لماذا استبعاد دخول إيران الحرب رغم الاهتزازات القتالية الكبرى؟

لماذا استبعاد دخول إيران الحرب رغم الاهتزازات القتالية الكبرى؟

الكاتب: مجد بو مجاهد | المصدر: النهار
30 أيلول 2024

التلويح الإيراني بأنّ طهران لن تبقى مكتوفة في حال اندلاع حرب شاملة في لبنان مع التحذير من أنّ منطقة الشرق الأوسط باتت على تخوم كارثة، بقيَ بمثابة تلويحٍ بعيدٍ عن اتّخاذ تدابير حربية إيرانية في حلبة الاحتدام حتى بعد تفجُّر مستويات الصراع الأكثر نشوباً التي شكّلت الاهتزازات القتالية الكبرى منذ أسابيع، وصولاً إلى الضربات الإسرائيلية التي اغتالت الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. لقد كان ثمّة من اتخذ على عاتقه في الداخل الإيرانيّ تشديد اللهجة المتوعّدة إسرائيل بالويل والثبور بعدما بدأت عمليات الجيش الإسرائيلي تعرف طابعاً استهدافياً أكبر لقادة “حزب الله” والمناطق اللبنانية في الأسابيع الماضية، في موازاة من انتهج الإدلاء بمصطلحات قلّلت من إمكان التدخّل الإيرانيّ المباشر. توجيه إنذار إيرانيّ سياسيّ لإسرائيل، كان من خلال وزير خارجية إيران عباس عراقجي، الذي شدّد أثناء وجوده على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنّ إيران لن تبقى مكتوفة إن اندلعت حرب شاملة في لبنان، مع تأكيده أن دولته تدعم قضية “حزب الله”.

لم يلغِ تصريح وزير خارجية إيران سياسة “ضبط النفس” التي أكّدها النظام الإيرانيّ في مناسبات عدّة ولا يزال يضعها على طاولة قراراته. وهي سياسة واضحة منذ أشهر شمولاً بمرحلة اغتيال إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية، فيما ذكّر بها نائب الرئيس الإيراني للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف، كما عرّج على موضوع “حزب الله” في مقابلته مع CNN، فقال بالاعتقاد بأنّ “حزب الله” قادرٌ على الدفاع عن نفسه. لكنّ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ليس على الرأي بأن في استطاعة “حزب الله” الدفاع عن نفسه، فإذا به قال في مقابلة أخرى أيضاً مع CNN إنّ “حزب الله وحده لا يستطيع أن يقف في وجه دولة مسلّحة تسليحاً جيّداً جدّاً ولديها القدرة على الوصول إلى أنظمة أسلحة تتفوق بكثير على أي شيء آخر”. واقترح بزشكيان، إن كانت هناك حاجة، أنّه يجب على الدول الإسلامية عقد اجتماع من أجل صياغة ردّ فعل على ما يحدث.

وإن كانت الاستفهامات الأساسية تطرح حول الأسباب التي لا تزال تحول دون تدخّل إيران لمساعدة “حزب الله” في مواجهاته الحربية رغم كلّ القنابل المتفجّرة التي استهدفت منشآته وقادته، فإنّ المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية حازم الغبرا يسرد في حديث لـ”النهار” أنّ “تأسيس “حزب الله” كان لحماية إيران، وإذا خسر حربيّاً، فإنّ تشكيله هو بهدف أن يأخذ بنفسه الصدمة عن إيران، التي ليس لديها ما تقدّمه له حالياً، فيما القوة العسكرية الإسرائيلية وصلت إلى مرحلة تستطيع من خلالها تل أبيب التعامل مباشرة مع أهداف في الداخل الإيراني. وإذ إن الجميع في مرحلة انتظار لمعرفة كيف يمكن أن يتغير الوضع، هناك أسئلة حتى إيران لا أجوبة لديها عنها وهي تبحث عن فرصة أخرى”.

من ناحيته، يقول مدير التواصل والإعلام في “المعهد الأميركي اللبناني للسياسات” شكري منصور لـ”النهار” إن “إيران لوّحت بالتدخّل في الحرب الناشبة بين “حزب الله” وإسرائيل للحفاظ على مواقفها، لكنّ مصالحها لا تقتضي بذلك. إنها تهدف لأن تكون حاضرة على الطاولة وتعمل تفاوضياً في سبيل عدم عزلها ودخولها في التجارة العالمية. لقد قدّمت إيران فروض الطاعة للحزبين الجمهوري والديموقراطي في الولايات المتحدة، بمجرد عدم تدخلها في الحرب لغاية الآن بعد اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله”، ما يشكّل نوعاً من التخلي العمليّ عن “حزب الله” وعن حركة “حماس” أيضاً”.

رغم أنّ المرشد الإيراني علي خامنئي دعا إلى اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن القومي، إثر الإعلان الأوليّ لإسرائيل أنها استهدفت نصرالله في الضاحية الجنوبية لبيروت يمكن تلخيص ما استقرّت عليه التصريحات الإيرانية الرسميّة في تأكيد مواصلة الدعم لمحور “الممانعة” وأن ما فعلته إسرائيل جريمة حرب. بعد ذلك، لم تخرج التصريحات الإيرانية عن الشجب المتعارف عليه للأعمال الحربية الاسرائيلية والقول إن ما حصل في استهداف مقرّ “حزب الله” شمولاً باغتيال نائب قائد عمليات الحرس الثوري عباس نيلفوروشان لن يبقى دون ردّ. لكن لم تتخذ إيران قرارات ذات طابع حربيّ حتى الآن.

لا يعتقد الغبرا أنّ إيران قامت باتفاق على حساب “حزب الله”، لكنّه يرجّح أنها انسحبت من مهمّة حمايته ولم تعطه أسلحة مناسبة لمواجهة المعركة بعدما وجدت أن الموضوع الحربيّ جديّ بالنسبة لإسرائيل وأن “حماس” قبله لم تستطع أي شيء. يردف: “من جانبها، أكثر ما استطاعته إيران هو إرسال صواريخ أكبر لـ”حزب الله”، لكن حتى البالستية منها لا تستطيع الوصول إلى الداخل الإسرائيلي فيما الفارق العسكري واضح بين إيران وإسرائيل”. ويتابع: “المفاجأة كانت في القدرات الإسرائيلية المتطورة، ما أربك إيران التي لم تعتقد أن إسرائيل بهذه القوة. من الواضح صحّة مقولة أن إيران مستعدة لمحاربة إسرائيل حتى آخر مواطن عربي، لكن هذه حدود أنماطها الحربية وما يمكن أن تقوم به، فيما يتغيّر الوضع عندما تصل المسألة إلى أمن إيران والنظام الإيراني”. في استنتاج الغبرا، “لم يبق هناك الكثير الذي يمكن لإيران أن تقوم به سوى أن تفتح حرباً إقليمية مع إسرائيل. لكن أين كانت المساعدة الايرانية الأسبوع الماضي عندما كان “حزب الله” يحتاج إلى إنقاذ؟”.

بحسب انطباعات منصور، إن “قادة “حزب الله” بدأوا يُقتلون بالتدريج عندما بدأت المفاوضات تتحرّك بين إيران والولايات المتحدة، حيث إن المفاوض الأساسي في مرحلة حصلت على تخوم تلك الاستهدافات وصولاً إلى اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” هو النظام الإيراني، لا الولايات المتحدة. كما أنّ التعامل ما بعد اغتيال نصرالله وكأنّ ما حصل لن يغيّر شيئاً ولن تتبعه ردود، يجعل من فكرة العمل على تسوية إيرانية ما على حساب “حزب الله” موجودة”.