رواية الحزب الأولى لاغتيال أمينه العام وما سيليه

رواية الحزب الأولى لاغتيال أمينه العام وما سيليه

الكاتب: غادة حلاوي | المصدر: المدن
1 تشرين الأول 2024

كانت الشمس تستعد للغروب ساعة زلزلت الدنيا زلزالها وعلى دوي ذاك الانفجار المشؤوم وتردد صداه في أرجاء بيروت وضاحيتها الجنوبية. كان أغلب الظن أن الاعتداء استهدف أبنية سكنية، جرياً على عادة اسرائيل. دقائق ثقيلة وحلت الفاجعة. مقر قيادة حزب الله الرئيسي هو المستهدف. المكان المتواضع الذي يستضيف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورفاقه والمقربين. نفق تحت الأرض فيه مكتب صغير، كرسي وطاولة وتعليقة ملابس لعباءته والجبّة. خصصت الغرفة المجاورة للمرافقين وأخرى للزوار. قلة قليلة تعرف المكان أو زارته حتى من المحازبين. للنفق مخارج أربعة ونوافذ تهوئة.

حين حلت المصيبة
يسرد من عاين مكان الانفجارات الوقائعَ بالقول إن ثمانية غارات طوقت المجمع وأطبقت على مداخله الأربعة. حفرة عميقة ومجمعات سكنية أُسقطت، لقطع الداخل وتطويق من بداخل المقر وقطع الهواء عنه نهائياً وهكذا حصل.. بدأت عمليات الإنقاذ، ارتفعت الصلوات وعبارات المناجاة إلى الله. وصل المسعفون. استشهد الأول اختناقاً، فيما وصل الآخرون إلى حيث كان يجلس الأمين العام على كرسيه المعتاد يطوقه مرافقه. حلت المصيبة. استشهد “السيد الذي لا وجود لشبيه له، الأمين العام المنفتح على الحوار حتى انقطاع النفس. المنصت دائماً إلى ملاحظات من حوله. المتريث في الفعل ورد الفعل، والذي بقي هم الناس وأمنهم يحاصر حسابه العسير مع إسرائيل”.

منذ عاشوراء وحتى خطابه الأخير في وداع رفيق دربه وصديقه، القائد فؤاد شكر، لم يتوقف الأمين العام عن ذكر الشهادة وموعده مع الموت. جاءه من يقول له ارحمنا يا سيد، فمجرد الاحتمال لا نقدر على تصوره، وكان يأتيهم جوابه بابتسامة.
في مسيرة حزب الله شهداء كثر. قادة ورفاق جهاد من لبنان إلى سوريا. لكل منهم وصية تمهد لقرب أجله إلا الأمين العام. لم يتصور حزب الله أن موعده مع رثاء أمينه العام يتحقق يوماً. يوم تأكد نبأ استشهاده كان يوكل كل منهم مهمة الرثاء إلى الآخر. وكيف لكلام أو عبارات ترتفع إلى علو المقام، قال أحد من رافقه منذ بداية مسيرته الحزبية وقبلها الدينية.

ما لم يقله قاسم
أصاب استشهاد السيد نصرالله حزب الله في الصميم. جمهوره وبيئته الحاضنة ومن خارجها أصابهم الذهول. ضربت معنوياتهم والحرب لا تزال في أولى جولاتها. ارتباك لم تطل أيامه. في إطلالته، حاول نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم لملمة الأمور وإعادتها إلى نصابها. حافظ على تلازم الجبهتين بين لبنان وغزة، طمأن إلى استعداد الجبهة للتصدي. لم يأتِ على ذكر الثأر ولم يذكر إيران. هدوء الخطاب كان رسالة أساسها الطمأنة إلى قرب تسمية الأمين الخلف والقدرة على الصمود واستمرار الحرب.
وما لم يقله نائب الأمين العام عبّر عنه المقربون. نفض حزب الله حزنه. جبهته الجنوبية لم تتأثر وتيرتها، واستشهاد الأمين العام والقادة الآخرين زاد المقاتلين إصراراً على المواجهة.
أولى خطوات حزب الله بعد اغتيال أمينه العام هي رفع الروح المعنوية لجمهوره. وهذه لا تتحقق إلا بالاقتصاص من إسرائيل برد قد لا يرقى إلى مستوى المصاب، ولكنه سيتحقق في غضون الآتي من أيام قليلة، ستشهد الإعلان عن شخصية خليفة السيد نصرالله. الاختيار له شروطه وأصوله الدينية والحزبية. وهي ستكتمل في الساعات القليلة المقبلة، وستكون إيران حكماً شريكاً في هذا الاختيار. ذلك أن المهمة دينية، تستوجب تكليفاً بالنظر إلى دقة المهام والمسؤوليات.

من سيجرؤ؟
عند استشهاد الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي، تهيب السيد نصرالله خلافته: “وهل لتلميذ أن يتسلم مكان أستاذه ومعلمه؟”. كان في بداية عمله الحزبي، حمل رايته ومضى في مسيرة حافلة بالحروب والانتصارات. اليوم يتكرر المشهد ذاته. ومن سيجرؤ على خلافة السيد في ظرف كهذا؟
استشهد نصرالله، فحمل الحزب رايته وانطلق. يقول المقربون وقعت الحرب. لا يريد فتح السجالات على سؤال كيف ولماذا؟ يطمئن المقربون أن المقاومة على الجبهة بخير ولم تتأثر. القيادة العسكرية بخير والقيادة السياسية لم تتأثر. قادة الجبهة يديرون الحرب كما لو أن السيد ما زال على قيد الحياة. يعترف أن اسرائيل تفوقت في النيل من قادته بفعل التكنولوجيا، وما راكمته من معلومات وعمل استخباراتي منذ أن شارك في حرب سوريا. فرضية العملاء قائمة وليست سببا وحيداً. ما تريده إسرائيل وصلت إليه، وهو استهداف الأمين العام وعدد من القادة. لن يغير ذلك في شروط الحرب. الكلمة للميدان، يقول حزب الله، المستعد للتصدي لتوغل برّي إسرائيلي قريباً. يرفض اعتباره وحيداً. وحدة الساحات لم تتضعضع، وإيران لن تتدخل. لكن مخطأ من يخالف القول إنها كانت هي أيضاً المستهدفة باغتيال نصرالله، وهي تستعد لضربة اسرائيلية محتملة ضدها، على ما أُبلغت قيادتها. وما دون ذلك من كلام لا مكان له في التداول داخل الحزب وخارجه.