خطر التسويق الاكتروني لأدوات الجريمة

خطر التسويق الاكتروني لأدوات الجريمة

الكاتب: جنان الخطيب | المصدر: الاخبار
7 أيلول 2024

أصبحت عبارة SHOP Now! «اشترِ الآن» من العبارات الرائجة التي تُستخدم بشكل مكثّف في مقاطع الفيديو القصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تهدف إلى جذب الانتباه وتشجيع الناس على شراء منتجات معيّنة. تُصمم هذه المقاطع عادةً بأساليب جذابة لشد انتباه المشاهدين وتحفيزهم على اتخاذ قرار الشراء بسرعة. لكن، ماذا لو كانت هذه الإعلانات تستهدف عقولاً وتدفع نحو سلوكيات إجرامية؟ وتُروّج لمنتجات قد تساهم في زيادة معدلات الجريمة، مثل أدوات للسرقة أو رذاذ مخدّر، وأحدثها أداة تتيح فتح أي باب في ثوانٍ معدودة؟ في ظل غياب القوانين الصارمة وعدم كفاية الإشراف من قبل الجهات المختصة، فضلاً عن ضعف قدرة الأهل على متابعة سلوك أبنائهم على الإنترنت، فإننا علمياً قد نواجه زيادة ملحوظة في معدلات الجريمة. الترويج لأدوات الجريمة عبر الإنترنت لا يساهم فقط في تفشّي الجريمة، بل يخلق أيضاً بيئة تشجع على ظهور «مجرمين جدد» قد لا تكون لديهم نية مسبقة للانخراط في هذه الأنشطة

بينما كان كريم، المراهق ذو السبعة عشر عاماً، يتصفّح وسائل التواصل الاجتماعي، لفت انتباهه إعلانٌ غامض: «افتح أي باب بسهولة – أداة متاحة الآن بسعر منخفض!». بسعر مقبول وتوصيل سريع من الصين، بدت الصفقة مغرية لدرجة لا تقاوم. ربما، بدافع الفضول، قرّر كريم شراء الأداة. وربما كان قراره يعود إلى أنه قد يحتاج إليها يوماً إذا ما فقد مفتاحه، ولم تكن لديه نية مسبقة لاستخدامها في أنشطة غير قانونية. وربما الواقع كان أكثر تعقيداً. إذا كان كريم يعاني من سلوكيات منحرفة أو ميل للانحراف، فقد تكون الأداة التي اشتراها وسيلة لتحقيق أهدافه غير القانونية. في هذه الحالة، لا تقتصر المخاطر على مجرد الفضول؛ بل يتسع نطاق المشكلة لتشمل سلوكيات غير قانونية يمكن أن تزداد بسبب توفر هذه الأدوات. حتى وإن كانت الأداة غير فعّالة أو حتى مزيّفة، فإن فكرة بيع وشراء مثل هذه الأدوات تمثل خطورة في حد ذاتها.
فبينما يتطلب شراء الأسلحة غالباً الوصول إلى الويب المظلم أو التواصل عبر قنوات سرية ومعقّدة، توفر هذه الإعلانات أدوات تسهّل عمليات السطو وتجعل ارتكاب الجرائم أسهل وأكثر «إغراءً» عبر تنويم الأشخاص برذاذ التخدير المنتشر أيضاً في السوق الإلكتروني. إن الترويج لمثل هذه المنتجات يُعد جريمة بحد ذاتها، لأنها تشجع على الانحراف وتفتح المجال أمام المراهقين والبالغين للحصول على أدوات قد تُستخدم في أعمال غير قانونية، ما يجعل من الضروري توخي الحذر والوعي بشأن كل ما يُعرض من إعلانات على الإنترنت.

الترويج لأدوات الجريمة عبر الإنترنت
عندما نتحدث عن الترويج لأدوات الجريمة عبر الإنترنت، فإننا نعني بذلك بيعَ أو توزيع أدوات أو منتجات يمكن استخدامها لتنفيذ جرائم، سواء كانت متعلقة بالسطو، الاحتيال، التزوير، أو حتى الجرائم العنفيّة. يتيح الإنترنت للمجرمين الوصول إلى هذه الأدوات بسهولة لم تكن متاحة من قبل، وذلك من خلال مواقع ويب مظلمة (Dark Web) والآن أكثر خطورة عبر منصات التواصل الاجتماعي العامة.

أدوات السطو والاقتحام
تتوفر على الإنترنت أدوات متعددة يمكن استخدامها لاقتحام المباني والمنازل. على سبيل المثال، توجد أدوات تساعد على فتح الأقفال دون الحاجة إلى مفتاح، وأخرى تُستخدم لقطع الأسلاك المعدنية أو الأسلاك الشائكة. هذه الأدوات يمكن الحصول عليها بسهولة من خلال بعض المواقع الإلكترونية التي تتظاهر بأنها تبيع أدوات قانونية للاستخدام الشخصي أو المهني، لكنها في الواقع تروّج لمواد يمكن استخدامها بشكل غير قانوني.

الأسلحة غير القانونية
يُعتبر الإنترنت سوقاً عالمياً للأسلحة غير القانونية، حيث يتم بيع الأسلحة النارية، السكاكين، والمتفجّرات. في العديد من الحالات، يتم الترويج لهذه الأسلحة عبر مواقع الويب المظلمة التي تتطلب إجراءات أمان متقدّمة للوصول إليها. ومع ذلك، فإن البعض الآخر من هذه الأسلحة يتم الترويج له بشكل مفتوح على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم إخفاؤه تحت غطاء بيع الأدوات الرياضية أو أدوات الدفاع عن النفس.

البرمجيات الخبيثة وأدوات القرصنة
البرمجيات الخبيثة وأدوات القرصنة أصبحت متاحة بشكل غير مسبوق على الإنترنت. يمكن للأشخاص الذين يرغبون في ارتكاب جرائم إلكترونية، مثل اختراق الحسابات البنكية أو سرقة الهوية، الحصول على هذه الأدوات بسهولة. بعض المواقع تقدّم هذه الأدوات بشكل مجاني أو مقابل مبالغ مالية بسيطة، ما يجعلها في متناول حتى المجرمين غير المحترفين.

المواد الكيميائية الضارة
تتوفر على الإنترنت أيضاً مواد كيميائية يمكن استخدامها لتنفيذ جرائم، مثل تصنيع المتفجرات أو السموم وتلك المتعلقة ببخّاخات التنويم والتخدير. بعض هذه المواد تُباع تحت غطاء الاستخدام الصناعي أو التعليمي، لكنها تُستخدم في الواقع لأغراض غير قانونية.

كيف يُسهم العالم الرقمي في تفشّي الجريمة؟
قد يكون أحد الأسباب الرئيسية لزيادة معدل الجريمة بسبب الترويج لأدوات الجريمة عبر الإنترنت هو سهولة الوصول إلى هذه الأدوات. في السابق، كان المجرمون بحاجة إلى التواصل مع شبكة معقّدة من الوسطاء للحصول على الأدوات التي يحتاجون إليها. أما اليوم، فيمكنهم ببساطة الدخول إلى الإنترنت، البحث عن الأداة المطلوبة، وشراؤها دون ترك أثر واضح.

كما أن الإنترنت يوفر للمجرمين مستوى عالياً من التخفّي. على سبيل المثال، يمكنهم استخدام خدمات الإنترنت المظلمة لإخفاء هويتهم والتعامل مع البائعين والمشترين دون الكشف عن معلوماتهم الشخصية. هذا التخفي يجعل من الصعب على السلطات تعقّبهم أو القبض عليهم.
أهم من ذلك هو التأثير على المجرمين المبتدئين، فقد يكون الترويج لأدوات الجريمة عبر الإنترنت سبباً في تحفيز الأشخاص الذين لم يفكروا مسبقاً في ارتكاب جرائم للقيام بذلك. فعندما يجد شخصٌ ما أدوات سهلة الاستخدام وتوجيهات واضحة حول كيفية استخدامها في تنفيذ جريمة، قد يشعر بالإغراء لتجربة هذه الأدوات حتى ولو لم تكن لديه نية مسبقة لارتكاب جريمة.
إلى ذلك، تستخدم خوارزميات الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي بيانات المستخدمين لاستهدافهم بشكل دقيق. هذا يعني أن الإعلانات التي تروّج لأدوات أو سلع قد تكون غير قانونية يمكن أن تصل بسهولة إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر، ما يزيد من احتمالية استغلالها في الأنشطة الإجرامية.

الألعاب الإلكترونية والإعلانات المشبوهة
لا يمكن الحديث عن الإعلانات التي تروّج لأدوات الجريمة والتي قد تصل إلى هواتف المراهقين من دون الإشارة إلى الألعاب التي قد تسهم أيضاً في زيادة السلوكيات المنحرفة. فبعض الألعاب على الإنترنت قد تسهم في زيادة الجرائم بسبب محتواها المثير للجدل أو السلوكيات التي تروّج لها. من الأمثلة البارزة على ذلك لعبة “Grand Theft Auto V” (GTA V)، التي أثارت نقاشاً كبيراً.

هذه اللعبة تحاكي عالماً إجرامياً، ما يسمح للاعبين بالمشاركة في أنشطة مثل السرقة والعنف وسلوكيات غير قانونية أخرى ضمن بيئة افتراضية. مثال آخر هو «تحدي الحوت الأزرق» Blue Whale Challenge، وهي لعبة خطيرة على الإنترنت يُفَرض على اللاعبين من خلالها أداء سلسلة من المهام المتزايدة في خطورتها، والتي قد تصل إلى إيذاء النفس أو الانتحار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تسهم «الألعاب التي تحاكي الإرهاب» Terrorist-themed games، مثل تلك التي تُجَسِّد الأنشطة أو الهجمات الإرهابية، في تجميل العنف وتشجيع الأيديولوجيات المتطرفة أو التصرفات غير القانونية.

علماً أن تأثير هذه الألعاب يمكن أن يختلف بين الأفراد، وليس كل من يلعبها سيشارك في أنشطة إجرامية، ومع ذلك، فإن المخاطر المحتملة المرتبطة ببعض الألعاب تبرز الحاجة إلى البحث المستمر وتصميم الألعاب بشكل مسؤول، بالإضافة إلى التوجيه والإشراف لتقليل الأضرار المحتملة.

دور العلم الجنائي الرقمي
من الناحية الجنائية، يمكننا التغلّب على تأثير الإعلانات المشبوهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال تنفيذ استراتيجيات متكاملة ومبنية على تقنيات تحليل الأدلة. أولاً، يمكن استخدام أدوات تحليل البيانات المتقدمة والذكاء الاصطناعي لرصد وتحليل الإعلانات المشبوهة التي تستهدف الأفراد بطرق غير قانونية. يمكن للخبراء في مجال العلم الجنائي الرقمي تحديد الأنماط والسلوكيات المرتبطة بالإعلانات التي تروّج لأدوات خطرة أو غير قانونية. ثانياً، من المفترض تعزيز التعاون بين الشركات التقنية والجهات القانونية لمشاركة المعلومات حول الأنشطة المشبوهة واتخاذ إجراءات قانونية ضد المروّجين لهذه الإعلانات. ثالثاً، يمكن تطوير قواعد بيانات متكاملة تسجل الأنشطة المشبوهة والإعلانات غير القانونية، ما يسهم في تحسين قدرة السلطات على تتبّع وتفكيك الشبكات التي تستغل هذه المنصات. أخيراً، يتطلب الأمر تدريباً مستمراً للكوادر الجنائية على تقنيات التحقيق الرقمي وفهم التهديدات الجديدة التي قد تظهر، ما يساعد في تعزيز القدرة على مواجهة التحديات المتطورة في هذا المجال.