خاص- قرار الحرب والسلم خرج من يد الحزب!
حتّى الأمس كان “حزب الله” واثقاً من أنّ إسرائيل لن تقدِم على شنّ حرب واسعة في لبنان، لأنّها تحسب حسابات الخسائر التي ستطالها، وتخشى نشوب صراع إقليمي. وكانت أوساطه تشيع أجواء الاطمئنان إلى أنّ تلّ أبيب لن تجرؤ على تفجير حرب كبيرة، وأنّ في مقدور الحزب الاستمرار في حرب “المشاغلة” إلى ما شاء من الزمن. وعندما تنتهي حرب غزّة، في إمكانه أن يعود إلى الوضع الذي كان عليه قبل 8 تشرين الأوّل. ولكن يبدو أن الحزب بالغ كثيراً في تقديرالواقع الحقيقي، وفي الاتّكال على أنّ الضغوط الأميركية ستفعل فعلها، إلى أن حصلت عملية تفجير أجهزة اللاسلكي الغريبة وغير المسبوقة، والتي أصابت الحزب بالذهول والصدمة.
بالفعل، لقد بدأت الحرب على لبنان، ولكن بصورة غير متوقّعة. فالحرب لم تعد فقط بالغارات والصواريخ والمدافع، بل أصبحت حرباً بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والخرق الاستخباراتي. إذ أوقعت عمليات تفجير الأجهزة التي يحملها عناصر وقياديون في الحزب في دقيقة واحدة، أكثر ممّا يمكن أن توقعه غارات جويّة أو قصف صاروخي على مدى أيّام عدّة. كما أنّها حقّقت هدفاً عسكريّاً كبيراً من خلال تعطيل شبكة تواصل واسعة بين مجموعات من العناصرالحزبية، بعدما أوقف الحزب استعمال أجهزة الخلوي تحاشياً للخرق وعمليات الاغتيال. فالاتّصال هو العصب الرئيسي في أي ّ معركة، ويفوق بأهمّيته السلاح الحربي. إذ من دون التواصل بين الجبهات والقادة، لا يمكن لأيّ حرب أن تسير، أيّاً كانت نوعية السلاح.
وهكذا، فإنّ قرار الحرب والسلم الذي كان يحتكره “حزب الله” من دون إرادة سائر اللبنانيين، قد خرج الآن من يده عبر إسرائيل، التي قرّرت بنفسها توقيت الحرب على لبنان وشكلها، ولم تعد بحاجة لذريعة مباشرة للقيام بذلك. وأصبح الحزب مضطراً لخوض معركة ربّما لم يكن يريدها، لكنّه تورّط فيها. وقد دفع إلى الآن أثماناً باهظة، تمثّلت في سقوط العديد من القتلى في صفوف قيادييه وعناصره، وفي تشوّش شبكة التواصل التي يستعملها، إضافة إلى إفراغ القرى الحدوديّة من سكّانها، وهم الذين يشكّلون الخزّان البشريّ الخلفيّ للحزب.
عملية 17 أيلول شكّلت مفترقاً مهمّاً. فهي وضعت الحزب أمام خيارين: مواجهة كبيرة مع إسرائيل أو تسوية بشروط تلّ أبيب.
وإذا اتُخذ قرار المواجهة، فإنّ تحدّيات كثيرة تقف أمام الحزب هذه المرّة، منها:
– التفوّق التكنولوجي والسيبراني لدى إسرائيل، والذي أصبح الاعتماد عليه كبيراً في المعارك اليوم.
– كيفية تأمين وسائط جديدة للاتصال لا تكون مخترقة، بحيث يمكن استخدامها للتفجير والاغتيال، كما حصل أمس.
– انخفاض فاعلية الصواريخ أمام التفوق التكنولوجي.
– تفوّق سلاح الجو الإسرائيلي.
– كيفية رفع المعنويّات لدى السكّان، الذين باتوا يشعرون بأنهم مهدّدون في داخل بيوتهم، وحتّى في أسرّتهم.
فكيف سيردّ الحزب على عملية الأمس، وهل لديه القدرة على فعل ذلك بمستوى يتناسب مع حجم ما حصل؟
لبنان أمام منعطف مصيري. وتتوقّف التطورات على قرار إيران. فهل ستدفع الحزب إلى المواجهة، وبالتالي تخاطر به؟ وحتّى إن لم يردّ الحزب على هذا الاستهداف، فلا شيء يمنع إسرائيل من الآن وصاعداً من تنفيذ عمليات مماثلة أو شنّ ضربات قويّة. وهل يمكن للحزب في هذه الحالة أن يبقى على “حرب المشاغلة”؟
أمّا الخيار الآخر المقبول لدى إسرائيل، فهوتسوية يقوم بموجبها الحزب بسحب أسلحته وعناصره إلى ما بعد الليطاني، مع إجراءات تضمن التطبيق الكامل.
ثمّة من توقّع أن تقوم إسرائيل بشنّ هجوم برّي بعد عملية الأمس مباشرة، بحيث إنّ التوغّل سيكون أسهل، وسط البلبلة في الاتصالات وإصابة العديد من العناصر، وأيضاً بسبب أن القرى فارغة تقريبا من السكان، ما يجعل الدخول إليها أكثر سهولة. ولكن ذلك لم يحصل. حتّى أن العديد من المحلّلين الإسرائيليين أثاروا هذا الموضوع، مستغربين عدم إقدام إسرائيل على استغلال هذه اللحظة للدخول إلى لبنان وشنّ هجوم واسع عليه.
فهل ما زال هناك مجال للحلّ الدبلوماسي؟ الجواب متوقّف على قرار الحزب وإيران.