خاص- هل تتولّى القوّات الأميركية ضرب إيران؟
تتوسّع رقعة الحرب وأهدافها في شكل دراماتيكيّ بين ساعة وأخرى. فكلّما أُعلن عن هدف معيّن، حتّى تلاه هدف أشمل وأكبر منه. وهذا ما جعل كلّ التوقّعات التي كانت مجرّد خيال تتحوّل إلى واقع. فالحرب الإسرائيلية على لبنان تدحرجت في شكل سريع، وكبُرت ككرة الثلج، في غفلة من التحليلات والتوقّعات التي لم يصل أكثرها جموحاً إلى التنبّؤ بما يحصل الآن من تصعيد بلا حدود.
لا شكّ في أنّ إسرائيل تطبّق في لبنان ما طبّقته في غزّة. وأصبح هدف حربها القضاء على قدرات “حزب الله” وترسانته، ومنع أيّ إمكان لإعادة تسلّحه من جديد. ويتكشّف تباعاً أنّ الخطّة ليست بنت ساعتها، بل كان يُحضَّر لها منذ وقت طويل. ويبدو أنّ بنيامين نتنياهو وفريقه اتّبعا سياسة السرّية والمفاجأة، بحيث تمّ تمهيد الأرض على مدى سنوات لتشغيل شبكات التجسّس على مستوى رفيع جدّاً، ليس فقط في لبنان، بل في إيران أيضاً. وجرى تجهيز الجانب التكنولوجي بدقّة كبيرة، إلى أن بات كلّ شيء جاهزاً للانقضاض. فأتى هجوم 7 أكتوبر، ليعطي إسرائيل الفرصة التي انتظرتها.
وتشكّل الاستراتيجية التي تتّبعها إسرائيل في حربها الحاليّة انقلاباً بكلّ معنى الكلمة على الاستراتيجية التي اتّبعت في العام 2006. وفيما كانت تعتمد آنذاك على منطق “الصفقة”، بمعنى أنّ الحزب يلتزم عدم مهاجمة إسرائيل، مستفيداً في هذا الوقت من تمدّد نفوذه في الداخل اللبناني. والدليل على اتّباع هذا المسار، هو الاتفاق الأخير مع لبنان على ترسيم الحدود البحرية، بحيث تمّ تحديد المنطقة التي يستفيد لبنان من احتمال استخراج النفط منها، والتي وصفها كثيرون بأنّها كانت مجحفة في حقّ الجانب اللبناني. لكن الحزب وافق على ذلك، في مقابل استمرار التهدئة وعدم استهداف البنى التحتية للغاز في الحقول الإسرائيلية، إذ كان الحزب يأمل في البدء بالاستفادة من منافع استخراج الغاز. ولكن الدليل على تغيير الذهنية، أنّ وزير الطاقة الإسرائيلي تحدّث قبل أيّام عن وجوب تعديل الاتفاق المتعلّق بالمنطقة النفطيّة البحريّة.
فمنذ هجوم “حماس”، ارتسمت أمام نتنياهو معادلة جديدة. وبات مقتنعاً أنّ منطق الصفقات لا يمشي مع الحزب وإيران، وهو لا يشكّل بالتالي ضمانة لحفظ أمن إسرائيل. وبدأ يظهّر على مراحل قراره بضرب الحزب بعد الانتهاء من العمليّات الأساسية في القطاع. وراح يتدرّج في أهدافه، تحت عنوان العودة الآمنة لسكّان شمال إسرائيل، من المطالبة بتراجع قوّات الرضوان بضعة كيلومترات عن الحدود، إلى طرح إقامة منطقة عازلة حتّى الليطاني. ثمّ أعلن نيّته القضاء على بنية الحزب وهيكليّته القيادية. وأوعز باغتيال حسن نصر الله، بعد تصفية أهمّ القادة العسكريين. ولم يعد يكتفي بتنفيذ القرار 1701، بل صار هدفه تنفيذ القرار 1559، الذي يعني سحب سلاح الحزب بالكامل.
واستناداً إلى ذلك، باتت كلّ السيناريوات العسكرية محتملة. فالعمليّة البرّية التي يقال إنّها ستكون محدودة، ربّما تتمّ عبر عمليات موضعية، ولكن لا شيء يمنع من اتّساعها إلى اجتياح. حتّى أنّ البعض لم يعد يستغرب أن يكون الهدف الوصول إلى بيروت، كما جرى في اجتياح العام 1982.
وتجاوز نتنياهو ذلك أيضاً إلى إعلان الاستعداد لضرب إيران، على أساس أنّها الرأس الداعم لكلّ التنظيمات التابعة لها، من لبنان إلى العراق فسوريا واليمن. وثمّة من يرى أن طهران نصبت كميناً لنفسها، عندما قرّرت الردّ بمئات الصواريخ، فأعطت إسرائيل الذريعة التي ستبني عليها لمهاجمة طهران، عندما تكتمل الاستعدادات. هناك من يسأل: من الذي جعل إيران تُقدم على هذه الخطوة؟ وهل الخرق الاستخباريّ وصل إلى إسداء نصيحة للقادة الإيرانيين بأنّ الردّ لصالحهم، من أجل جعلهم ينزلقون إلى الحرب؟
في أيّ حال، إيران ليست في أحسن أحوالها. فقد توعّدتها إسرائيل بردّ حاسم ومؤلم. كما اتّفق كلٌّ من وزيري الدفاع الأميركي لويد أوستن والإسرائيلي يوآف غالانت على تفكيك البنية التحتيّة الهجومية للحزب. وأكّد البنتاغون أنّ الولايات المتّحدة مستعدّة للدفاع عن حلفائها في مواجهة تهديدات إيران والفصائل الموالية لها. وهذا يعني أنّ واشنطن التي أرسلت المزيد من التعزيزات إلى المنطقة، ستساند إسرائيل، وربّما تتولّى بنفسها ضرب المواقع الإيرانية. وإذا حصل ذلك، ستكون الجمهورية الإسلامية مهدّدة في نظامها. فمن أمّن التغطية لوصول الخميني إلى السلطة، يمكنه أن يؤمّن الغطاء أيضاً لعكس هذا الواقع.