استباحة الأملاك الخاصة لإيواء النازحين: العودة إلى ميليشياوية الحرب
كشفت أزمة النروح الحالية أن الدولة اللبنانية بخطة طوارئ التي وضعتها ليست أفضل حالاً من منظمات المجتمع المدني. أما خطة الأحزاب في بيروت، وفي طليعتهم حزب الله، فقد أظهرت الوقائع على الأرض أنها غير موجودة، إلا إذا كان احتلال الأملاك الخاصة، وتحويلها إلى مراكز إيواء، جزءأ من الخطة. وفيما تحولت بيروت إلى عاصمة النازحين مع أكثر من 40 ألف نازح في مراكز الإيواء، بتنا نشهد على وقائع مستلّة من أدبيات الأحزاب اليميلشياوية خلال الحرب الأهلية، أي استباحة الأملاك الخاصة. أما كرامة النازح، فهي ضحية الخطتين على السواء.
عاصمة النزوح
باتت بيروت “عاصمة النازحين” من الجنوب والضاحية، مع احتضانها 3 أضعاف نازحي مراكز الإيواء في محافظة الشمال وحدها، لتحمل الثقل الأكبر من أعباء النزوح، التي لم تألفها المدينة حتى في حرب 2006. فأعداد النازحين فاقت سعة مراكز الإيواء، وصولا لافتراش الساحات والحدائق العامة والكورنيش البحري لبيروت، التي تحولت موقفا كبيرا للسيارات.
صمود النازحين والبيئة الحاضنة للنزوح اليوم على المحكّ. فمع تعمّق انهيار الدولة تتقاذف الجهات الرسمية المسؤولية، من خلية إدارة الأزمة في محافظة بيروت إلى قوى الأمن الداخلي إلى الوزارات المعنية. أما نواب العاصمة فيناشدون عبر “المدن”، الدولة “للتحرك عوض البكاء”، رابطين الحلّ بانتخاب رئيس جمهورية وحكومة إنقاذية، تصون كرامة النازحين، فكرامتهم من كرامة الدولة نفسها.
لا خطة للدولة ولا الأحزاب
“افتحوه بالقوة” هذه هي العبارة التي تتصدر ألسنة قلة من المحزبين وأدبياتهم الميليشياوية في بيروت، عند خلع كل ملك خاص، لإيواء نازحين فيه، لا حول لهم ولا قوة، سوى اللجوء لسقف يؤيهم عوض الشارع، والشارع هنا ليس معنى مجازيا، بل معنى حرفيّاً.
ومع اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وتحديداً ليلة اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرلله في الضاحية، نزحت غالبية سكان الضاحية إلى بيروت العاصمة وكانوا بالآلاف. في هذه الليلة، خُلعت أبواب مدارس خاصة في منتصف الليل، لتصادر في الساعات التي تلتها، مبان وفنادق خاصة في وضح النهار، تارة بالسلاح وطورا تحت وطأة “الأمر الواقع”، وأبرز الأحزاب التي نفذت “خطة الإيواء” عبر قوة السلاح، هي: حزب الله، حركة أمل والحزب القومي السوري الإجتماعي، وكذلك الجماعة الإسلامية.
بعض المباني تعرّضت لاقتحام مؤقّت، قبل أن تتدخل القوى الأمنية، كفندق البريستول، ومجمع ABC التجاري في الحمرا. لكن هناك مبان طال فيها السكن كأحد مباني عين المريسة، الذي تم اقتحامه بقوة السلاح من قبل عناصر في الحزب القومي السوري.
وتركزت عمليات السطو على الأملاك الخاصة في مناطق بيروت الخاضعة لسيطرة هذه الأحزاب، فكانت لمنطقة زقاق البلاط حصة وازنة. فتعرض مبنى سامر بو مجاهد للإقتحام بالقوة، ومن المدارس الخاصة التي اقتحمت بالقوة، كانت ليسيه عبد القادر.
والتكتم على فتح الأملاك الخاصة بالقوة شديد نظرا لخوف المالكين من العناصر الحزبية. ووفق معلومات المدن، من المدارس الأخرى التي تم اقتحامتها CIS college ، وحصل ذلك عند الثانية من منتصف الليل ليلة اغتيال نصرلله. أما مدرسة البيادر، فاقتحمتها الجماعة الإسلامية، قبل أن تتسلمها منها حركة أمل بالقوة. والمدرستان، فاوضت إدارتهما على عدم فتح أقسامهما جميعها بالكامل للنازحين بعد استسلامهما لقوى الأمر الواقع.
أما جامعة المقاصد في الباشورة، فأجري اتصال بأحد مسؤوليها من قبل عناصر في حزب الله، على قاعدة أن “النازحين ما بيقعدوا بالشارع”، وإما تقبلون بدخولهم أو ندخلهم بالقوة، ففاوضت الإدارة أيضا على عدم فتح جميع أقسامها، بعد نفاذ الخيارات أمامها.
أملاك خاصة أخرى، عرف أصحابها أن الدّور سيأتيهم، فقاموا بأنفسهم باختيار النازحين من “معارف” أو موظفين لمؤسساتهم، علهم يتفلتون من كأس “قوى الأمر الواقع”. وهكذا أصبحت البيئة الحاضنة للنزوح: حاضنة إما برغبتها في مشهد تضامني وطني جامع وإما بالقوة تحت وطأة السلاح الذي أدى لانقسام اللبنانيين حوله.
نقل النازحين إلى مراكز الإيواء أولوية
صحيح أن “النازح ما بيقعد بالشارع” لكن آلاف النازحين قضوا ليال في الشارع. أما الحل فليس طبعا باحتلال الأملاك الخاصة، بل بتأمين الدولة مراكز إيواء لهم.
وفي أحدث حصيلة لأرقام النازحين، يقول المسؤول الاعلامي في خلية إدارة الكوارث في محافظة بيروت، الملازم أول فادي بغدادي، أن الارقام بلغت 43,500 نازح يتوزعون على 143 مركز إيواء، 99 بالمئة منها مدارس، وفندقين اثنين. أما بقية النازحين في بيروت وهم قرابة 100 ألف نازح، فنزحوا في منازل أقرباء أو استأجروا شققا مفروشة. وتحولت بيروت حاضنة كبرى للنازحين ومدرسة اللعازارية وحدها استقبلت 2400 نازح. في السياق يقول بغدادي “أبقينا على الخط الساخن 24 ساعة، ونضع في أولوياتنا تأمين مراكز إيواء لمن افترشوا الطرقات، فهذا الوضع غير إنساني.
ويضيف “لذلك خصصنا الرقمين 01987001 و81075543 ليتواصلوا معنا عبره، وقد نقلنا العشرات من ساحة الشهداء إلى مراكز إيواء في طرابلس، والأمر نفسه ينطبق على النازحين الذين تخلي قوى الأمن الأملاك الخاصة المتواجدين فيها، فقد أمّنا 29 نازحا كانوا في ABC الحمرا، إلى إحدى مدارس طرابلس”.
هدفنا تحسين شروط “النزوح”، يقول بغدادي، وتأمين وجبات يومية ومياه الشرب والإستخدام والأدوية ومستلزمات الأطفال للنازحين. ومساعدات الجمعيات هي ركيزة عملنا اليوم، ومع ذلك هناك نقص فادح في الفرش والبطانيات.
قوى الأمن تتكتم عن البلاغات
من جهتها، ترفض مصادر قوى الأمن الداخلي في حديثها لـ”المدن”، ذكر عدد عمليات إخلاء الأملاك الخاصة التي تحققت بالفعل، مؤكدة أنها مستمرة بتلقي الشكاوى. فالهدف هو الانتظام العامّ وحفظ الأملاك الخاصة ومنع الفوضى والصدامات، والمحافظة على كرامة إخوتنا النازحين في الوقت عينه، عبر إيجاد مراكز إيواء بديلة لهم.
أما مشكلة عدد السيارات المركونة في المدينة، والتي أصبحت في بعض الأزقة وشوارع العاصمة “3 صفوف سيارات” ما يعيق مرور الإسعافات والدفاع المدني، فتعد المصادر الأمنية بأن العمل جار لإيجاد حلول سريعة لهذه الأزمة.
كرامة النازح من كرامة الدولة
خلية الأزمة مؤلفة من حرس بلدية بيروت، فوج إطفاء بيروت والصليب الأحمر، وهي تتبع لمجلس الوزراء، وتعول على دعم الجهات الدولية.
“ناسنا بالأرض والدولة نايمة”، بهذه العبارة يسخر النائب ملحم خلف من انتظار الحكومة للمساعدات كحجة للتحرك حيال الأزمة. فالحكومة ليست جمعية “تكسر يدها وتشحذ عليها”، ولا أهلنا سلعة ليتركوا لمصيرهم ويفترشوا كورنيش عين المريسة وساحة الشهداء وغيرها. وعلى الدولة التحرك فورا بكل طاقاتها، والقيام بواجباتها، لحماية كرامات شعبها، فـ”كرامة النازح من كرامة دولته”، من هنا، فمحافظة الدولة على كرامة نازحيها، أمام الكارثة الإنسانية التي حلت بالبلد، تتجاوز فكرة تأمين المأوى إلى كيفية الحفاظ على كرامة بعضنا البعض.
ويسأل بحرقة “هلاّ صاروا أهلنا ضحايا كرمال الحرام والحاف؟”، مشددا على أن نازحينا ليسوا أرقاما كي نضعهم في مدرسة أو ساحة عامة وننتظر من يؤمن لهم الفراش والمياه. فهذا شعبنا وكرامته من كرامتنا.
هذه السلطة لا تستحي بإعلان عجزها. يقول خلف، مشددا على أن الحل يكمن بمسار إنقاذي عبر انتخاب رئيس وتشكيل حكومة، مصغرة فاعلة تسترد الدولة العادلة وتواكب هذه الأزمة المستفحلة. فالوقت لا يسمح لنا بالتفرج على وجع شعبنا، وخطر الذهاب الى مكان مجهول كوضعنا تحت الفصل السابع يسابقنا.
“مش وقت بكي ونواح”
نائب بيروت وضاح الصادق يرى أنه ليس من الصعب أن نتابع خطة الطوارئ الحكومية لأنه “ما في خطة طوارئ.. في بكي ونواح”. سائلا “ما كانت الحكومة عارفة إنو هيدي اسرائيل يللي نحنا بحرب معها؟”.
وغياب الخطة، هي أول سقطة ارتكبتها الحكومة قبل إستجابتها للأزمة برأيه، فعدم التخطيط للاستجابة نفسها إن على مستوى الإغاثة أو على مستوى الخطة الأمنية، رغم تنبيهنا المتكرر وزياراتنا بهذه الخصوص لوزير الداخلية ومدير عام قوى الأمن الداخلي، والمحافظ ورئيس البلدية، يجعل بيروت اليوم أمام كارثة حقيقية”.
وينتقد الصادق خطة الإيواء بـ”تعبئة النازحين في مدارس”. فالخطة هي أن نكون جاهزين، من اللحظة التي يخرجون فيها من منازلهم وصولا لمراكز الإيواء لصون كراماتهم.
وعن افتراش الأماكن العامة، يعلي الصوت “لتأمين بدائل فورية قبل حلول الشتاء”، والحل برأيه يكمن بفتح مراكز إيواء ضخمة مجهزة للشتاء كالمدينة الرياضية التي وعدنا بفتحها، وتوحيد جهود جميع القوى في بيروت بدءا من نوابها وفتح باب التبرعات لا سيما من اللبنانيين المغتربين، عبر غرفة عمليات واضحة، تديرها بلدية بيروت ومحافظتها.
أما اقتحام الأملاك الخاصة رغما عن أصحابها فهي حالة تشبيح غير مستجدة برأيه، بل امتداد لأدبيات الحرب، وميليشياتها. لافتا إلى أننا عندما كنا نطالب بخطة أمنية في بيروت، كانت الخوات ومنطق قبضايات الأحياء سائدا واليوم بتنا في مكان أخطر بكثير.
ويدين صادق مقتحمى الأملاك الخاصة وهم بغالبيتهم عناصر حزبية مقيمة في المناطق وصاحبة تاريخ طويل بفرض الخوات على الناس. ويتأسف لأن هذا سلوك الميليشيات التي اعتدناها في الحرب. أما الأحزاب التي تغطي هذه العناصر، والتي نهبت ملايين الدولارات من الدولة، فلم تخطط لصون كرامات النازحين ولو “ببعض الملاليم التي سرقتها من جيوبهم”. وفي وقت “تحمي اسرائيل سكانها بدءا من صافرات الإنذار وصولا للملاجئ، ففي لبنان، هناك نقص حتى في مراكز الإيواء، وهي ليست المرة الأولى التي يتهجر فيها أبناء الجنوب”، والسؤال: “ما بيحقّلّن هالعالم يرتاحوا شوي؟”.