«حرب لبنان الثالثة» تستعر… غزو بري يستجر طلائع حرب إقليمية
هل تَستدرج طلائعُ الاجتياحِ البري «المحدود» لجنوب لبنان بعد الضربات الموجعة والمتوالية لـ «حزب الله»، حرباً إقليميةً لاحت نُذُرها مساء أمس، مع هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، حذّرتْ الولايات المتحدة من أنها لن تقف مكتوفة بإزائه؟
سؤالٌ فَرَضَ نفسه بقوةٍ مع بدءِ الجيش الإسرائيلي ما وَصَفه بأنه «عملية برية محدَّدة الهدف والدقة ضد أهداف للحزب في المنطقة القريبة من الحدود في جنوب لبنان»، بالتوازي مع مضيّ طيرانه الحربي بالاغتيالات في بيروت، وآخِرها عصر أمس، قرب دوار الجندولين في محيط السفارة الكويتية، وطريق مطار رفيق الحريري الدولي، قبل أن يقتحمَ المشهدَ بالغ الخطورة في سياق «حرب لبنان الثالثة» دخولٍ إيران على خطّ مهاجمة إسرائيل بصواريخ بالستية تحت عنوانٍ ظاهري هو «الثأر» لاغتيال إسماعيل هنية في عاصمتها، وبهدفٍ مضمَر هو محاولةُ وقْف «حصْد» بنيامين نتنياهو المزيد من «النقاط الذهبية» في مواجهته مع نفوذها وأذرعها في المنطقة والتي وضعها تحت شعار «بدأنا تنفيذ خريطة الشرق الأوسط الجديد».
وفيما كانت إسرائيل ترفع استعداداتها هجومياً ودفاعياً إلى الذروة بالتوازي مع المزيد من «الحشد الجوي» الأميركي تحسُّباً للهجوم الإيراني على طريقة «ردّ الصاع صاعين»، بدا أن لبنان والمنطقة برمّتها وكأنهما يقفان أمام منعطف تاريخي يسعى معه نتنياهو إلى «إزالة المَخاطر على الجبهات الـ 7» معاً، وهو ما عزّز الخشية من أن تكون الحرب الإقليمية… على الأبواب.
وانطبع المشهدُ في لبنان بسباقٍ مخيفٍ بين:
– تَدَحْرُجِ العملية البرية التي كانت لا تزال في مرحلتها «التحضيرية» واستمرار الاجتياح الجوي لعموم المناطق وخصوصاً الضاحية الجنوبية، وإكمال مسلسل الاغتيالات بالغارات الدقيقة في قلب بيروت التي لم تَعُد محيَّدةً عن الاستهدافات، في مقابل أوسع استهداف من «حزب الله» بالصواريخ البالستية لتل أبيب.
– نداءاتٍ بـ «مكبرات الصوت» لدولٍ غربية كررت دعوة رعاياها للمغادرة فوراً.
ومنذ فجر أمس، تسمَّر اللبنانيون أمام الشاشات ومعهم عيون العالم بعدما تلا الجيش الإسرائيلي ما يشبه «البلاغ الرقم 1» ببدء العملية البرية المحدودة «وفق خطة مرتبة تم إعدادها في هيئة الأركان العامة وفي القيادة الشمالية والتي تدربت القوات لها على مدار الأشهر الأخيرة»، معلناً «أن القوات البرية مدعومة بهجمات جوية لسلاح الجو وقصف مدفعي تستهدف أهدافاً عسكرية في المنطقة بالتنسيق الكامل مع قوات المشاة»، ومشيراً إلى أنه «تمت الموافقة على مراحل الحملة ويجري تنفيذها وفق قرار المستوى السياسي».
وعلى وقع إنذارات متوالية لسكان عشرات البلدات جنوب الليطاني لإخلائها في ما بدا محاولة لتفريغ هذه البقعة وعزْلها عن شمال النهر توطئة لِما تدعي تل أبيب أنه عملية تطهير لها وتدمير للبنية العسكرية لـ «حزب الله» فيها، كشف 3 مسؤولين إسرائيليين أن «خطة التوغل تتضمن الدخول إلى شريط ضيق على الحدود» وأن «التوغل بدأ مع مجموعات صغيرة من قوات الكوماندوس، مصحوبة بغطاء جوي وقذائف مدفعية أطلقت من إسرائيل».
ورغم تأكيداتٍ إسرائيلية بأن بلوغَ بيروت، «ليس على الطاولة» وتطمينات الولايات المتحدة إلى أنها نجحت في إقناع نتنياهو بتوغّل محدود على قاعدةَ «أن الضغطَ العسكري من شأنه تسهيل الحل الدبلوماسي»، فإن المخاوف لم تهدأ من تكرار تل أبيب سيناريو 1982 حين أعطت ضمانات لواشنطن بالتوقف عند حدود الليطاني، ولكن ارييل شارون اختار المضي نحو العاصمة اللبنانية، علماً أن من دون هذا السيناريو عاملٌ مهمّ يتمثل في عدم رغبة نتنياهو في الوقوع في «الرمال المتحركة» لاجتياح واسع والانجرار إلى ملعب «حزب الله»، وتالياً تبديد ما يعتبره «إنجازات تاريخية» راكمها وأبرزها اغتيال السيد حسن نصرالله.
من هنا ساد انطباع بأن إسرائيل قد تلجأ إلى القضم التدريجي لقرى الحافة الأمامية لجعلها «حزاماً آمناً» يتيح لها التفاوض لاحقاً على ترتيباتٍ تَضمن ما تسعى إليه من حلول توحي بأنها تريدها أبعد من القرار 1701 وصولاً إلى كل وضعية سلاح «حزب الله» وإمكان أن يعاود تكوين مخزونه وقدراته العسكرية.
وكان مصدر أمني إسرائيلي، أشار إلى أنه «حتى الآن (عصر أمس) لم تقع أي اشتباكات مباشرة مع حزب الله في جنوب لبنان»، رافضاً الكشْف عن مدى العمق الذي ستتوغّل فيه القوات داخل الأراضي اللبنانية، لكنه أشار إلى أن ذلك سيكون «على مسافة قريبة»، وأن «العملية البرية محدودة في الزمان والمكان».
ونقلت قناة «العربية» عن مصادر أن العملية المُمَرْحَلة تشمل في المرحلة الأولى التوغل بين 1000 متر و2000 متر، وأن «الجزء الأول منها سيصل إلى عمق 500 متر».
استباق لـ «7 أكتوبر آخر»
وفي حين ترافق التمهيد العسكري للغزو البري عبر القصف السجادي بالغارات والمدفعية مع مجازر في أكثر من بلدة، وسط تسجيل حركة نزوح من قرى عدة واستغاثة مواطنين لنقلهم خارج دائرة النار (كما في رميش الحدودية)، برز ما بدا إرساء تل أبيب «الأسباب الموجبة» لاجتياحها البري على قاعدة أنه استباق لـ «7 أكتوبر آخر» كان الحزب يعدّ له، وأورد الناطق العسكري دانيال هاغاري ما زعم أنه «أدلة عليه»، راكمتها القوات الإسرائيلية في الأشهر الماضية بعشرات عمليات التوغل والانسحاب وصولاً إلى أنفاق للحزب نشر أشرطة مصوّرة من داخلها تُظهر ما ذكر انه أسلحة ومعدات قتالية وخرائط عن الهجوم المفترض على الجليل.
وأضاف هاغاري أن «الجيش الإسرائيلي ضرب (في الأشهر الماضية) أكثر من 700 هدف لحزب الله في الجنوب اللبناني وبينها عدد كبير من الأنفاق، ونفّذ عشرات الغارات المستهدَفة على مجمعات قتالية تابعة للحزب من أجل الإضرار بقدرة قوة الرضوان ومنْعها من تنفيذ عمليات تؤذي الإسرائيليين»، كاشفاً أن قواته دهمت القرى والمناطق المتشابكة، واخترقت البوابات والأنفاق تحت الأرض على طول الحدود، وكشفت مخابئ أسلحة.
كما أكد «أن القوات الإسرائيلية جمعت معلومات استخباراتية قيمة، ودمرت آليات وأسلحة إيرانية متقدمة، فضلاً عن البنية التحتية لحزب الله».
تفكيك البنية التحتية
وجاء كلام هاغاري بعدما نفى «حزب الله» وقوات «اليونيفيل» حصول أي توغل، في موازاة تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بعد حديثه مع نظيره الأميركي لويد أوستن ليل الاثنين – الثلاثاء، أن إسرائيل والولايات المتحدة تتفقان على أهمية تفكيك «البنية التحتية الهجومية» للحزب. وأضاف أن هذا الاتفاق يأتي على طول الحدود.
وكان البنتاغون أعلن أنه «يدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويؤيد ضرورة تفكيك البنية التحتية لحزب الله على طول الحدود، لضمان عدم قدرته على شن هجمات على غرار هجوم السابع من أكتوبر»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة مستعدة للدفاع عن حلفائها في مواجهة تهديدات إيران والفصائل الموالية لها، وعازمة على منع أي جهة من استغلال التوترات أو توسيع الصراع»، وكاشفاً أنه سيرسل تعزيزات إضافية إلى المنطقة.
في المقابل، وعلى وقع إعلان مصدر أوروبي أن «حزب الله» خسر نحو 50 في المئة من ترسانته، وتأكيد الجيش الإسرائيلي مضيّه في العملية البرية وفي ضرب حلقات «القيادة والسيطرة» في ظلّ تقديراتٍ بأن الضربات التي تلقاها الحزب ستترك تأثيرات على قدرته على تكرار إصابة إسرائيل بخسائر مؤلمة كما حصل إبان التوغل البري خلال حرب يوليو 2006، أعطى الحزب الذي لم يشيّع بعد أمينه العام الذي اغتيل يوم الجمعة ولا أمّن انتقال «السلطة» إلى خلفٍ له، إشارات إلى أنه ما زال يُمْسك بالزناد والزمام على الجبهة من خلال استهداف جنود إسرائيليين من الوحدات المولجة المشاركة في الاجتياح البري وتحقيق إصابات بينهم، كما بإطلاقه صليات صواريخ هي الأكبر على تل أبيب منذ فتْحه جبهة المشاغلة في 8 أكتوبر.
وقد صوّب الحزب أمس، 10 صواريخ أرض – أرض (بالستية) في اتجاه تل أبيب (وسط إسرائيل) سقطت 5 منها فيها موقعة عدداً من الإصابات الطفيفة وواحدة متوسطة وأضراراً مادية فيما تم اعتراض الخمسة الباقية، ليُستتبع ذلك بإعلان حال طوارئ من الدرجة الثانية أعلنت في تل أبيب والقدس.
وأعلن الحزب في بيان، «أننا أطلقنا بنداء لبيك يا نصرالله صليات صاروخية نوع فادي 4 على قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 ومقر الموساد التي تقع في ضواحي تل أبيب»، غداة تأكيده أنه هاجم إسرائيل باستخدام صاروخ «نور» الذي ذكرت تقارير أنه مضاد للسفن.
وأفاد مندوب «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطيران المعادي نفذ غارة عند دوار «الجندولين» قرب السفارة الكويتية في بئر حسن، مستهدفة أحد المباني.
وهذه الغارة تأتي بعد دقائق من غارة، طاولت أحد المباني بين منطقتي الجناح والأوزاعي، في محيط مستشفى الزهراء.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، من جانبه، أنه استهدف بغارة جوية في بيروت محمد جعفر قصير قائد الوحدة 4400 المسؤولة عن نقل وسائل قتالية من إيران ووكلائها إلى «حزب الله»، و”المصدر المهم للتمويل عبر أنشطة غير مشروعة”.
وكانت واشنطن رصدت 10 ملايين دولار مقابل لحصول على معلومات عن قصير.
وكانت إسرائيل كثفت ليل الاثنين غاراتها على الضاحية الجنوبية بعد إنذار للسكان بإخلاء 4 مناطق فيها، ليعلن جيشها بعدها أنه «دمر مستودع صواريخ أرض – جو وضعه حزب الله على بعد كيلومتر ونصف كيلومتر عن مطار بيروت الدولي».