجهة الحرب البرية، لكنه لم يعالج ثغراته الأمنية ولم يتنبه إلى أن الهدف الإسرائيلي أبعد من أن يكون في الميدان، وهو أمر يعود إلى مطالعة الحزب التي استندت إلى أن إسرائيل لن تجرؤ على كسر قواعد الاشتباك بعدما اعتبر أنه حقق توازناً للردع يمكنه من رد أي عدوان، لكنه تعرض لضربات كبرى قد يكون لها نتائج خطيرة على بنيته ودوره وموقعه، وهو الذي قرر منفرداً الحرب رافضاً فصل جبهة لبنان عن غزة، فتسلحت إسرائيل بذرائع عدة وبدأت حرباً على الحزب ولبنان تحت عنوان إعادة سكان الشمال إلى مستوطناتهم.

بعد كل ما فعلته إسرائيل من قتل وتدمير، ودفع بيئة “حزب الله” إلى النزوح، لا يبدو أنها ستتراجع عن تصعيد الحرب في ظل انسداد سياسي للتسوية وغياب أي تحرك دولي لردعها. وبينما تهدد بضرب المنشآت الإيرانية رداً على الصواريخ، تسعى إلى جرّ دول عدة إلى الحرب، خصوصاً الولايات المتحدة، بما يعني أن خطتها ليست التوقف عند لبنان، بل تريد أن يكون لها اليد الطولى في المنطقة عبر ضرب كل ما تعتبره أهدافاً تهدد أمنها من سوريا إلى العراق واليمن وأيضاً إيران بوصفها قائدة المحور. وإذا استدرجت الجميع إلى الحرب تكون قد نجحت في تفجير المنطقة بحرب إقليمية لا أحد يعرف نتائجها.

وبصرف النظر عما ستؤول إليه الحرب في المنطقة، يبقى أن الهدف المباشر لإسرائيل هو “حزب الله” وهي تستخدم في ذلك كل آلتها الحربية للتدمير واستنساخ ما فعلته في غزة.

وترفض إسرائيل أيضاً البحث في أي صيغة للحل الدبلوماسي ينطلق من تطبيق القرار 1701، وهي وفق مصدر دبلوماسي، تتمسك أكثر بعدم العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وتعمل على تشكيل منطقة أمنية عازلة عن الليطاني لمسافة تتعدى الـ10 كيلومترات عن الحدود. واللافت أن الأميركيين الذين كانوا يعملون على بلورة حل دبلوماسي في جبهة الجنوب عبر مبعوثهم آموس هوكشتاين، باتوا اليوم وسط انشغالهم في الانتخابات التي يستثمر فيها بنيامين نتنياهو وفي المعركة ضد “حزب الله”، يغطون التوغل البري ويبررون لإسرائيل عمليتها ويقدمون كل الدعم المطلوب في حربها ضد إيران. وهذا الموقف كان واضحاً في جلسات مجلس الأمن الدولي التي عكست مناقشتها عدم تجاوب أميركي مع الدعوات لخفض التصعيد.

وفي غياب المبادرات الدبلوماسية، فتحت الحرب على مصراعيها بين إسرائيل و”حزب الله” والمرشحة لأن تطول، خصوصاً بعد إقفال قنوات التفاوض الأميركية – الإيرانية، وهو ما يدفع إسرائيل للتصعيد بلا سقوف ضد “حزب الله” وطهران، فيما الأخيرة بدأت بإعادة تنظيم محورها وتفعيل المواجهة وإعادة رفع شعار مساندة غزة، وهو ما أكده وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال زيارته بيروت بعدم الفصل بين لبنان وغزة.

وعلى هذا دخل لبنان في نفق تحمّل أعباء الحرب في ظل إبلاغ مسؤوليه بشروط قاسية تتمحور كلها حول تجريد “حزب الله” من سلاحه. ولذا الحرب ستحدد ما إذا كانت ستتمكن إسرائيل من القضاء على “حزب الله” وفرض منطقة أمنية تختلف عما كان عليه المشروع الإسرائيلي قبل عام 1982، فيما إنقاذ لبنان بات في مهب المجهول، وسط استمرار خلافاته الداخلية، وهو متروك دولياً في عهدة أصحاب شعار المساندة.