هكذا حولت حروب الجيل الخامس أجهزة “البيجر” إلى عبوات متنقلة

هكذا حولت حروب الجيل الخامس أجهزة “البيجر” إلى عبوات متنقلة

الكاتب: طوني بولس | المصدر: اندبندنت عربية
18 أيلول 2024

اخترقت إسرائيل أجهزة “البيجر” التي يستخدمها “حزب الله” للتواصل، وحوّلتها إلى عبوات ناسفة تسببت بإصابات كبيرة بين عناصر الحزب. إذ تم تفخيخ الأجهزة بمتفجرات شديدة الحساسية وتفجيرها عن بعد، مما يشير إلى قدرة إسرائيل العالية في الحرب السيبرانية.

بشكل مفاجئ تحولت أجهزة نداء “البيجر”، التي اعتمدها “حزب الله” ضمن سلاح الإشارة للتواصل بين مجموعاته، من وسيلة آمنة إلى عبوات متنقلة بين أيادي عناصر وكوادر الحزب، نتيجة خرقٍ إسرائيلي غير مسبوق ما أدى إلى انفجارها بأيدي حامِليها وتسبَّب بسقوط أعداد هائلة من الإصابات، حيث كان كل منها يحوي شحنة متفجرة زنة 20 غراماً بحسب تقارير أمنية.
وتشير المعلومات الى أن أجهزة النداء “بيجر” التي استوردها “حزب الله” أخيراً هي من أحدث طراز وقد استلمها قبل خمسة أشهر، بعد تعميم داخلي ملزم بالاستغناء عن الأجهزة الذكية التي يسهل تعقبها والتنصت من خلالها على كوادر “الحزب”، حيث تعمل تلك الأجهزة خارج شبكة الإنترنت، وتتصل من خلال ترددات أرضية ضمن دائرة محدودة وعلى نطاق يتراوح بين 3 إلى 9 كيلومترات، ويمكن توسيع نطاقها عبر نشر أجهزة ارسال على طريقة إرسال الإذاعات الأرضية (الراديو).
وفي معلومات ميدانية من الضاحية الجنوبية ومناطق لبنانية أخرى، فان المصابين هم من العناصر والكوادر من مراتب عليا، وبعضهم يعمل في حقل الاتصالات والهندسة وشؤون أخرى، ويتواجد بعضهم على الخطوط الأمامية للجبهة، ويؤكد خبراء عسكريين أن تفخيخ تلك الأجهزة حصل قبل دخولها إلى لبنان وهي مصممة لتنفجر بالشكل الذي رأيناه.
ويعتبر هؤلاء أن خطورة هذا الاختراق تتجاوز الحادثة نفسها، لتساهم بمزيد من انكشاف الهيكلية التنظيمية للحزب سواء لعناصره أو مواقعه ويمكن أن تكون تلك الأجهزة تحمل تكنولوجيا تعقب وبالتالي ساهمت في التعرف على كثير من البنية التحتية العسكرية للحزب.
وكشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، تفاصيل تفجير جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” أجهزة “البيجر” الخاصة بـ “حزب الله”، حيث قام جهاز الموساد بتفخيخ بطاريات الآلاف بالمتفجرات ثم رفع درجة حرارتها عن بُعد لتفجيرها، لافتتاً الى أن الاستخبارات الإسرائيلية أوقفت الأجهزة قبل تسليمها إلى الحزب، إذ قامت بحشوها بمادة PETN شديدة الحساسية ثم عمدت إلى تفجيرها عن بعد.

الجيل الخامس

ومنذ انطلاق الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، بات واضحاً إنها حرب غير تقليدية وتختلف تماماً عن الحروب السابقة التي شهدتها المنطقة، حيث تظهر حروب الجيل الخامس أن التكنولوجيا باتت تشكل عنصراً حاسماً فيها، وقد استطاعت إسرائيل أن تحقق تفوقاً واضحاً، بفضل قدراتها السيبرانية وتكنولوجيات الطائرات المسيرة.
وتُظهر أزمة “حزب الله” وجميع الفصائل التابعة لإيران، أنها بنت عقيدتها القتالية وتدريباتها لتحاكي الحروب التقليدية التي تعتمد على القوة العسكرية المباشرة، في حين اعتمدت إسرائيل على التكنولوجيا الحديثة والمعلومات الرقمية كعناصر أساسية في الصراع، تشمل الأسلحة السيبرانية، الذكاء الاصطناعي، الطائرات من دون طيار، والحرب النفسية، وتكتيكات غير تقليدية.
وعلى الرغم من التفوق الإسرائيلي، تحاول إيران، بالتعاون مع حلفائها مثل روسيا والصين، تعزيز قدراتها التكنولوجية في مجالات مثل الفضاء السيبراني والطائرات المسيرة.

الحرب الأهلية

وعرف لبنان “البيجر” خلال الحرب الأهلية، إذ استخدمته الميليشيات حينها للتواصل مع كوادرها بعيداً عن التنصت أو لاستدعائهم إلى اجتماعات طارئة، ويعمل عبر الموجة القصيرة وتُركَّب الهوائيات الخاصة به على الأعمدة، وهو جهاز النداء يعمل لا سلكياً ويستقبل الرسائل. واستُخدمت هذه الأجهزة على نطاق واسع في الثمانينيات من القرن الفائت قبل انتشار الهواتف المحمولة، وخاصة في نطاقات الرعاية الصحية وخدمات الطوارئ ورجال الأعمال.
أما النوع الأكثر شيوعاً منها فيستقبل رسائل نصية قصيرة أو رقم هاتف، مما يدفع المتلقي إلى معاودة الاتصال، وهناك فئات أحدث من هذه الأجهزة يمكنها إرسال الرسائل واستقبالها، وتكمن أهميته بالنسبة لـ “حزب الله” في نقاط أساسية عدة، وهي أنها أجهزة بسيطة التركيب، وتتمتع بنطاق ممتاز، وغير متصلة بالإنترنت، وتعتمد على ترددات الراديو، التي يمكنها أن تسافر لمسافات طويلة وتخترق المباني بشكل أكثر فعالية من الإشارات الخلوية.

الضربة الأقسى

وفي السياق يوضح المستشار العسكري السابق في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط عباس الداهوك، عدم وجود أي علاقة لأميركا في الهجوم الذي استهدف الـ “بيجر”، في حين أن إسرائيل تبدو مستعدة وعلى جاهزية كاملة لمهاجمة “حزب الله”، لافتاً إلى أنها أقسى ضربة عسكرية يتلقاها الحزب منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وبرأي الداهوك، فإن على “حزب الله” البحث عن مسار لوقف العنف بدل البحث عن رد يؤدي الى مزيد من احتمالات الحرب، وعليه العودة إلى الحكومة وإرادة الشعب اللبناني، مشدداً على أن “قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالدفاع عن إسرائيل أمر محسوم وهذا واضح من خلال ارسال القطع العسكرية”، معتبراً أن الحرب الدائرة في غزة انتقلت إلى حرب بوجه “حزب الله”، وتفجيرات “البيجر” تؤكد قدرات إسرائيل العسكرية وإمكانية إلحاقها أضرار كبيرة بالحزب.

رد انتقامي

في المقابل، برر أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران حسين رويوران، مسألة امتلاك السفير الإيراني في بيروت جهاز “البيجر” بأنه أمر اعتيادي في سياق التنسيق مع “حزب الله”، مشيراً إلى أن “أميركا تتحمل مسؤولية مباشرة في هذا الهجوم كونها الداعم الأول لإسرائيل”.
وأكد رويوران أن إيران سترد مستقبلاً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وكذلك “حزب الله” سينتقم لـ “المجزرة” التي تعرض لها عناصره، متوقعاً أن يكون الرد محدوداً ولا يحقق رغبة إسرائيل بتوسيع الحرب، وذلك ضمن سياق إرساء سياسة الردع بوجه إسرائيل.

العصر الحجري

في السياق رأى المتخصص بالإعلام الرقمي والتواصل، بشير تغريني، أن “الفرضية المرجَحة هي وجود خرق أمني كبير لمنظومة “حزب الله”، قد يكون عبر موجات الترددات التي تعمل عليها أجهزة البيجر”، كاشفاً أن “الأخطر هو ترجيح زرع مواد متفجرة داخلها ما أدى إلى هذا الحجم من التفجير”.
وبرأيه فإن شحنة أجهزة “بيجر” التي وصلت إلى الحزب مختلفة عن تلك الموجودة لدى المستشفيات والأطباء، حيث يمكن لإسرائيل أن تميز بينها وأن ترصد الترددات التي يستخدمها الحزب في التواصل بين مجموعاته، لافتاً إلى دقة الخرق حيث وصلت الانفجارات إلى سوريا، مشدداً على أنه رغم الفرضيات العديدة فإن إسرائيل وحدها تملك الإجابات حول حقيقة ما حصل وما هي التكنولوجيا التي استعملتها.
وأشار تغريني الى أن المتفجرات يمكن أن تكون زُرعت لدى المصدر أي المصنع أو ربما لدى الطرف الثالث الوسيط، مرجحاً أن يكون “الموساد” اخترق المصدر المصنِّع لتجنب إعادة تفكيكها وتركيبها مرتين.
وحول خيارات الحزب البديلة، فيعتبر المتحدث ذاته إلى أنها “باتت قليلة” ولم يعد يمتلك سوى شبكته الأرضية والتي يمكن أن تكون أيضاً مخترقة، وبذلك يعود الحزب إلى العصر الحجري في التكنولوجيا حيث بات مؤكداً أن إسرائيل قادرة على تعقب جميع الوسائل التكنولوجية ومن ضمنها التقليدية والبدائية.

بيرل هاربر

من ناحيته، يوضح الباحث السياسي علي حمادة، أن أجهزة “البيجر” هي منظومة مغلقة ضمن مجموعة تعمل على نفسها وتعمل مع مشّغل رئيس مركزي، مقدراً وجود حوالي 10 آلاف جهاز مرتبطين بشبكات مركزية، وأن “حزب الله” يكتم المعلومات الحقيقة حول كيفية وصول تلك الشحنة إلى لبنان، فيما لا تستطيع السلطات الرسمية المشاركة بالتحقيق لمعرفة حقيقة ما جرى.
وكشف أن الحزب يستورد عادةً معداته التكنولوجية مباشرةً عبر آليات خاصة دون المرور بالدولة اللبنانية أو السماح لها بمعرفة طبيعة الشحنات المستوردة، معتبراً أن وجود “متواطئين” مع إسرائيل من عناصر الحزب بات أكيداً، إذ من الواضح أن شبكة من الموساد تخترقه وكذلك إيران، لافتاً أن إسرائيل لديها القدرة الاستخباراتية للقيام بعمليات أمنية كبيرة ومعقدة. وشبّه حمادة العملية بأنها “بيرل هاربر” الذي اجتاح منظومة “حزب الله” العسكرية، وبالتالي “يُفترض أن تستدعي تلك الضربة الكبيرة رداً انتقامياً كبيراً وهذا أمر لا يمكن اتخاذه على مستوى “حزب الله” دون العودة إلى القيادة في إيران”.

موجات كهرومغناطيسية

بدوره كشف الخبير العسكري، رئيس جهاز الاستطلاع المصري الأسبق، اللواء محمد عبد المنعم، أن عملية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي لـ “حزب الله” استخدمت فيها إسرائيل تقنية عالية الدقة، من خلال رصد الحيّز الترددي لتلك الأجهزة ومن ثم استهدفها بموجات كهرومغناطيسية.
وشدد عبد المنعم على أن “إسرائيل لا تمتلك هذه التقنية العالية، وأقصى ما تملكه إسرائيل هو تحديد الحيّز الترددي للأجهزة، أما استهداف الأجهزة اللاسلكية بالموجات الكهرومغناطيسية فهي عملية أميركية، لذلك فإن الولايات المتحدة تعد شريكة مع إسرائيل في تنفيذ العملية”.
وبحسب مختصين، فإن مادة “الليثيوم” في البطاريات لا تنفجر بدون درجة تسخين عالية تحتاج محفزاً للتسخين، وإذا انفجرت فأضرارها أقل مما شهدنا، ما يؤكد فرضية زرع كمية بسيطة من المتفجرات داخل الأجهزة وقد تكون بحجم شعرة أو نقطة كقطعة بلاستيك صغيرة.
والرواية الأقرب كما يقول مراقبون أنه تم اختراق المصنع في تايوان قبل تسليم الشحنة وتعديل الأجهزة التي اشتراها الإيرانيون بعيداً عن العقوبات، بمعنى أنها كانت “صفقة مخفية”، وبعدها تم تسليمها لـ “حزب الله” وسفير طهران في بيروت.