العوامل الخطيرة التي أدّت إلى انكشاف الحزب

العوامل الخطيرة التي أدّت إلى انكشاف الحزب

الكاتب: روزانا بومنصف | المصدر: النهار
28 أيلول 2024
حتى قبل ان ينجلي غبار الحرب، يدرك لبنان بالتجربة المرة التي عاشها خلال الحرب الاهلية وما بعدها ان احداثا جسيمة على غرار استهداف إسرائيل لقيادة “حزب الله” وشلها او تعطيلها واكثر اغتيالها هو نقطة تحول جذري في المشهد اللبناني والاقليمي على حد سواء ومؤشر غالبا لتغييرات اقليمية او هو ترجمة لها. عاش التجربة على الاقل في اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل وعاشها في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ويحتمل جدا ان يعيشها باغتيال قيادة الحزب كذلك.

بالتجربة نفسها وان بظروفها المختلفة، تثار تساؤلات اذا كان اداء طهران المتغير بقوة منذ ما بعد مقتل رئيسها ابراهيم رئيسي وانتخاب ” اصلاحي” بتوجهات انفتاحية افصح في نيويورك عن واقع الحزب الذي لا يستطيع مواجهة اسرائيل منفردا كما قال منطقا مناقضا لسردية ايران التقليدية على مدى عقود وكشف الحزب امام اسرائيل في ظل اعتماد الاخير واستشهاده بتعظيم قواته وقدراته في الاعلام الاسرائيلي. اذ ان هذا الكشف للحزب اتى كذلك على خلفية تأكيدات ايران في نيويورك اثناء مشاركة وفدها الرئاسي في اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة انها لا تريد الحرب وتبحث عن السلام مع جوارها الاقليمي والمجتمع الدولي. كان عدم رد ايران كذلك على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة ” حماس” اسماعيل هنيه في طهران مؤشرا كبيرا في الاتجاهات الجديدة لايران بحيث طمأنت اسرائيل الى قدرتها على الاستفادة من هامش كبير اتيح امامها منذ الرد الذي قامت بها على استهداف بلدة شمس في الجولان المحتل باغتيال ابرز قادة الحزب فؤاد شكر في قلب الضاحية الجنوبية . هذا الاغتيال بحسب ما نقل عن قادة سياسيين في الحزب كان نقطة تحول مهمة باعتبار انها كشفت مدى اختراق اسرائيل لبنية الحزب وهيكليته وكل تحركاته الميدانية. ولكنها ايضا اتاحت لاسرائيل اظهار قدرتها على استهداف قيادات عسكرية عليها علامات استفهام كبيرة في الخارج نتيجة اتهامها بالمسؤولية عن عمليات عسكرية ” ارهابية ” وفق التصنيف الاميركي في شكل محدد وباضرار جانبية ضئيلة اذا صح التعبير .
ولعل تقويم هذا الامر في الخارج ان لم يلق تشجيعا فانه قوبل بالصمت وعدم الاعتراض اذا كانت هذه الاهداف الاسرائيلية وتتيح تسجيل نقاط لم تتح لعقود . هذا الاختراق الذي سجل نقطة اخرى كبيرة في خانة الحزب بتفجير اجهزة الاتصالات لدى الحزب ولاحقا باستهداف قيادة النخبة لديه. وبالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين ، اتضح خطأ تقديرات وتقويم الحزب لاسرائيل واهدافها على طول الخط ، ولو ان الوقت الراهن لا يتيح الذهاب الى انتقاده في هذه المرحلة . ولكن الاستهانة بهذه الأهداف التي تم تنبيهه اليها وعدم مراجعته لاهدافه وشروطه هي من مسؤوليته وحده ربما مع طهران فحسب التي باتت راهنا امام خيارات صعبة تتعلق اولا بارادتها عدم الذهاب الى حرب تتخطى لبنان على رغم الرهان على ان الحزب بالنسبة اليها هو غير ” حماس ” وقد تنصلت من عملية ” طوفان الاقصى ” التي قامت بها الحركة في السابع من تشرين الاول 2023 .ومن المفترض أن هذه الاعتداءات التي قامت بها اسرائيل مصممة لهزيمة إرادة ” حزب الله ” أو قدرته على مواصلة القتال، وبالتالي إجباره على إنهاء هجماته والسماح للمواطنين الإسرائيليين بالعودة إلى شمال اسرائيل.
ولكنها قد تنتهي في ضوء الاعتداءات التي طاولت مواقع الحزب في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب الى تضرر الحزب بقوة بحيث تعطل قدراته اقله لبعض الوقت عن تنفيذ ما كان يقوم به . وهو من حيث موقعه المسيطر في لبنان من جهة ومن موقعه الامتداد في المنطقة دعما وتدريبا لكل تنظيمات ايران فيها ومن حيث ما يعنيه من انعكاس لقوة ايران على الحدود مع اسرائيل على شاطىء البحر المتوسط ، فان تضرره الشديد سيعني تغييرات عميقة على الاقل امنيا وسياسيا في لبنان والمنطقة . هذا يشكل تحديا كبيرا لا سيما امام طهران بحيث قد يحتم عليها مقاربات جديدة في المستقبل في ضوء تقويمها لخسارتها وكيفية الحد من الاضرار او كيفية اعادة بناء نفوذها وقدراتها .