تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

تقرير استخباريّ أميركيّ: الضفة الغربية نحو انتفاضة ثالثة؟

الكاتب: ايمان شمص | المصدر: اساس ميديا
7 أيلول 2024

حذّر تقرير استخباريّ أميركي من أن تؤدّي العمليات العسكرية الإسرائيلية الواسعة النطاق وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية في الأشهر المقبلة إلى اندلاع انتفاضة ثالثة خطيرة التداعيات على منطقة الشرق الأوسط بأكملها ليس أقلّها انتشار العنف على نطاق واسع داخل إسرائيل بين المجتمعات العربية والإسرائيلية، وإضعاف السلطة الفلسطينية وتصاعد عنف المستوطنين، بالإضافة إلى زيادة العزلة الدبلوماسية لإسرائيل وتفاقم خلافاتها مع حلفائها الغربيين والدول العربية التي طبّعت علاقاتها معها، إلى جانب تأخير حرب كبيرة محتملة مع الحزب وتشجيع وكلاء إيران على شنّ هجمات ضدّها دعماً للفلسطينيين، وصولاً إلى تصاعد الاضطرابات في الدول العربية، وخاصة الأردن.

عرض التقرير الذي أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنيّة الأميركي المعروف اختصاراً باسم “ستراتفور (Stratfor)، وهو مركز استخبارات استراتيجية أميركية تأسّس عام 1996 ويركّز على قضايا الأمن وتحليل المخاطر الجيوسياسية ويوفّر خبراؤه ومعظمهم من الموظّفين السابقين لدى وكالة المخابرات الأميركية (سي آي إي) معلومات استخبارية موثوقة لاتّخاذ قرارات أكثر استنارة في ما يتّصل بسلسلة العمليات الواسعة النطاق التي ينفّذها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. ورجّح التقرير أن تشنّ القوات العسكرية الإسرائيلية في الأسابيع المقبلة المزيد من الغارات الواسعة النطاق لإضعاف قدرات الميليشيات الفلسطينية في الضفة، وهو ما سيضعف شرعية السلطة وقدراتها على إنفاذ القانون ويشجّع المستوطنين الإسرائيليين على إنشاء المزيد من المستوطنات.

ولكن في مواجهة تداعيات محلية قليلة أو ردود فعل سلبية خطيرة من جانب حلفاء رئيسيين مثل الولايات المتحدة، التي لا يبدو حتى الآن أنّها تعارض علناً وبشكل صريح الحملة التي يشنّها جيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية، فإنّ إسرائيل ستستخدم حملتها العسكرية في الضفة الغربية لمحاولة الحدّ من التشدّد هناك. وهذا الأمر مرجّح بشكل خاصّ لأنّ السلطة الفلسطينية على الأقلّ في الوقت الحالي لا يبدو أنّها تقاوم بقوّة أيّ إجراءات إسرائيلية نظراً لاعتمادها الماليّ على إسرائيل.

العنف يتّجه لرام الله وبيت لحم

توقّع التقرير أن تتصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية وتتوسّع نحو مدن رئيسية أخرى في الضفة الغربية مثل رام الله وبيت لحم. ولكن ما دامت السلطة الفلسطينية تمارس سيطرة فعّالة على قوّاتها الأمنية، التي لا تزال تضع حدّاً أعلى لمدى القتال الفلسطيني والاضطرابات الاجتماعية، فلن تتحوّل إلى انتفاضة رسمية. ومع ذلك ستواجه السلطة ضغوطاً محلّية هائلة من جانب سكان الضفة الغربية الذين سيهرعون إلى دعم القضية الفلسطينية المسلّحة.. وسيؤدّي هذا إلى إجهاد قبضة السلطة الفلسطينية على الوضع الأمني ​​المتقلّب في الضفة الغربية، وقد تتحوّل قوات الأمن التابعة للسلطة أيضاً نحو دعم الإجراءات ضدّ إسرائيل مع تضاؤل ​​الثقة بمؤسّسة السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، سيزيد المستوطنون الإسرائيليون والفصائل اليمينية المتطرّفة، الذين شجّعتهم العمليات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي على القيام بمزيد من العنف وإنشاء المزيد من المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية، من توتّر الوضع وزيادة الضغط على السلطة الفلسطينية للمشاركة في النضال بشكل ما.

انتفاضة تشارك فيها السّلطة الفلسطينيّة؟

في رأي معدّي التقرير أنّ ضعف السلطة الفلسطينية وتكثيف حملة قوات الدفاع الإسرائيلية سيزيدان من احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى فترة طويلة من العنف الشديد في الضفة الغربية وإسرائيل. كما أنّ استمرار العمليات العسكرية لقوات الدفاع الإسرائيلية والهجمات التي يشنّها المستوطنون الإسرائيليون وسط الغضب الفلسطيني إزاء الإجراءات الإسرائيلية في غزة يعني أنّ الضفة الغربية ستصبح أكثر تقلّباً. ويمكن للإجراءات الاستفزازية التي تقوم بها شخصيات مثل رجل الأمن الإسرائيلي المتطرّف إيتامار بن غفير أن تشكّل نقطة اشتعال لاضطرابات واسعة النطاق، وهو ما يزيد من احتمالات اندلاع مقاومة فلسطينية واسعة النطاق.

في ظلّ الضغوط الهائلة التي تفرضها الجماهير المحبطة بسبب استمرار الاحتلال وتوسّع المستوطنات والاستفزازات الإسرائيلية المزعومة، قد تجد السلطة الفلسطينية نفسها مضطرّة إلى المشاركة في أيّ انتفاضة ثالثة أو دعمها. وهذا من شأنه أن يشكّل تحوّلاً كبيراً، لأنّ مشاركة السلطة من المرجّح أن تمنح الانتفاضة ثقلاً وشرعية أكبر، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تكثيف الصراع.

الضفة الغربية

يرجّح التقرير أن يؤدّي اندلاع انتفاضة ثالثة إلى اندلاع احتجاجات واسعة النطاق وأعمال شغب واشتباكات بين المستوطنين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية. وقد يعلن الفلسطينيون إضرابات عامّة. ونظراً لإعلان حماس الأخير لحملة تفجيرات انتحارية، فإنّ الجماعات الفلسطينية المسلّحة في حالة اندلاع انتفاضة واسعة النطاق ستحاول تنفيذ المزيد من الهجمات على غرار حرب العصابات مثل إطلاق النار والتفجيرات ضدّ الإسرائيليين في الضفة الغربية وداخل إسرائيل نفسها، مع احتمال إفلات بعض الهجمات من الدفاعات الإسرائيلية وسط ضغوط الموارد والاهتمام الذي تعاني منه أجهزة الأمن. ومن الممكن أيضاً أن تمتدّ الانتفاضة المحتملة إلى إسرائيل، وهو ما قد يؤدّي إلى احتجاجات أو أعمال شغب أو اشتباكات بين الطوائف في المجتمعات العربية الإسرائيلية، ويشكّل تحدّياً لقدرة الحكومة على الحفاظ على النظام ويعمّق الانقسامات في ما يتّصل بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة وعلى طول الحدود الشمالية مع لبنان.

.. تزيد من عزلة إسرائيل

ستؤدّي الانتفاضة الثالثة، كما يرجّح التقرير، إلى إضعاف مكانة إسرائيل الدبلوماسية في الخارج بشكل كبير، وإلى المزيد من الخلافات مع حلفائها الغربيين.

اعتبر التقرير أنّ طلب الدبلوماسي الأعلى في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، قاصداً على الأرجح بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب رسائل الكراهية ضدّ الفلسطينيين واقتراح سياسات من شأنها انتهاك القانون الدولي، يسلّط الضوء على العواقب المحتملة للعنف المتزايد في الضفة الغربية الذي دعا إليه هذان الوزيران، وقد يؤدّي إلى توتّر العلاقات بين إسرائيل وحلفائها الغربيين في الأمد البعيد.

وتؤدّي إلى اضطرابات في الأردن

على نطاق أوسع، من المرجّح، بحسب التقرير، أن تتصاعد المشاعر المؤيّدة للفلسطينيين داخل الشرق الأوسط بشكل كبير في حالة اندلاع انتفاضة، وأن تتّخذ الدول التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، مثل الإمارات العربية المتحدة والمغرب، إجراءات صارمة ضدّ الانتقادات الموجّهة لحكوماتها وتتّخذ إجراءات رمزية ضدّ إسرائيل، لكنّها ستمتنع عن قطع العلاقات بسبب الفوائد الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية المترتّبة على تطبيع العلاقات. وقد تواجه دول أخرى مثل الأردن اضطرابات اجتماعية أكثر حدّة ردّاً على مواقفها من إسرائيل، وتهدّد استقرارها، وخاصة في ضوء محاولة إيران استغلال هذه المشاعر لفتح جبهة أخرى ضدّ إسرائيل.

يستضيف الأردن أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين في أيّ دولة، ومنذ 7 أكتوبر 2023 يواجه اضطرابات اجتماعية يهدف المتظاهرون فيها إلى إجبار الحكومة، التي وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994، على اتّخاذ موقف أكثر عدوانية تجاه جارتها. وبحسب ما ورد تخشى عمّان أن يتسبّب العنف المتزايد في الضفة الغربية في نزوح فلسطيني آخر إلى الأردن. وفي الوقت نفسه، سعت إيران في عدّة مناسبات إلى تهريب الأسلحة إلى المسلّحين الفلسطينيين في الأردن لفتح جبهة جديدة ضدّ إسرائيل كما فعلت في سوريا ولبنان.

وتؤخّر الحرب ضدّ الحزب

من شأن الانتفاضة الفلسطينية الكاملة، وفقاً للتقرير، أن تجبر إسرائيل على تحويل الموارد العسكرية وبعض القوات والمعدّات نحو الضفة الغربية وتأمين إسرائيل، وهذا يحدّ من قدرتها على التوغّل البرّي في لبنان إلى حدّ استبعاد الغزو مؤقّتاً على الأقلّ. وسيكون تأمين الضفة الغربية أولوية سياسية للحكومة الإسرائيلية أعلى من التوغّلات البرّية في لبنان، وستكافح الحكومة الإسرائيلية للحفاظ على الدعم الشعبي إذا بدا أنّها تخوض حرباً برّية على جبهتين أو ثلاث.

في حالة اندلاع انتفاضة أخرى، من المرجّح أن تنفّذ الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة، بما في ذلك الحوثيون في اليمن والحزب في لبنان وكتائب حزب الله في العراق، هجمات رمزية ضدّ إسرائيل دعماً للفلسطينيين، على الرغم من أنّ من غير المحتمل أن تصعّد ضدّ إسرائيل بشكل أساسي خوفاً من أعمال انتقامية أوسع نطاقاً من إسرائيل والولايات المتحدة. كما أنّ الدول العربية في الشرق الأوسط هشّة، وبناءً على السوابق الماضية فهي عرضة لنوبات مفاجئة من الاضطرابات وتغييرات النظام.

ونظراً لموجة الاحتجاجات المؤيّدة للفلسطينيين التي شهدتها هذه البلدان خلال الأشهر القليلة الماضية، وخاصة تلك التي تربطها علاقات طبيعية بإسرائيل مثل مصر والأردن والمغرب، فإنّ هذه الدول ترغب في تجنّب الاضطرابات الاجتماعية الجماعية في حالة اندلاع انتفاضة ثالثة، وبالتالي من المرجّح أن تكون أكثر حزماً دبلوماسياً في ما يتعلّق بإسرائيل. ومع ذلك، يظلّ من غير المرجّح أن تقطع هذه البلدان علاقاتها مع إسرائيل تماماً بسبب الفوائد الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية العديدة المترتّبة على الروابط مع إسرائيل.