اغتيال نصر الله… والعالم يترقب: قاسم قد يتولى المسؤولية قبل تسلُّم صفي الدين
في تطور له انعكاسات داخل لبنان وعلى مستوى المنطقة، مع ترقب عالمي لتداعياته، أقر «حزب الله»، أمس، بعد أكثر من 15 ساعة من الصمت، بمقتل أمينه العام حسن نصرالله عن عمر 64 عاماً، في غارة إسرائيلية، بأكثر من 83 طناً من القنابل الشديدة القوة، استهدفت مربعاً سكنياً في الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء أمس الأول، في حين كان نصرالله، ومعه قادة كبار من الحزب وقادة من الحرس الثوري الإيراني، يعقدون اجتماعاً في مخبأ محصن تحت الأرض.
وفي ختام أيام من الضربات الثقيلة بدأت بعملية مباغتة فجّرت آلاف أجهزة الاتصال التي يستخدمها عناصر «حزب الله»، تشكل الضربة أقوى خسارة ليس للحزب فقط بل لـ «محور المقاومة» الذي تقوده إيران، والذي كان يُعدّ نصرالله أبرز قادته، خصوصاً بعد اغتيال قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني بغارة أميركية على مطار بغداد في عام 2020.
وفي حين بدأت إسرائيل مساء أمس الأول، سلسلة غارات وحشية على الضاحية الجنوبية لبيروت معقل الحزب، هي الأعنف منذ حرب 2006، ما أسفر عن مغادرة آلاف السكان لمنازلهم باتجاه المجهول، بدا أن «حزب الله» في حالة ارتباك كبيرة، بعد أن توالت الاغتيالات أمس، في حين بدا أنه إبادة شاملة لقيادته من الصف الأول والثاني.
ولم تعرف حتى ساعة متأخرة لائحة القيادات التي قضت مع نصرالله، في حين أعلنت مصادر إيرانية مقتل نائب قائد «فيلق القدس» في الغارة التي دمرت مربعاً سكنياً كاملاً. وأفادت معلومات إسرائيلية بأن هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي للحزب، والمرشح الأبرز لخلافة نصرالله، نجا من الضربة، وبدأ تدريجياً بتسلّم مهام نصرالله، إلا أن قناة «العربية» قالت إن نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، الذي يبدو أنه نجا كذلك، تسلّم مؤقتاً مهام الأمين العام بانتظار إجراءات انتخاب الأمين العام الجديد للحزب.
ووسط دعوات دولية لوقف التصعيد للحؤول دون انفجار إقليمي واسع، قال مسؤول إسرائيلي إن هدف تل أبيب من العملية هو كسر «حزب الله» ومحور المقاومة وتجنب حرب برية، قد تكون تكاليفها عالية.
ووجّه رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية هيرتسي هاليفي تهديداً لـ «الأعداء في الأماكن الأكثر بعداً» في إشارة إلى إيران، ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت الضربة بأنها «إحدى أهم العمليات في تاريخ إسرائيل، ولن تكون الأخيرة».
وقال الجيش الإسرائيلي إنه سيستهدف خليفة نصرالله أياً كان، مشيراً إلى أن الهجمات في لبنان ستتصاعد في الأيام المقبلة. وفي إيران التي تواجه انتقادات متزايدة بين حلفائها خصوصاً بعد زيارة رئيسها الجديد مسعود بزشكيان إلى نيويورك، اكتفى المرشد الأعلى علي خامنئي بالقول إن «لبنان سيجعل إسرائيل تندم»، داعياً جميع المسلمين إلى دعم «حزب الله»، دون أن يقوم بأي تهديدات باسم إيران.
وكشف مصدر إيراني لـ «الجريدة» أن خامنئي، وخلال اجتماع لمجلس الأمن القومي لمناقشة التطورات، بدا أكثر انفتاحاً على رأي الحرس الثوري بضرورة التصعيد الموسع في المنطقة على أمل التوصل إلى تسوية كبيرة، ورد على بزشكيان الذي أبدى تخوفه من الانزلاق إلى حرب بين إيران والولايات المتحدة، بالقول إنه إذا لم تتصرف إيران بقوة، فإن احتمالات الذهاب إلى تلك الحرب ستكون أكبر. ولوح مسؤول إيراني بفتح باب التطوع لإرسال مقاتلين إلى جنوب لبنان والجولان.
وبينما قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن موت نصر الله «يحقق العدالة لضحاياه الكثر»، عبّر وزير دفاعه لويد أوستن، أمس، عن دعم وزارة الدفاع (البنتاغون) الكامل لـ «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس في مواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران»، مجدداً «تصميم واشنطن على منع إيران ووكلائها من استغلال الموقف أو توسيع الصراع»، ومؤكداً أن «واشنطن مستعدة لحماية القوات الأميركية ومنشآتها في المنطقة وملتزمة بالدفاع عن إسرائيل». وخفف مسؤول أميركي من احتمالات نشوب حرب إقليمية.
وفي حين حذر مراقبون ومحللون من أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ينفذ وعوده بـ «تغيير وجه المنطقة»، سيطرت حالة الصدمة على السياسيين في لبنان، سواء لدى خصوم «حزب الله» أو حلفائه، خصوصاً أن مقتل نصرالله يعد أكبر ضربة للطائفة الشيعية بعد عملية اختطاف السيد موسى الصدر في سبعينيات القرن الماضي.
ورأى خبراء أن رحيل نصرلله الذي كان يعتبر قبل ساعات قليلة الرجل الأكثر نفوذاً على رقعة الشطرنج السياسية اللبنانية، سينتج تحولات على الصعيد الداخلي شبيهة بما حصل بعد اغتيال كمال جنبلاط عام 1977، وبشير الجميل عام 1982، ورفيق الحريري في عام 2005، حيث كل محطة اغتيال أدخلت لبنان في مسار جديد وتحولات كبيرة.
وفي استشراف للمخاطر التي تواجه الوضع الداخلي مع تصاعد الحساسيات الطائفية والسياسية، دعا الزعيم الدرزي وليد جنبلاط أمس إلى وقف لإطلاق النار في جنوب لبنان، مشدداً على ضرورة الوصول إلى «اتفاق سياسي يعيد أهل الجنوب إلى مناطقهم». وأشار جنبلاط إلى ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مؤكداً أن «التفاوض الداخلي الوطني يعيد السيادة إلى لبنان، وأن الدولة اللبنانية تبنى فقط بالتوافق بين كل الأطياف».
ووسط معلومات تشير إلى تسريع وتيرة الاتصالات الإيرانية الأميركية ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري لتقديم مقترحات حول تجنيب لبنان المزيد من الحرب والدمار، تحدثت مصادر دبلوماسية عن مسعى مصري ـ قطري مشترك للتفاوض حول خفض التصعيد ووقف الحرب بإعلان فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، والذهاب نحو هدنة.