وحده انتخاب رئيس يطلق دينامية إنقاذية

وحده انتخاب رئيس يطلق دينامية إنقاذية

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
3 تشرين الأول 2024

ماذا لو دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري على أثر كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بعد لقائهما في عين التينة، إلى جلسة للمجلس لانتخاب رئيس للجمهورية، سواء كان العماد جوزف عون في هذه الظروف هو الأنسب أو سواه؟ لم يستطع بري التقاط اللحظة على رغم أن موقعه يستقطب حكما الداخل والخارج في هذه المرحلة. ويرجّح مطّلعون عجزه عن ذلك لسبب جدي يتمثل في أن “حزب الله” تلقى ضربة كبيرة لا يزال تحت وطأتها ولم يستوعبها بعد، ولا تواصل حقيقيا أو جديا بينه وبين بري على رغم تأكيد الأخير العكس.

والحال أن المؤشر لم يكن الكلمة التي ألقاها الشيخ نعيم قاسم فحسب، بل ما نقل عن النائب حسن فضل الله، ومؤداه أن لا نقاش راهنا في أي مسألة قبل وقف النار، وهو ما عُدّ ردا مباشرا على الدفع من بري وميقاتي في هذا الاتجاه. الدينامية التي يمكن أن يحدثها انتخاب رئيس، توفّر على لبنان مزيدا من الاعتداءات الإسرائيلية على خلفية اضطرار الدول المهتمة إلى التدخل على الأرجح من أجل حماية مسار استعادة المؤسسات في لبنان والمساعدة على انطلاقها. اللحظة بكل المأسوية المحيطة بها كانت ستطيح كل الشروط والشروط المضادة حول موضوع الرئاسة وتوفر تضامنا غير مسبوق في هذه الظروف حول رئيس للجمهورية للانطلاق في مسار توفير الحماية للبلد، لأن لبنان يبدو كأنه تحت سنابك الخيل المتصارعة التي يترجمها النزاع بين إيران التي لم يسقط لها قتلى في كل ما يحدث، باستثناء مسؤوليها الموجودين في لبنان أو سوريا، وإسرائيل التي لم يسقط لها قتيل واحد من 180 صاروخا باليستيا أطلقتها إيران على أراضيها، انتصارا لهيبتها الداخلية والإقليمية والدولية، فيما لبنان يدمّر على رؤوس أبنائه.

والأمر محبط جدا إزاء استمرار لغو النواب والكتل النيابية في ظروف مصيرية خطرة يجتازها البلد حول ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، والأكثر إحباطا هو تضعضع قيادة “حزب الله” إلى درجة عجزه عن الرؤية السليمة لإنقاذ البلد في هذه المرحلة. ويؤمَل في ضوء ذلك ألا يضطر لبنان في المستقبل القريب إلى أن يذهب مذهب حركة “حماس” في غزة واشتراط انسحاب إسرائيل منها بعدما كانت خارجها قبل عملية 7 تشرين الأول، فيُجبر على خوض معركة تحرير الجنوب من إسرائيل، وقد هُجّرت بلداته وقراه أو على الأقل يتضاءل هامشه في التفاوض على أي اتفاق محتمل، علما أن إسرائيل قد تغدو عاملا مؤثرا في انتخاب رئيس للجمهورية أيضا، وهذا لا يمكن استبعاده.

ولا يمكن المراقب عدم التوقف عند عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قال إن اغتيال نصرالله “فتح جرحا في قلب اللبنانيين”، وهو كلام غير مسبوق من أعلى مرجعية مسيحية في البلد لم توفرها انتقادات المسؤولين الشيعة في كل محطة أسبوعية له في العامين الماضيين.

مفهوم أن الحزب يسعى، ولا سيما مع التوغل الإسرائيلي في الجنوب، ليثبت أنه لم ينتهِ عسكريا ولا يزال قادرا على مواجهة إسرائيل أو محاولة ردعها عن التوغل في لبنان. وحساباته في هذا الإطار قد لا تأخذ في الاعتبار حتما ما أصاب لبنان من تدمير والكلفة الباهظة على أهله، وخصوصا على بيئته، ولا سيما أن المصيبة الكبرى بالنسبة إليه وقعت باغتيال السيد حسن نصرالله. وليس سهلا عليه أو حتى على بيئته كما على إيران التخلي عن ورقة الجنوب أو الابتعاد عن الحدود اللبنانية مع إسرائيل، فيما ليس سهلا على إيران كذلك خسارة ورقة الحزب بقوته العسكرية التي كانت ولا تزال تشكل خط الدفاع الأول عنها ضد إسرائيل.

ومبعث الخشية لدى بعض المراقبين أن التوغل العسكري الإسرائيلي في الجنوب سيشكل رصدا أو استطلاعا دقيقا لإسرائيل لما تبقى من قوة صواريخ لدى الحزب من أجل كشفها واستكمال استهدافها. وهذا يعرفه الحزب المرغم على أداء الدور الذي يبرر حربه، والملزَم تنفيذ وعد أمينه العام الشهيد بالتصدي لأي توغل إسرائيلي، وسط حاجته الماسة إلى إعلان انتصاره على رغم كل ما أصابه.

وبغض النظر عما إذا كان التوغل الإسرائيلي في الجنوب سيوفر له هذه اللحظة أم لا، وتجنبا لتحميله مسؤولية دفع البلد إلى سيناريو غزة ثانية، فإن الإشكالية الكبرى أن أحدا لا يتوجه إلى الحزب في هذه الظروف تحديدا، ربما لأن الحرب هي حرب إسرائيل وإيران ويدفع لبنان ثمنها، أو لأن مصاب الحزب يحول دون ذلك أو لا قيادة لديه حاليا. وهذه النقطة تُركت لبري أو تم التعويل عليه من أجل معالجتها. لكن الخشية لدى غالبية اللبنانيين باتت كبيرة على لبنان بالذات أكثر من أي وقت مضى.