خاص- الحرب لن تتوقّف إلى أن يقبل الحزب بالصفقة
انطلقت الحرب على لبنان فعليّاً مع العمليّة السيبرانيّة المتمثّلة بتفجير “البيجر”، ثمّ تفجير أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي. وسُمّيت هذه المرحلة الأولى. وبعد كلمة الأمين العام للحزب حسن نصر الله، والتي رفض فيها وقف حرب “المساندة”، شنّت إسرائيل المرحلة الثانية، التي تمثّلت في الغارات الكثيفة على مناطق في الجنوب والبقاع الغربي، وصولاً إلى ريف حمص على الحدود اللبنانية السورية. وبعد كلّ مرحلة، تنتظر إسرائيل ما إذا كان الضغط الحاصل قد أدّى مفعوله، وصار كافياً لجعل الحزب ينصاع للصفقة بشروط تلّ أبيب، وإلّا ستستمرّ في التصعيد وتوسيع نطاق المعركة.
وتمّ تداول معلومات عن أنّ تلّ أبيب أبلغت رسالة إلى لبنان، مفادها أنّها ستعطي مهلة لبضعة أيّام لقبول الخيار الدبلوماسي، الذي ينصّ على وقف النار، وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة، وتطبيق القرار 1701، بما يتضمّنه من التراجع إلى شمال الليطاني وسحب الأسلحة الثقيلة ، من أجل توفير ظروف العودة الآمنة لسكّان المستوطنات الشماليّة. وإلّا فإنّها ستتّجه إلى تنفيذ عمليّات أقسى وأوسع.
وبالفعل، كان هذا هوالجوّ السائد عشية ضربة “البيجر”، حيث وصل الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل، في محاولة للجم التصعيد الكبير. وقد أرجأ بنيامين نتنياهو اجتماع المجلس الوزاري المصغر، الذي كان مقرراً فيه الإعلان عن توسيع الحرب على لبنان، في انتظار وصول هوكشتاين. وهذا ما ترك انطباعاً لدى بعض الدبلوماسيين بأن نتنياهو أراد إبقاء باب التفاوض مفتوحاً، وأن القرار بتوسيع الحرب على لبنان لم يُحسم بعد، خلافاً لما تُظهره المواقف المعلنة والتسريبات. ولكن أجواء اللقاء مع الموفد الأميركي لم تعطِ الإسرائيليين أيّ ضمانات بانخراط الحزب في التسوية. فحصل ما حصل عبر العمليّتين السيبرانيّتين غير المسبوقتين.
وفي تقدير هؤلاء الدبلوماسيين، أن نتنياهو وأركانه ما زالوا حتى اليوم يفضّلون خيار الصفقة مع “حزب الله”، لأنه يحقق أمن الحدود الشمالية بلا أكلاف، ومن دون المخاطرة بحرب واسعة. ولكن في المقابل، أدوات الحرب جاهزة، من أجل إبعاد خطر الصواريخ التي يحتفظ بها “الحزب”، سواء في جنوب الليطاني أو شماله.
وفي أيّ حال، تبدو الحرب الحاليّة مختلفة عن حرب تمّوز 2006 التي كانت حرباً صاعقة ومدمّرة للبنان، لكنّها لم تتمكّن من تدمير قدرات الحزب، بل على العكس كانت السبب في تقويته داخليّاً، وقيامه بتخزين ترسانة أسلحة على مدى سنوات، حتّى وصل إلى ما هو عليه الآن.
ويستعد نتنياهو للذهاب بسقف مرتفع إلى الولايات المتحدة، حيث سيلقي خطاباً أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك. ويعتقد كثيرون أن الرجل سيستغلّ المناسبة لتحصيل أكبر مقدار من الدعم الأميركي والتغطية الدولية لحكومته ومشاريعه في غزّة والضفة، اللتين يريد إحكام السيطرة عليهما عسكرياً وأمنياً وإدارياً، وتغييرهما سكانياً عبر مشروع طويل الأمد للتهجير وتكثيف المستوطنات.
واستناداً إلى التطوّرات الأخيرة، مع نقل الثقل العسكري إلى الجبهة اللبنانيّة، تصبح الكرة عمليّاً في يد الحزب. وهو لا يرفض التسوية مع إسرائيل في المطلق. وكان قد التزم طوال 17 عاماً بالقرار 1701 الذي يبقى ركيزة لأيّ تفاهم جديد. وحتّى الاتّفاق على الترسيم البرّي كان مسهّلاً في صيف 2023، لو أتيح للمفاوضات أن تنطلق برعاية هوكشتاين. لكن ربط نصر الله حرب “المساندة” بحرب غزّة عطّل الوصول إلى تسوية. ولذلك، لا ينحصر هدف نتنياهو اليوم بالتفاهم على تفاصيل التسوية مع “حزب الله”، وإنما يتركز خصوصاً على دفعه نحو المفاوضات والاقتناع بفك ارتباطه عن “حماس”. وعلى الأرجح، هو يراهن على أن تسديد اللكمات الموجعة إليه، كعملية “البيجر” وإظهار جدية التهديدات بتوسيع الحرب قريباً ربما يجبر الحزب على التجاوب.
وسواء قبِل الحزب بالصفقة باكراً، أو لجأ إلى خيار الصبر وتقبّل الخسائر، فإنّ إسرائيل ماضية في حربها المتدرّجة، التي ستوصلها في النهاية إلى ترسيخ معالم المنطقة العازلة التي تجهد لإقامتها في الجنوب تحت الضغط، عاجلاً أو آجلاً.